hit counter script

ليبانون فايلز - أخبار محليّة أخبار محليّة

السيانوبكتيريا عادت بعد غياب ثلاثة أشهر

الخميس ٢٣ أيار ٢٠١٩ - 21:01

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

"بحيرة القرعون تمر بوضع سليم"، قالها الباحث العلمي البروفيسور كمال سليم في 13 نيسان 2019 بعدما وثق الخبر في تقرير أنجزه لصالح المصلحة الوطنية لنهر الليطاني حول التنوع البيولوجي في البحيرة، وتحديدا بعدما رصد 34 نوعاً من الأحياء المائية النباتية والحيوانية (فلورا وفونا) وكلها تؤشر إلى سلامة المياه. "أشعر بالإحباط اليوم لأن السيانوباكتيريا التي قتلت بحيرة القرعون في 2016 قد عادت اليوم إلى الظهور فيها"، هذا ما أكده سليم ل"المفكرة" بعد شهر وعشرة أيام في 23 أيار 2019.

يقول سليم أن سخاء الطبيعة التي أمطرت معدلات من المتساقطات غير مسبوقة منذ 30 عاماً، ومعه جهود مصلحة الليطاني المبذولة منذ تولي رئاسة مجلس إدارتها الدكتور سامي علوية قبل حوالي عام، ساهما في تحسن وضع بحيرة القرعون. بالمقابل، أدى تقاعس أجهزة الدولة الأخرى عن مؤازرة جهود الطبيعة ومصلحة الليطاني إلى إعادة تهديد البحيرة.

خبر عودة الحياة إلى بحيرة القرعون ترافق مع احتفال مصلحة الليطاني مؤخراً، على صفحتها على وسائل التواصل الاجتماعي، بمشهد نهر الليطاني المتدفق بغزارة في الحوض الأسفل في جنوب لبنان، وتحديدا بجريان المياه التي تبدو أفضل حالاً مما كانت عليه العام الماضي. فماذا حصل؟

 

أسباب التحسن

تحسن وضع الليطاني وبحيرة سد القرعون جاء إثر تغيّرين اثنين:

الأول، الهطولات المطرية في شتاء 2018-2019، والتي كانت الأكثر سخاء مقارنة بالسنوات الماضية، حيث لم يشهد مثلها لبنان منذ 30 عاماً، وفق ما صرح للإعلام رئيس فرع مصلحة الأرصاد الجوية في مطار رفيق الحريري-بيروت محمد فارس. وقال فارس "بلغ معدل المتساقطات في شتاء 2018/2019، ما مجموعه 1034.6 ملليمتر مقارنة ب 482.3 ملليتر في العام السابق و815 ملليمتر كمتوسط المعدل العام في لبنان".

والثاني، الجهود الجبارة التي تبذلها مصلحة الليطاني منذ تولي رئاسة مجلس إدارتها د. سامي علوية (المدير العام للمصلحة) والذي يخوض حربا لرفع التعديات عن الليطاني وتنظيفه إنفاذاً للقانون 63/2016 الذي أقره مجلس النواب في خريف 2016 بعد إعلان مجلس البحوث العلمية موت الليطاني وبحيرة القرعون في آب من العام نفسه.

وقد استند البروفيسور سليم في استنتاجه حول سلامة وضع بحيرة القرعون، في 13 نيسان 2019، إلى ما وثقه من "عودة أنواع عديدة من الطحالب والحيوانات المجهرية إلى الاستيطان في البحيرة، والتكيف لأن الظروف البيئية أصبحت ملائمة". وأشار إلى ظهور "أنواع من الطحالب-مشطورات- معروفة علميا كمؤشرات بيولوجية للمياه النظيفة"، معتبراً أنه من أهم النتائج أيضا خلو البحيرة من السيانوبكتيريا التي سببت في السنوات الماضية القضاء على الأحياء المائية لسميتها العالية".

ورد سليم في تقريره السبب الرئيسي لاختفاء انواع السيانوبكتيريا- وهو آني- إلى خلط وتجدد المياه في البحيرة نتيجة الهطولات المطرية الوافرة في هذه السنة، وكذلك بسبب الحرارة المنخفضة للمياه التي لا تلائم نمو هذه الأحياء، والتي تتواجد حاليا في القاع وتنتظر ازدياد تدفق الملوثات التي لم تتوقف للأسف من نهر الليطاني، والإرتفاع الطبيعي للحرارة في فصلي الصيف والخريف".

 

المعامل الملوثة

لكن كرم الطبيعة وسخاء أمطارها لا ينسحب على أداء السلطات الرسمية بأجهزتها كافة تجاه تنظيف نهر الليطاني. فها هي بعض المعامل التي ادعت عليها مصلحة الليطاني أمام القضاء ما زالت ترمي نفاياتها الصناعية الخطرة من دون أي معالجة إلى نهر الليطاني. ومن بين هذه المعامل معمل ألبان لبنان (Liban Lait) الذي نشرت المفكرة تقرير مصلحة الليطاني وفيديو موثقا بالصوت والصورة عن رميه 200 ألف متر مكعب من المياه الصناعية العادمة إلى نهر الليطاني مباشرة، رغم حصوله على قرض بمليوني دولار بفائدة صفر في احتفال السرايا الحكومية في 22 تشرين الأول 2018.

وفيما يذكر أن القاضية المنفردة الجزائية في بعلبك لميس الحاج دياب أرجأت جلسة محاكمة ألبان لبنان إلى 20 حزيران 2019، مانحة مهلة للمعمل لحفر بركة ترسيب خامسة لتجميع نفاياته الصناعية فيها ريثما ينتهي من تركيب محطة تكرير صناعية، يلحظ أن مصلحة الليطاني عادت وطلبت من النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم إلزام الشركة بإقفال كافة المسارب والمآخذ التي تحول الصرف الصناعي من المعمل ومزرعة أبقاره إلى النهر، تلك المسارب المحولة من حفر الترسيب المؤقتة إلى الليطاني كذلك". وذكّرت مصلحة الليطاني في كتابها إلى إبراهيم، أن ألبان لبنان هو من أهم أخطر الملوثين وأكبرهم على نهر الليطاني وطبعا بحيرة القرعون. وعطف مدير عام المصلحة د. علويه كتابه على الإخبار المقدم منه في خريف 2018، وكذلك تعهد ألبان لبنان لابراهيم بتنفيذ حلوال مؤقتة كإنشاء برك ترسيب إلى حين الإنتهاء من إنشاء منظومة التكرير لنفاياته الصناعية. لكن الكاتبة في النيابة العامة المالية أبلغت مصلحة الليطاني، وفق ما أفادت به المفكرة، بأن القاضي إبراهيم قد "حفظ الطلب"، وبالتالي لم يستجب إلى طلب المصلحة بإقفال المسارب الملوثة من ألبان لبنان لليطاني. علماً أن موظفي معمل ألبان لبنان منعوا خبراء مصلحة الليطاني قبل أربعة أيام من اليوم في 23 أيار 2019، من أخذ عينات من النفايات الصناعية ومياه الصرف الصحي للمعمل. وأفاد الخبراء عن استمرار ألبان لبنان بتحويل نفاياتهم البالغة 200 ألف متر مكعب من المياه الملوثة العادمة إلى نهر الليطاني.

يجدر التذكير أنه سبق للقضاء أن أقفل معمل ميموزا ريثما يقوم بتشغيل محطة تكرير نفاياته الصناعية. كما وجرى إقفال مسلخ فروج السيد الذي كان من أكبر المسالخ الملوثة للنهر. بالمقابل، ألبان لبنان هو أحد أهم وأكبر وأخطر الملوثين لليطاني، ومع ذلك لم يتم إقفاله، ولا حتى تسكير مساربه إلى النهر. فهل يكمن السر في هوية الشركاء في ملكيته وهم النائب نبيل دو فريج والمتمول محمد زيدان وكذلك القيمون على بنك عودة؟ وهؤلاء هم مالكو المعمل.

من جهة أخرى، علمت المفكرة أن مسلخ فروج السيد وبعد إقفاله بحكم قضائي عاد إلى العمل في السر. فبادرت مصلحة الليطاني إلى الادعاء عليه مجدداً حيث تم إقفاله ثانية. وتذرع أصحاب المسلخ أمام القضاء بتشغيل المسلخ لتجريب محطة تكرير نفاياته الصناعية، ومع ذلك أعيد إقفاله.

 

خطر الموت من جديد

وبالعودة إلى تقرير د. سليم، نقرأ في تقريره "أن صرف مياه المجاري والنفايات الصناعية إلى الليطاني وبحيرة القرعون، كأحد مصادر المياه، كما غيره من أنهار وبحيرات له الكثير من المحاذير لأنه يتسبب بحدوث استنزاف ونضوب للأوكسجين الذائب في مياه النهر نتيجة لنشاط الكائنات الدقيقة وخاصة البكتريا حيث أن أعدادها بالملايين". وتنشط تلك البكتريا، وفق سليم، و"تؤكسد المواد العضوية وتستهلك الأوكسجين الذائب الموجود في مياه النهر مما يؤدي إلى انخفاض تركيز الأكسجين الذائب، وهذا الانخفاض في تركيزه قد يصل الى درجة تحدّ من نشاط الكائنات الأخرى كالأسماك، وقد تؤدي إلى نفوقها عند استنفاذ الأوكسجين تماما، وهنا ينشئ ما يُعرف بالتحلل الذاتي للأنهار".

ومن المعروف، كما يقول سليم، أن مياه المجاري غنية جدا بالمواد العضوية بالإضافة إلى "النتروجين والفسفور مما يؤدي إلى زيادة عمليات التمثيل الغذائي للطحالب والسيانوبكتيريا. كما تنشط البكتريا بأنواعها المختلفة وتزيد من النشاط والتحلل البيولوجي مما يؤدي إلى استنزاف الأوكسجين. كما يترتب على ذلك قتل أعداد كبيرة من الأسماك والأحياء المائية". وبذلك، "تتعفن المياه لزيادة نشاط الكائنات اللاهوائية وتصبح غير صالحة للحياة وتعرف هذه الظاهرة بظاهرة التشبع الغذائي eutrophication".

وحدد سليم ثلاث مراحل لحدوث ذلك:

تتكون طبقة بسيطة من الطحالب ثم تبدأ في النمو والتضخم
تزيد طبقة الرواسب الفوسفاتية
تموت الطحالب الموجودة في القاع (لبعدها عن مصادر الضوء والشمس) مما يؤدي لعدم تعويض الأوكسجين لغياب الطحالب وتستهلك البكتريا البقية الباقية من الأوكسجين الذائب وبالتالي تموت الأسماك والاحياء المائية.

وهذا التدفق الصناعي مع مياه الصرف الصحي غير المعالجة يجعلان نهر الليطاني يصل إلى بحيرة القرعون "أسود اللون" كما أكد سليم ل "المفكرة". "النهر عم يدخل البحيرة ولونه أسود من التلوث".

وقد بينت نتائج التحاليل الكيميائية التي أخذت من أعماق مختلفة تراكيز المواد الدالة على التلوث في البحيرة كالفوسفات والنيترات غير مرتفعة، ومن ضمن المواصفات العالمية، وفق سليم. وأضاف في تقريره "بينما يدل الإرتفاع في تراكيز الأمونيوم إلى التلوث بالصرف الصحي والمصادر الصناعية والزراعية حيث تتركز على سطح البحيرة، وتتناقص إلى الطبقات السفلى". ومن المؤشرات الدالة على التلوث في محيط القاع "تركيز كبريتيد الهيدروجين الذي هو نتاج عن طريق التحلل البيولوجي للمواد العضوية التي تراكمت في السابق في الرسوبيات، وذلك في بيئة لا هوائية. والنتائج تدل على أن في المياه على عمق 20 مترا أو الرسوبيات نسباً مرتفعة، بينما لا تسجل تراكيز عالية لمواد التشبع الغذائي في الرسوبيات".

 

مجد زائف ل3 أشهر

وكان مشهد بحيرة القرعون قد اختلف هذا العام عما سبقه من أعوام، وخصوصاً عن خريف العام الماضي (2018) حيث وصل تخزينها المائي إلى أدنى مستوياته ليصل إلى نحو 25 مليون متر مكعب من أصل 222 مليون متر مكعب هي سعتها القصوى.

وفي ربيع 2019، تحولت بحيرة القرعون، على أبواب الصيف، إلى محجة سياحية. نادر هو اليوم الذي لم يشهد وصول خمس إلى عشر حافلات، وعشرات السيارات التي تقصد البحيرة.

زيارة البحيرة، لم تكن تحصل بهدف الصيد الذي امتهنه مئات من أبناء منطقتها، أو للإبحار في "كزدورة" مائية على متن المراكب التي كانت تعتاش منها نحو ما يزيد عن عشرين عائلة من البلدات المتمركزة على ضفتيها الشرقية والغربية. يقصد اللبنانيون بحيرة القرعون للإحتفاء بها بعدما فاضت وبدأت التفريغ الذاتي في النصف الأول من آذار 2019 عندما لم تعد تستوعب المزيد من المياه المتدفقة من نهر الليطاني مع وصول مخزونها إلى 224 مليون متر مكعب، فباشرت التفريغ الذاتي والأوتوماتيكي نحو ليطاني الجنوب. ربما سيواظب اللبنانييون على زيارة البحيرة ولكن ليس للإحتفاء بها بعد اليوم وإنما لتوديعها قبل أن تقتلها السيانوباكتيريا من جديد.


 

  • شارك الخبر