hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - نداء الوطن- إيفون صعيبي - نداء الوطن- إيفون صعيبي

"أحصنة الموازنة" الجامحة تطيح الإصلاح

الإثنين ١ تموز ٢٠١٩ - 14:59

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يُفهم بالاقتصاد الوطــني أشيــاء ثلاثة: التصرّف بعقلانية بغية عدم إضاعة مواردنا وثرواتنا، وتأمين المتطلبات اللازمة كافة لقيام الدولة بأقل تكلفة ممكنة وبالتالي تخفيض خدمة الدين العام؛ تأمين العدالة الاجتماعية ومحاربة البطالة والفقر وخَلق فرص للنموّ الاقتصادي؛ تسلسل أعمال إنتاج المواد التي تعتبر سلع الاقتصاد" في معانيه الثلاثة هذه يؤدّي شكلًا من أشكال الذكاء، وشكلًا من التنظيم وحسن الإدارة، وآخر من أشكال المعرفة.
لكن إذا أردنا تطبيق هذه المفاهيم على مشروع موازنة العام 2019 وجدنا أن لا رؤية اقتصادية وُضعت، ولا خطّة شاملة بُحثت لتحقيق النموّ، ولا تحفيزات ضريبية قُدّمت لجذب المستثمرين، ولا مواعيد دستورية احتُرِمت. ما يجري حالياً ليس سوى تضييع للوقت والجهد، من أجل موازنة لم تقم، لأقلّ من ستة أشهر، لا بمعالجة الهدر والمصاريف غير المجدية، ولا حتى تكبّدت عناء ترشيد الإنفاق وفرض منهجية "علمية" لمكافحة الفساد، بل ما قامت به فعليّاً هو التطاول على جيوب الناس وخفض رواتبهم وإلغاء حقوقهم المكتسبة بدلاً من وضع خطّة مُحكمة تمتدّ لفترة مدروسة، بغية تخفيض عدد الموظفين في القطاع العام، المبالغ فيه أصلاً. أمّا الأرقام المتداولة في مشروع الموازنة... فمِن صُنع رعاة «سيدر» الذين نَأوا بأنفسهم وبأجورهم عن مكامن الهدر والفساد، وخَلصوا الى انّ الشعب فاسد وعليه وحده التكفير عن خطاياه...


مخالفات للدستور
يفرض الدستور على مجلس الوزراء أن يحيل مشروع الموازنة على مجلس النواب عند بدء عقد تشرين الأول من كل عام، وأن تُقرّ الموازنة في مجلس النواب قبل نهاية السنة. أي أنّ موازنة 2019 كان ينبغي أن تُحال على المجلس النيابي في تشرين الأول 2018، وأن تُقرّ قبل اليوم الأوّل من العام الجاري. وفي ذلك مخالفة أولى للدستور.
كذلك تنص المادة 87 من الدستور على أنّ حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تُعرض على المجلس النيابي ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة التالية. أي أنّ قطع الحساب لا ينجز، ليس للسنة الأخيرة بل لتلك التي سبقتها. في الوضع الراهن يجري العمل على قطع حسابات العام 2017، لكنّ المشكلة الفعلية لا تكمن في مشروع موازنة 2019 بل في المالية العامة ككل.
"منذ العام 1993 لم يتمّ العمل بما يسمى "الخروج والدخول" في الموازنة وفقا للأصول والسبب في ذلك فقدان تسلسل معين لحسابات الاعوام السابقة وليس فقط السنة المالية التي يتم قطع حسابها. وكذلك، لم تنته سنة 2017 وفقا للأصول وبالتالي لا يمكن إنجاز قطع الحساب من دون مراجعة الاعوام السابقة. في الوضع الراهن، أدت الحاجة لإقرار الموازنة الى البدء بمناقشتها قبل انجاز قطع الحساب الذي لن يكون بجميع الأحوال أصولياً نظراً لفقدان حسابات السنوات الماضية"، يوضح الخبير القانوني بول مرقس.
في السابق، كان قطع الحساب يصل الى مجلس النواب عبر ديوان المحاسبة الذي إما ان يعلن تحفظه في ما خص السنة المالية التي تكون قيد التدقيق بسبب الافتقار الى دخول وخروج "أصولي" لكل من السنوات، إما يترك الديوان قرار التحفظ للبرلمان. من هذا المنطلق، يُتوقع ان يعلن المجلس النيابي عن تحفظه نظراً لتورط الغالبية الساحقة من "البرلمانيين" وانغماسهم بالفساد السيادي. يعتبر هؤلاء انه ولو تم الكشف عن قطع حساب السنوات الماضية، لتأثرت "بعض" التحالفات "المستجدّة"؛ وهنا لا بدّ من الاشارة الى انه من الممكن الارتكاز على عدم أصولية قطع الحساب للطعن بمشروع الموازنة.

توقعات غير مؤكدة

لكي تتّسم الموازنة بالإصلاح والتقشف عليها ان تنجح في تخفيض عجزها. ولكن ماذا لو لم تنجح بتخفيض العجز من 7 الى 4 مليارات دولار كما يُشاع؟ وماذا لو لم تَصدُق توقعات الطبقة الحاكمة (التي لم تصدُق يوماً)؟ عندها كلّ ما ستفعله الحكومة هو شفط اموال "سيدر" ومراكمة الدين العام من دون وضع سقف له. فالارقام المتداولة ليست أرقاماً دقيقة، والدليل هو الافتقار الى مصدر رسمي يؤكد قيمة العجز لغاية كانون الاول 2018 قبل قطع الحساب.
وتكون الطبقة السياسية قد استخدمت الموازنة للتطاول على مخصصات السلطة القضائية والوظيفة العامة بأجنحتها الادارية والعسكرية والتربوية... تلك المخصصات كانت تُعطى بطريقة منتظمة ولفترة طويلة من الزمن، وقد باتت بالتالي من صلب "الحقوق المكتسبة". ومن جهة أخرى تكون قد قلّصت الدور الاجتماعي، والدليل انتظار تدوير مبالغ العام 2018 للجمعيات الخيرية الجدية والمشهود بكفاءاتها وعملها الدؤوب.
وتكون أيضاً قد تطاولت على جيوب المواطنين المستثمرين في العقار من خلال صكوك البيع التي باتت تُحال الى المدعي العام المالي لمراجعة الأسعار. "من وجهة نظر قانونية قد لا يكون هناك ضرر في مراجعة الأسعار على اعتبار انها لا تمس بمبدأ الملكية الفردية، لكن من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية إنّ هذه الخطوة تمسّ بملكية الفرد لأنها تخالف أحد أهم شروط العقد (الموافقة على السعر)، وبالتالي تكون قد خالفت الدستور الذي يكفل هذا الحق"، يقول الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي.
في ما خص التطاول على حقوق العسكريين، فإن مشروع الموازنة يخالف "قانون الدفاع الوطني" على اعتبار ان الموازنة عدلت قانون الدفاع الذي لا يجوز تعديله بحسب الدستور الا بقانون خاص. هذا ويضمن المرسوم الاشتراعي رقم 102 تاريخ 83 الطبابة المجانية للعسكريين وعائلاتهم" بالتالي لا يحق لمشروع موازنة من أجل عام واحد أن يخلق موادّ ملزمة للأعوام اللاحقة" يشير العميد المتقاعد جورج نادر الذي يؤكد ان التحركات مستمرة، وفي حال إقرار الموازنة كما هي فإن عدداً من النواب سيتقدمون بالطعن أمام المجلس الدستوري.

إبطال الموازنة

في قراره رقم 5/2000 تاريخ 27/6/2000 قرر المجلس الدستوري انه "عندما يسنّ المشترع قانوناً يتناول الحقوق والحريات الاساسية، فلا يسعه أن يعدّل او يلغي النصوص النافذة الضامنة لهذه الحريات والحقوق من دون ان تحلّ مكانها نصوص أكثر ضمانة أو على الاقل تعادلها ضمانة وفعالية على حدّ سواء".
قد تؤدي نظرية الحقوق المكتسبة هذه الى الطعن بمشروع الموازنة لدى المجلس الدستوري من مبدأ عدم المَسّ بالحقوق التي اكتسبها الموظفون إن لم يرتكبوا أي خطأ.
امّا النظرية الثانية التي قد تؤدي الى الطعن فتكمن في عدم امتلاك الدولة الحق بـ”الاعتداد” بخطئها الشخصي. أي انه لا يجوز ان تجعل الشعب يدفع ثمن إقرارها سلسلة الرتب والرواتب.
كثيرة هي المخالفات والمغالطات الدستورية التي تشوب مشروع الموازنة "الافقاري" و"التعتيري". ولعل هذا السبب هو ما دفع بالطبقة الحاكمة الى الاستعجال في تعيين أعضاء جدد للمجلس الدستوري (الذي انتهت ولايته منذ أشهر غير ان التعيينات أُجّلت لحين عودة ائتلام التوافق السياسي- الطائفي داخل الحكومة)، لا سيما بعد التخوف من تكرار تجربة الغاء مادة من قانون خطة الكهرباء.
نظريتان اثنتان تسودان دور الموازنة: الاولى تعتبر أنها مجرد ارقام لتبيان ميزان الدولة ونفقاتها، اما الثانية (وهي الاخطر) فتتمثل باعتبار هذا المشروع بوابة لإدخال ما يعرف في القانون الفرنسي بـ"أحصنة الموازنة" (Cavaliers Budgetaires) وتالياً اقرار بنود تشريعية من خارج القوانين المعمول بها لتكون سارية خلال الاعوام اللاحقة. وفي حال قَبِل المجلس الدستوري الطعن وأبطَل الموازنة كليًّا او جزئيًّا، فستكون تلك أكبر صفعة للمنظومة السياسية المتكاتفة ضد الشعب وحقوقه. 

  • شارك الخبر