hit counter script

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - المثنى حمزة حجي - الحياة

إيران وعملية "جبل النار"

الخميس ٢٣ أيار ٢٠١٩ - 07:35

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

منذ بداية تشكل وعيي السياسي أواخر السبعينات من القرن الماضي وحتى الآن، كنت قريباً من التيار الوطني الليبيرالي وبعيداً عن الإسلام السياسي ونظرته «الأحفورية» لحقائق الحياة، رافضاً الهوس العقائدي والرغبة في تنزيل النصوص والروايات التاريخية على وقائع العصر بطريقة انتقائية خدمةً لجماعات مهووسة بالسلطة.

إلا أن الجماعات الموالية لإيران ومليشياتها الصفوية لم تستح أبداً من التهليل لتدخل الجيش الروسي لقصف المدن السورية والمدنيين من نساء وأطفال، ما قتل وشرد الملايين، بل هللوا للرئيس فلاديمير بوتين الذي أطلقوا عليه «الإمام عبد الأمير أبو طين» وقدموه إماماً شيعياً ينصر آل البيت على «النواصب».

للرد على ذلك فإننا نذكرهم بدعوة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لله عز وجل أن «ليت بيننا بين الفرس جبلا من نار لا ينفذون إلينا ولا ننفذ إليهم»، وحيث ان الله يخلق الوسائل والأسباب لعله سخر الرئيس ترامب لإنشاء هذا الجبل الذي يتكون من عقوبات خانقة وطوق عسكري غير مسبوق من حاملات الطائرات المرسلة حديثاً و120 ألف جندي، إضافة إلى القوات المنتشرة في المنطقة لمنع إيران من الانفجار إلى الخارج وتركها تختنق مثل الضفدعة التي إذا ألقيتها في قدر ماء ساخن فإنها ستقفر للخارج فوراً، ولكن لو وضعتها في ماء عادي وقمت بتسخينه تدريجياً فإنها ستموت من دون أن تتمكن من الحراك.

يبدو أن «السحر قد انقلب على الساحر» أخيراً، فالنظام الإيراني الذي تعود -منذ 40 عاما- اللعب على حافة الهاوية مرهباً الجوار الجغرافي والعالم ودافعاً الجميع للاعتقاد أنه ذو قدرات إلهية مهدوية حتى جاء الرئيس ترامب من خارج المؤسسة المهترئة حاملاً معه عقلية أكثر شراسةً من الملالي ومالكاً لأكبر قوة عسكرية في التاريخ وهو قادر علي استخدامها، ما وضع الملالي أمام النتيجة الطبيعية لمن عاش بالسيف.

انتصار الرئيس ترامب وتعيينه لصقور ذوي عقلية هجومية هو أسوأ كوابيس الملالي بعد أن عاشوا ثماني سنوات في رفاهية وفرها لهم الرئيس السابق أوباما الذي كان يهرب من مواجهتهم من أول نفخة، وكان كل هدفه تأخير سلاحهم النووي عشر سنوات، وفي مقابل ذلك أعطاهم المشرق العربي ليعبثوا فيه وليقيموا إمبراطوريتهم المهدوية المقدسة، وفي الوقت نفسه أغرقهم في حرب لا نهاية لها في العراق وسورية ولبنان واليمن، فقط ليتمكن من السيطرة على حدود طموحاتهم وتدجينهم، ولكن الانتصارات المتتابعة لإيران في العراق وسورية ولبنان وسّعت شهية الشعوبية الفارسية الصفوية لتعتقد أنها الآن ستقتسم المنطقة رسمياً مع الولايات المتحدة.

يبدو أن الدور الإيراني التوسعي المفرط مقبل الآن على نهايته، تؤيد ذلك التصريحات الإيرانية الدالة على حالة تخبط سياسي قائمة على تهاوي الاقتصاد من ناحية والاختناق السياسي والاقتصادي، مصحوباً هذه المرة بانغلاق أفق المناورة أمام النظام.

كتبت وفق مقالة سابقة عن عدم اعتقادي بحدوث حرب كبيرة بين أميركا وإيران، لأن إيران تعرف النتيجة الحتمية لهذه الحرب وهو تدمير بنيتها التحتية العسكرية والاستراتيجية، وكذلك الرأي العام الأميركي لا يوجد له شهية على حرب جديدة يصعب توقع نتائجها. إذن، ماذا سيحدث؟

أعتقد أن إعلان الرئيس ترامب عدم رغبته في شن حرب حقيقية، ولكن استراتيجيته هي عدم رفع التهديد بعمل عسكري ضد إيران من على الطاولة، فعلى رغم شراسة الإدارة الأمريكية ولكنها تدرك العواقب السياسية والاقتصادية والاستراتيجية لشن حرب غير محسوبة، بل أعتقد أن سياسة الرئيس ترامب بحصار إيران وإرسال 120 ألف جندي وهي قوة هائلة تهدف إلى إنشاء طوق ناري من قوات كبيرة محيطة بإيران من جميع الاتجاهات وتركها تختنق، لأن الخوف الأعظم لإيران هو حدوث ضربة جوية مدمرة ضدها، وإلغاء الأميركيين لهذا الاحتمال خطأ استراتيجي سيطمئن الإيرانيين ويشجعهم على ما يفعلونه الآن من ضرب أنابيب النفط السعودي والاماراتي، بالتالي يجب عدم رفع العمل العسكري من الطاولة.

عندما تقع جريمة معينة أول سؤال يوجهه المحققون للوصول إلى الفاعل هو «من صاحب المصلحة؟» في الجريمة، والعثور على صاحب المصلحة سيدل في أغلب الاحوال على الفاعل.

انطلقت دعاية إيران وأحلافها تبرئ إيران من تفجيرات الإرهابية في الفجيرة وخط الأنابيب السعودي، بل دانت إيران ذاتها التفجيرات لتوجه الاتهام لإسرائيل بالقيام بهذه التفجيرات، بحجة رغبة إسرائيل دفع الولايات المتحدة لضرب إيران، ولكني أستبعد العامل الإسرائيلي على رغم إيماني في رغبة إسرائيل بشن هجوم أميركي على إيران، لكن طريقة حدوث التفجيرات وحجمها لا يدل على مصلحة إسرائيلية التي كانت ستقوم بضربة كبيرة داخل مضيق هرمز لإحداث أزمة كبيرة من النوع الذي سيدفع أميركا لضرب إيران، أما أحداث صغيرة من هذا النوع فبعيدة نسبياً عن مضيق هرمز ولا تسبب بالتالي أزمة كبيرة هي مصلحة إيرانية وليست إسرائيلية.

كما أن ميناء الفجيرة هو خط خلفي أنشأته السعودية والإمارات على بعد حوالى 140 كم من مضيق هرمز وكذلك خط الأنابيب إلى البحر الأحمر للهدف نفسه وهو «تقليل الاعتماد على مضيق هرمز» ممراً وحيداً لصادرات النفط لخفض قدرة إيران على ابتزاز كلا البلدين، ما يؤكد المصلحة الإيرانية في ضرب هذه الأهداف.

لا يوجد لدي شك أن التفجير في الفجيرة وضرب محطات ضخ النفط السعودية ورائها أصابع إيرانية، سواء من الحوثي أم غيره، لأنها ببساطة هي صاحبة المصلحة في هذا النوع من العمليات، فإيران أجبن من أن تقوم بعمل عسكري كبير، بالتالي ستلجأ لهذا النوع من العمليات المحدودة التركيز ( low intensity operations) لتحقيق أربعة أهداف:

الأول: الضغط على السعودية والإمارات وإرهابهما من دون الذهاب إلى عمليات كبيرة، بسبب تقاربهم مع الولايات المتحدة.

الثاني: قطع خطوط الاحتياط لكل من الإمارات والسعودية بهدف حصر صادرات النفط في مضيق هرمز الذي تنشر إيران على ساحله الشرقي ومجموعة جزر الإمارات الثلاث المسروقة وهي طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى قوات كبيرة ومنظومات صواريخ، وبهذا تحسن إيران قدرتها على ردع الأميركيين من قصف إيران.

الثالث: رفع أسعار النفط بشكل تدريجي يؤلب العالم على أمريكا، بل يرفع أسعار الطاقة داخل أميركا، ما يعقّد مهمة الرئيس ترامب.

الرابع: تحسين أوراق إيران التفاوضية في أي مفاوضات قادمة مع أميركا.

يجب علينا التحلّي بأعصاب فولاذية في المرحلة القادمة وعدم تقديم تنازلات في الأمن أو السياسة، لأن الملالي ليسوا قادرين على عمل كبير، بل هم مقبلين على كارثة ولكن علينا الاحتياط من «رفسة البغل».


المثنى حمزة حجي-الحياة

  • شارك الخبر