hit counter script

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - عادل يازجي - الحياة

قلم رصاص سوري

الأحد ٩ حزيران ٢٠١٩ - 06:35

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بالإذن من الصديق الراحل الإعلامي الكبير حمدي قنديل، أستعير قلمه الرصاص لا للنقد والقدح و"ذمّ" الفاسدين، كما كان دأب صاحبنا، بل لأدبّجَ به صيغ مدح وشكر للقوى المتحكمة بمصير بلدنا، تقديراً لجهودها الخارقة، وتضحياتها بالأرواح والأموال والسلاح لنصرة جميع أطياف شعبنا باقتتالها فيما بينها، وبفضلها استُقبِلَ ملايين السوريين في المنتجعات العربية والأوروبية والتركية بالهوية وحدها، ولا ننسى فضل النظام على تلك الحشود، فقد شجّعها وفتح لها المعابر لتسافر حيث تشاء، وتعود متى تشاء، حتى المتطرفون رحلوا إلى إمارة إدلب بمحض اختيارهم، ولم يحرمهم النظام من رعاية عدوّه أردوغان!

طبعاً السلطة الوطنية في غنىً عن الردح والشكر والتبجيل ورد الجميل فهذا واجبها، إنما الشكر المُسْتحق لتلك القوى غير الوطنية، المتفانية في نصرة شعبنا، وحماية حدود وطننا، إذ مدّت وكلاءها في الداخل بالمال والعتاد، واستوردت الرجال لدعم جميع الفصائل التي كانت تتقاتل، ولم تضغط عليها لـ"تبويس الذقون" في يوم من الأيام، ونحن السوريون كادت أعيننا تزيغ عن القوى الدولية الداعمة لنا، سواء المؤتلفة المتحالفة منها، أم تلك المختلفة فيما بينها، دول الحلف (روسيا وتركيا وإيران) كرّست وما زالت تكرّس جهودها السياسية والديبلوماسية والميدانية لنجدة الشعب السوري وحمايته من التدخل الأجنبي، وبفضلها تعم التهدئة، وتعود المياه لمجاريها، حتى واشنطن بدأت تقتنع بإنجازات هذا الحلف، لكنها تكابر، ولن تحسم قرارها بمعزل عن مواجهتها للفقيه الايراني!

قلمنا يلتزم الحياد (الإيجابي) بين الثنائية القطبية؛ فهو يحترم رغبة واشنطن (الواضحة) في استمرار التهدئة وترسيخها، تمهيداً لعودة النظام (الدولة) إلى المجتمع الدولي إذا أسهم بطرد إيران خارج الحدود السورية، كما يحترم الرغبة الروسية في الهدف نفسه، ويشجعهما على ترتيب وتوضيب أسس وأدوات الاندماج طالما الهدف واحد، وما دعم واشنطن للشمال الشرقي الكردي بالمال والسلاح وخبراء الاقتتال إلاّ بادرة حسن النية، لصالح قطاع من النسيج السوري، هلل لها ورحّب، والآن يرفل بنعيمها، ويسعدنا أنها تسعده، فهو شاء أم أبى جزء من تعدديتنا الثقافية والسياسية.

قلم تبجيلنا يحترم كل اجتماع تعقده الثنائية القطبية فيما بينها، وعلى أيّ مستوى سياسي أو عسكري أو أمني، ففيه وعليه يُعقد الأمل بعودة التسوية إلى التداول، خارج الحدود أم داخلها لا يهم، المهم أن تُدرجَ ضمن القضايا الإقليمية المُلحّة، وعودتها للتداول تثير قلق النظام وحليفته إيران، والطامّة الكبرى أن أظهرت موسكو نواياها(الخبيئة) بالضغط مع واشنطن على النظام لاتخاذ القرارات الصعبة، فتلك بادرة يصعُبُ تمريرها بسلام في الأجندة الإقليمية، والنظام لم ينم يوماً عن شوارد هذه الأجندة، وبيده كثير من أدوات عدم احترامها!

بيدرسون لا يملك من أدوات الضغط باتجاه التسوية إلاّ المغريات الملتبسة لدى النظام، وهي تمهيد الطريق لعودته إلى المجتمع الدولي! والنظام تغريه هكذا جَزْرَة، لكنه لا يرتاح لشروطها، ولا يكترث بالعصا البديلة ما لم تكن روسية - أمريكية، وكأنها بدأت تلوح في الافق سياسيةً لا عسكرية، ودريئة النظام منها يشكلها بتوسيع دائرة حضوره الدولي المشاكس، وبصداقات وتحالفات جديدة مع دول حليفة وصديقة لحلفائه وأصدقائه، وجميعهم دول فاعليتها هامشية في المسائل السياسية الكبرى، و"رصاص قلمنا" يبجّل حنكة النظام في الهروب إلى الأمام، كما يبجّل مبدئية الطرح الأممي في تسوية لا يقبلها النظام ولا حليفته إيران، فكلاهما يستندان إلى جدارهما المقاوم، الذي لا تخترقه الصواريخ السياسية، ولا يكترث حتّى بصواريخ إسرائيل التي تصطدم به وتنفجر من غيظها، وتزيد في لخبطة الاحتمالات، وهي اللخبطة الممنهجة، والأساس الذي بُني الجدار المقاوم فوقه!

مؤشرات روسية أميركية باتجاه التسوية ليست مُقنعة طالما لم يُحسم أمر إمارة إدلب القاعدية، ويُشك أن يكون بقاء الإمارة قراراً دولياً استراتيجياً، وليس تكتيكاً سياسياً تمارسه أطراف اللعبة الإقليمية، والنظام كما يُسْتَشَفّ من خطابه السياسي، وحِراكِهِ الديبلوماسي والميداني، ليس وارداً عنده تأجيل الحسم في إدلب، كما في لواء إسكندرون، وهضبة الجولان، لكن يشغله عن اتخاذ هكذا قرار خطر أمور ليست جانبية ولا هامشية، ولا يمكنه تجاهلها، كالخلاف المتفاقم بين أركان الحلف الثلاثي الداعم له، لاسيما بين طهران وموسكو الذي يتّخذُ منه موقف الحياد (السلبي)، بل يُعزى له الفضل في وجود وتفاقم حدّة هذا الخلاف بينهما، وهو لا يتوانى عن استفزاز حليف حليفيه (أردوغان)، وحليف الحليفين مرشّح ليصبح حليفاً، أو مشروع حليف أو مسودّة حليف يناكد الحليفين الآخريْن، ويستفزهما، ولو لم يغادر إمارة إدلب، لكن حرص النظام، وانضباطه السياسي والميداني يحولان دون استفزازه لأردوغان في عقر داره، ويكتفي برفع وتيرة استفزازه في عقر الإمارة القاعدية داخل الحدود السورية المستباحة، وقد يتصاعد الاستفزاز فيخرج عن طوره، ويجتاز حدود الإمارة، وهذا الاحتمال ليس وارداً لدى النظام، وليس مُستبعداً لدى أردوغان، والضوء الأحمر أو الأخضر ينطلق من واشنطن تحديداً فبيدها مفتاح الدخول في هذا السرداب أو الخروج من مجاهل متاهاته السياسية لدى الطرفين السوري والتركي.

قلمنا يحترم قلق المعارضات الخارجية من تهرّب النظام، أو فشله، في اتخاذ القرارات الصعبة، ويحترم غيظها من استمرار الموالاة في قرع طبول الانتصار قبل إبرام التسوية السياسية، وعلى رغم سخونة جبهات الشمال، والغليان السياسي في الجبهات الاقليمية المتوتّرة المتأهبة، ورصاص قلمنا يترصّد كلّ من يستهدف التقارب بين الثنائية القطبية حول التسوية، وبين الموالاة والمعارضات الخارجية، وحتى بين موسكو وطهران، وبين الجبهة الوطنية الموالية، والمعارضة الداخلية المتأهبة لخوض غمار السياسة على الأقل في السلطتين التشريعية والتنفيذية، لكن انعقاد آمال المعارضات على عبقرية بيدرسون الأممية وحدها لا يكفي، ما لم تنلْ دعم واشنطن وموسكو، وطرف الخيط هو لجنة الدستور إذا انتظم عقدها فيمكننا التفاؤل، لكن القلق يصعب التخلّي عنه حالياً.

عادل يازجي - الحياة

  • شارك الخبر