hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - الحدث الحدث - دافيد عيسى - سياسي لبناني

دماء الجيش وحقوقه لا تحسب أرقاما في الموازنة...

الإثنين ١٧ حزيران ٢٠١٩ - 06:25

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ما عدت مهتماً بمشروع الموازنة والمسار النيابي الذي سيسلكه والتعديلات التي ستدخل عليه وربما أفرغته من مضمونه الإصلاحي وما تبقّى من "رؤية اقتصادية"... وما عادت السجالات والمشادات السياسية تستهويني ولا أرى أنها جديرة بالمتابعة وإن أعطيتها من وقتي واهتمامي، فقد أصبحت مضيعة للوقت ومدعاة للملل والاشمئزاز، وأرى أن أكثرية اللبنانيين مثلي سئموا السياسيين وكلامهم وما عادوا ينتظرون شيئاً منهم وما عادوا يثقون بهم...
في هذه الأيام ما يقلقني بالدرجة الأولى هو التدهور السريع والمريع في الأوضاع والأحوال الاقتصادية والاجتماعية والتي أوصلت المجتمع والشعب في لبنان إلى أدنى مستوياته في الراحة والرفاهية والازدهار وإلى اعلى مستوى من القلق على المستقبل والمصير، ومن انهيار الثقة وفقدانها بالطبقة السياسية الحاكمة وأيضاً بالدولة والبلد... وليس أدل على ذلك من مظاهر البطالة وانعدام فرص العمل وهجرة الشباب والكفاءات والعائلات وتفكك منظومة القيم والأخلاق والعلاقات الاجتماعية.
وما يقلقني حديثاً وبشكل مستجد، هو الأحداث والخروقات الأمنية المتنقلة في المناطق، صحيح انها أحداث محدودة ومحصورة ومتفرقة ولا رابط بينها في الأسباب والعوامل الدافعة والمكونة، إلا أنها تبعث على القلق بعدما زادت وتيرتها وتعددت أشكالها، من الهجوم الإرهابي في طرابلس وهو الأول من نوعه منذ العام 2016 تاريخ القضاء على داعش في الجرود الحدودية، إلى الإشكال الساخن بين أهالي دير الأحمر وأحد مخيمات النازحين السوريين بعد اعتدائهم على الدفاع المدني، إلى الاشتباكات العشائرية في الهرمل وبعلبك والتي تخرج في أحيان كثيرة عن إطارها وتتسبب باعتداءات على الجيش، إلى التوتر الطارئ في بلدة عين دارة على خلفية مشروع معمل الإسمنت الذي كان سبباً في مواجهات وتوترات سياسية، قضائية وميدانية...
مجمل هذه الأحداث مجتمعة تضرب نقطة القوة الأساسية في الوضع اللبناني الراهن والممثلة في الأمن والاستقرار، وتلحق الضرر المعنوي والنفسي بموسم الصيف والسياحة الذي يفترض أنه موسم واعد...
يستوقفني في معرض التمعّن والتأمل في هذه الأحداث الأمنية أمران: الأول هو الدور المهم والحاسم للجيش والقوى الأمنية في هذه المرحلة وفي كل المراحل.
وهنا لا بد لنا من القول وبصوت عالٍ إنه لولا الجيش وجهوزيته وسرعته في التدخل الحازم، لكان الوضع الأمني التحق بالوضعَين السياسي والاقتصادي من حيث السوء والانهيار، ولكنا عدنا إلى أيام واجواء الفوضى والعنف والحرب.
أما الأمر الثاني فهو طريقة التعاطي مع الجيش من قبل السلطة السياسية والتي ظهرت في أوضح وأسوأ أشكالها وشكّلت مفاجأة وصدمة كبرى عندما فُتح ملف الموازنة على المناقشات والمقترحات الهادفة والآيلة إلى الحد من العجز عبر إجراءات التقشّف والحدّ من الإنفاق، وكان من بينها اقتطاع نسبة معيّنة من مخصصات وتعويضات العسكريين والمسّ بمكتسبات وخصوصيات المؤسسة العسكرية، وبما يتعارض مع دورها وحجم الأعباء والمسؤوليات والمهام الملقاة على عاتقها.
عندما يكون هناك توجّه من هذا النوع للتضييق على الجيش مؤسسة وقيادة، ضباطاً وأفراداً، فإننا نكون أمام توجّه غير طبيعي وغير سوي لأنه لا يُعير أهمية لدور الجيش في الحفاظ على الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية، ويستسهل المسّ بالجيش ودوره ومعنوياته وهيبته التي منها هيبة الدولة وكل السلطة الحاكمة... ولأن القائمين على هذا التوجّه لا يفقهون أهمية الأمن والاستقرار لأن الأمن هو في أساس كل الوضع القائم، فلا اقتصاد ولا ازدهار ولا مال ولا سياحة ولا مشاريع من دون الامن الذي متى انهار حصل الانهيار الكبير وسقط الاستقرار العام بكل مفاصله السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية وخرج الوضع عن السيطرة...
المطلوب، وبدل الاستخفاف و"الاستلشاق" بالأمن، هو الاستثمار في الأمن لأنه الاستثمار الأجدى والأضمن.
والمطلوب، وبدل إهمال المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية والتضييق عليها وضرب معنوياتها واستقرارها الداخلي، هو تعزيز قدراتها وإمكاناتها وتحسين أوضاع وظروف عناصرها وأفرادها كي تظلّ قادرة دوماً على مواجهة كل التحديات والقيام بكل المهام الموكلة إليها على أفضل ما يكون...
هل يعلم أصحاب اقتراحات المسّ بتعويضات ومكتسبات ضباط وعناصر الجيش أن هؤلاء يقدّمون الكثير من جهدهم وراحتهم مقابل القليل الذي يأخذونه وبالكاد يكفيهم لتأمين حياة كريمة لعائلاتهم، وأن العسكريين يضعون أرواحهم على كفّهم ولا يبخلون بدمائهم وحياتهم من أجل الوطن، وآخر الشهداء سقطوا في طرابلس وافتدوا بأرواحهم أمن عاصمة الشمال وسكانها الطيبين الآمنين الذين ما شكّلوا يوماً بيئة حاضنة للإرهاب.
هل يدرك الذين يريدون خفضاً مالياً في نفقات الجيش ومصاريفه، حجم المهام الموكلة اليه، وهو الذي لا تقتصر مهامه على حماية الحدود والدفاع عن الوطن وإنما تتجاوز ذلك إلى ما هو أصعب وأدق وهو الحفاظ على الأمن والاستقرار في الداخل وعلى السلم الأهلي ومكافحة الإرهاب والتجسس والجريمة المنظمة وكل أنواع التهريب والتسلل عبر الحدود.
هل يستشعر هؤلاء المستقوون على الجيش أن هناك مخاطر وتحديات أمنية كثيرة آتية في المرحلة المقبلة وبدأت تطل برأسها، وهل يعرفون أن مواجهتها واجتياز هذه المرحلة الصعبة لن يكون إلا مع جيش قوي معزّز مكرّم، حقوقه مصانة، معنوياته عالية، قدراته متوافرة ودوره مهاب... من هنا أقول دماء الجيش وحقوقه لا تُحسب أرقاماً في الموازنة...
في الختام على الجميع أن يعلم بأننا سنقف إلى جانب المؤسسة العسكرية ولن نسمح أن يُعامل جيشنا البطل على قاعدة "عند غسيل الصحون عيطوا لأنطون، وعند توزيع المغانم انطون نايم" ومن له أذنان سامعتان فليسمع.

دافيد عيسى - سياسي لبناني

  • شارك الخبر