hit counter script

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - بشير عبد الفتاح - الحياة

ظلال كوبية على الأزمة الفنزويلية

الإثنين ٢٠ أيار ٢٠١٩ - 07:23

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

 

بإمكان المتتبع لتطورات الأزمة الفنزويلية، أن يلمس تلاقيها وأزمة الصواريخ الكوبية (1961 -1962). إذ لم يحل تواضع الحيز الجغرافي لجزيرة كوبا ووزنها الديموغرافي، دون نجاح ثقلها الجيو استراتيجي في أن يجعلها بمثابة قاسم مشترك في الأزمتين.


فبينما كانت كوبا محور الحدث في "أزمة الكاريبي"، أطلت برأسها مجدداً لتغدو طرفاً مؤثراً في مجريات الأزمة الفنزويلية. فمن جانب، توالت تهديدات واشنطن بوضع هافانا تحت طائلة نظام شامل من العقوبات. وعلى الجانب الآخر، لم تتوان موسكو في إعلان معارضتها أي عقوبات "غير قانونية"، على كوبا أو فنزويلا، متعهدة بأن تفعل كل ما بوسعها لمساندة شريكيها الاستراتيجيين.

هكذا، ألقى التنافس الروسي - الأميركي، الأقرب إلى حالة الحرب بالوكالة بظلاله على المسألة، مع تصاعد احتمالات عسكرة الأزمة إثر تلويح موسكو وواشنطن بإمكان اللجوء إلى الخيار العسكري لحسمها كل على طريقته. فمثلما أسفر إرسال الاتحاد السوفياتي السابق صواريخ نووية متوسطة المدى من طرازي MRBMs وIRBMs إلى كوبا عن تأجيج "أزمة الكاريبي" قبل قرابة ستين عاماً، تعسكرت أزمة فنزويلا مطلع العام الجاري عقب إرسال موسكو إليها سفينتين محمّلتين بشحنات عسكرية تزن 35 طناً من العتاد ونحو 100 عسكري روسي يرأسهم قائد القوات البرية الروسية. كما حطَّت هناك طائرتا "أنطونوف 124" و"إليوشين 62" روسيتان، أسوة بقاذفات "إليوشين 28"، التي نقلتها موسكو إلى كوبا في تشرين الأول (أكتوبر) 1962 ثم استعادتها بعدها بشهرين، فيما سرّبت مصادر استخباراتية تقارير عن قيام العسكريين الروس بتطوير الدفاعات الجوية الفنزويلية تحسباً لهجوم أميركي محتمل.

وعلى رغم تبرير موسكو خطوتها تلك بأنها تأتي تنفيذاً لعقود عسكرية سابقة ضمن اتفاق للتعاون العسكري والفني بين البلدين منذ العام 2001، إلا أن واشنطن رأت تلك الإجراءات التصعيدية بمثابة غزو روسي لفنزويلا، ما دفع إدارة ترامب إلى مطالبة موسكو بسحب تلك القوات والمعدات، في وقت تبارى الرئيس الأميركي ووزير خارجيته بومبيو في التلويح باستعداد الإدارة الأميركية للقيام بعمل عسكري لإنهاء الأزمة في فنزويلا.

وبناء عليه، راحت واشنطن وموسكو تتبادلان الاتهامات بفي شأن المسؤولية عن تدهور الأوضاع في فنزويلا، فبينما اتهم الأميركيون موسكو بالعمل على زعزعة استقرار فنزويلا وإرباك العلاقات الأميركية - الروسية، داعية الروس مجدداً إلى التوقف عن دعم الرئيس الاشتراكي مادورو، اعتبرت موسكو في المقابل أن تدخل واشنطن في الشؤون الفنزويلية بغية إطاحة رئيس شرعي منتخب لبلد عضو في الأمم المتحدة، هو انتهاك صارخ للقانون الدولي، ولمبادئ الديموقراطية وقيمها، كما يعد تجاهلاً لمبدأ عدم استخدام القوة العسكرية أو التلويح بها، بما يشكل خرقاً لميثاق المنظمة الدولية. بينما ندد وزير الخارجية الروسي لافروف بما تمارسه واشنطن من تأثير مدمر في فنزويلا.

وخلافاً لغيابه عن أزمة الصواريخ الكوبية، فرض الدور الصيني نفسه بقوة في الأزمة الفنزويلية. فانطلاقاً من اعتبارات أمن الطاقة الصيني، حرصت بكين، التي تعد أكبر مستثمر أجنبي في فنزويلا، على تنسيق برنامج "النفط مقابل القروض" مع كراكاس منذ مطلع القرن الجاري، والذي قدم بموجبه "بنك التنمية" الصيني قروضاً بقيمة 60 بليون دولار مقابل ضمان تدفق النفط الفنزويلي إلى بكين.

وفي حين وقف العالم على أطراف أصابعه إبان أزمة الصواريخ الكوبية مخافة اندلاع حرب نووية لا تبقي ولا تذر بين القوتين العظميين النوويتين وقتذاك، يتملك الدول المستهلكة للنفط قلق بالغ على أمن الطاقة العالمي هذه الأيام، بعدما تبددت آمالها في عودة النفط الفنزويلي بقوة إلى سوق النفط العالمية لتعويض فاقد حصتي إيران وليبيا، إثر تراجع المعروض العالمي من النفط بواقع مليوني برميل يومياً، جراء تشديد العقوبات النفطية الأميركية على إيران وتنامي الاضطرابات في ليبيا، وتفاقم الأزمة في فنزويلا، لاسيما بعدما طال التعثر برنامج "النفط مقابل القروض" على خلفية تراجع صادرات النفط الفنزويلية بجريرة الوضع المتأزم، ما أسفر عن ارتفاع أسعار النفط عالميًا، وزيادة الفاتورة الإجمالية لواردات الصين النفطية. وتوخياً منها لإنقاذ الموقف، انضمت الصين إلى روسيا في دعم مادورو، وتحميل واشنطن مسؤولية العواقب الوخيمة لعقوباتها الأحادية ضد كاراكاس، والتي أعلنت بكين معارضتها لها، مشددة على عزمها تنمية التعاون مع فنزويلا في مختلف المجالات على أسس المساواة والمنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة، داعية الأطراف المعنية إلى التعقل واعتماد الحوار للتوصل إلى حل سياسي بموجب الدستور الفنزويلي.

واستناداً إلى "مبدأ مونرو"، الذي ما برَح يشكل أحد أبرز محددات السياسة الأميركية تجاه أميركا اللاتينية منذ العام 1823، استبد بواشنطن قلق بالغ من تجاوز مساعي موسكو وبكين لتعزيز وجودهما في فنزويلا، حدود المصالح الاقتصادية. فبعدما رصدت هبوط طائرات نقل صينية ضخمة في مطار كراكاس تحمل مساعدات إنسانية تخفي وراءها إمدادات حربية وخبراء عسكريين، حذرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في تقريرها السنوي إلى الكونغرس مطلع الشهر الجاري، من اتجاه الصين إلى زيادة قواعدها العسكرية حول العالم بذريعة حماية مصالحها الاقتصادية الكونية ومشروعاتها المرتبطة بمبادرة "الحزام والطريق". علاوة على مساعي بكين لاستثمار تعاظم ثقلها على الصعد الاقتصادية والعسكرية والسياسية، بغرض تعزيز دورها الإقليمي وتوسيع نفوذها العالمي.

أما على مستوى إدارة الأزمة، فمثلما سبق واتفقت موسكو وواشنطن على إنشاء خط ساخن للتواصل بينهما، توخياً للحيلولة دون تفجر مواجهة نووية خلال الأزمة الكوبية في عام ،1962 ما أدى إلى حلحلتها وتجنيب العالم في حينها مأساة إنسانية مدمرة، لم تخل الأزمة الفنزويلية من محادثات رسمية جرت طي الكتمان بين مستشارة الرئيس الأميركي ترامب للشؤون الروسية، فيونا هيل، ومسؤولين في مجلس الأمن القومي الروسي.

وبينما لعبت الأمم المتحدة دوراً محورياً في احتواء الأزمة الكوبية عبر وساطة أمينها العام آنذاك يو ثانت ومشاركته في المفاوضات، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق تسوية يوم 28 تشرين الأول (أكتوبر) 1962 تمَّت بموجبه إزالة قواعد الصواريخ السوفياتية من كوبا مقابل تعهد واشنطن عدم غزو الجزيرة وسحب صواريخها النووية من تركيا وإيطاليا، أفضى عدم توافق طرفي النزاع داخل فنزويلا لجهة تفعيل دور الأمم المتحدة في تسوية الأزمة، إلى اختزال دور المنظمة الدولية، حتى الآن على الأقل، في تحركات حذرة على الصعيدين الإنساني والديبلوماسي. إنسانياً، هرع المفوض السامي لشؤون اللاجئين إلى دق ناقوس الخطر جراء أعمال العنف ضد المدنيين، محذراً من مأساة لاجئين، خصوصاً بعد اضطرار نحو 3,5 مليون فنزويلي إلى مغادرة بلادهم إلى دول مجاورة. ودعا المفوض ذاته المجتمع الدولي إلى زيادة الدعم المقدم إلى دول اللجوء، فيما حذرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان من مفاقمة العقوبات الدولية لتدهور الأوضاع في فنزويلا.

أما ديبلوماسياً، فلم تتوقف المنظمة الدولية عن مطالبتها الجميع العمل من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة الفنزويلية، مؤكدة مواصلتها الحراك الهادف إلى التوسط بين النظام والمعارضة لنزع فتيل التصعيد.

بدوره، جدَّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عرضه تقديم أي مساعدة ممكنة في هذا السياق. وبينما يطل برأسه التساؤل حول إمكان أن تتمخض التفاهمات الاستراتيجية والسياسية، الخفية منها والمعلنة، عن تحقيق اختراق في الأزمة الفنزويلية مثلما سبق وآتت أكلها في أزمة الصواريخ الكوبية، تبقى الإجابة رهناً بما ستؤول إليه التطورات المتسارعة التي تخبئها الأيام المقبلة لمسار الأحداث في فنزويلا.

بشير عبد الفتاح - الحياة

  • شارك الخبر