hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - النائب القسيس د. ادكار طرابلسي

الإستعداد للموت: الإنسان لا يعرف وقته

الأربعاء ١٥ أيار ٢٠١٩ - 11:19

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

"لأنّ الإنسانَ أيضًا لا يعرفُ وقته. كالأسماكِ الّتي تُؤخذ بشبكةٍ مُهلكةٍ، وكالعصافيرِ الّتي تُؤخذُ بالشَّرك، كذلك يُقتنَصُ بنو البشر في وقت شرّ، إذ يقع عليهم بغتةً" (جا 9: 12).


فُجائيّة الموت
مناقشةُ موضوع الموت أمرٌ واقعيٌّ وعقلانيٌّ حكيمٌ،كالبحث في كافّة أمور الحياة.يجب عدم استبعاده وعدم الحديث عنه في حياتنا. كلّ إنسانٍ يسأل في سرّه، كيف يحصل الموت؟ وماذا يشعر المرء لحظةَ انتقاله؟ وتتزاحم الأسئلة، من يعرف متى تكون ساعة رحيله؟ وهل يمكن توقّع اقتراب الأجَل؟

يخضعُ الموتُ بحسب سليمان النّبيّ لعنصر المفاجأة، ولا يمكن التنبّؤ بلحظة قدومه. يستخدمُ صورةً من هواية الصّيد ليحكي عن موت البشر، فيُشبّهه بوقوع الأسماك في الشّبكة المهلكة، أو العصافير في الشّرك. يحصَلُ كلاهما بغتةً، ولا يمكن أن تفلت الضحيّة. يجب أن يُدرِك الإنسان الحكيم عنصر المفاجأة في الموت، فيستعدَّ طالما كان حيًّا. "لأنَّ لكلّ أمرٍ وقتًا وحُكمًا، لأنّ شرّ الإنسان عظيم عليه، لأنّه لا يعلم ما سيكون. لأنّه من يخبره كيف يكون؟" (جا 8: 5-7).

لا تفسير لفجائيّة الموت، ولا نمط واحد له. ولا يفيد النّقاش والجدل فيه. ليسَت القضيّةُ نوعيّةَ حياة الإنسان وسلوكه وإدراكه ومقامه. تمامًا كما أنّه لا تفسير لماذا يعلق عصفورٌ في المصيدة، ويفلت آخر؛ وكيف تعلق سمكةٌ في الشّبكة، وتفلت أخرى. يبدو الأمر صدفةً. يزعل النّاس من الصّدفة إذا جاءتهم بالموت، بينما يُحبّونها إن أتتهم بربحٍ غير متوقّع! السّؤال هو، لماذا نتفاجأ بشرّ يصيبُنا وتصدمُنا لحظةٌ رهيبةٌ آتيةٌ، نشعر بقدومها من دون معرفة زمن وصولها؟ ولماذا يصدمنا الموت ويُفجعنا متى جاء، وكيفما جاء؟ ألم يخبرْنا الكتاب المقدّس بهذه الحقيقة، وأنّ الله أبقى توقيتَ الموت مخفيًّا عنّا لنكون مستعدّين وساهرين دائمًا؟

الموت ومعنى الحياة
أدرك سليمان أنَّ في الحياة وقتًا لكلّ شيء. فهناك وقت للولادة وآخر للموت. هذه المواقيت مرتّبةٌ من سلطةٍ علويّةٍ. قد لا نفهم حكمة الله في الموت، لكنّها حكمةٌ صالحةٌ لخير البشر. يجد سليمان أيضًا أنَّ الله وضع في داخل الإنسان صدى الموت الآتي من بعيد، الّذي يدفعه للبحث في معاني وأسرار الحياة الحاضرة والآتية بعد الموت، ويأتي به لمعرفة الله. "صنع الكلّ حسنًا في وقته، وأيضًا جعل الأبديّة في قلبهم، الّتي بدونها، لا يدرك الإنسان العمل الّذي يعمله الله من البداية إلى النّهاية" (جا 3: 11).

لا ينتصر إنسان على الموت مهما زاد علمه وكثرت قوّته. لذا من الحكمة أن يستعدّ له كما يتحسّب لمفاجآت الحياة غير المتوقّعة والّتي يصعُب تجنّبها. الموت أمرٌ حقٌّ، وحقيقيٌّ، وحاضر في البديهة، ولا مفرّ منه. لقد "وُضع للنّاس أن يموتوا مرّةً ثمّ بعد ذلك الدّينونة" (عب 9: 27). وما أرهب الدّينونة!

لا بدّ من الإعتراف أنّ الإنسان مخلوقٌ ضعيفٌ وهشٌّ، ويحتاج إلى نعمة الله ليتقدّم وليعيش. هذا ما أعلنه الفلاسفة اليونان وأكّده بولس الرّسول باقتباسه من شعرائهم، "الإله الّذي خلق العالم وكلّ ما فيه. إذ هو ربّ السّماء والأرض... هو يعطي الجميع حياة ونفسًا وكلّ شيء. وصنع من دم واحد كلّ أمّة من النّاس يسكنون على كلّ وجه الأرض، وحتّم بالأوقات المعيّنة وبحدود مسكنهم، لكي يطلبوا الله لعلّهم يتلمّسونه فيجدوه، مع أنّه، عن كلّ واحد منّا، ليس بعيدًا. لأنّنا به نحيا ونتحرّك ونوجد" (أع 17: 24-28). إذا كانت حياتنا منه، فليس لنا سلطانٌ عليها. لا يخبرنا الله بالقواعد الّتي وضعها والّتي تتحكّم بموتنا وخروجنا من الأرض. واجبنا التّسليم له، وتجهيز أنفسنا للحظة الرّحيل، معترفين، "في يدك آجالي" (مز 31: 15).

فالإنسان، مهما زاد علمه وخبرته، يجهل لحظة انطلاقه من العالم، وما يحدث له ساعة مغادرة روحِه له. ولا يقدر مائتٌ واحدٌ أن يُخبرَنا عمّا صار معه بعد الموت. لذا يسأل أيّوب، "هل انكشفت لك أبواب الموت، أو عاينت أبواب ظلّ الموت؟" (أيو 38: 17). وحدها كلمة الله تكشف لنا ما يصير هناك بعد الموت. يصوّر النبيّ إشعياء مشهدًا يصف فيه عظماء الأرض يموتون، ويقفون عند استقبال أرواح زملائهم الآتين بعدهم ليستقبلوهم كضعفاء، ومائتين، ومساوين لهم. "الهاوية من أسفل مهتزّةٌ لك، لاستقبال قدومك، منهِضةٌ لك الأخيلة، جميع عظماء الأرض. أقامت كلّ ملوك الأمم عن كراسيهم. كلّهم يجيبون ويقولون لك: أأنت أيضًا قد ضعفت نظيرنا وصرت مثلنا؟" (إش 14: 9-10).

يتنبّه الإنسان لهذين السّببين، مفاجأةُ الموت وجهلُ ما سيكون عنده، فلا يعودُ يحيا بعبثيّة، بل بجديّةٍ مطلقة. ولأنّه لا يملك سلطانًا على الوقت والموت والحياة، ولا على أيّامه، يكون عليه الإستعداد للحظة رحيله المباغت.

الإستعداد للموت
يستعدّ الإنسان الحكيم للحظة الموت الرّهيبة. يعترف بأنّه سيموت لا محالة، بغتةً وفي أيّ وقت، لذا يحتاط ولا يؤجّل! صرّح داود النّبي لصديقه يوناثان، "إنّه كخطوة بيني وبين الموت". وحده الغبيّ يستبعد الموت متهاونًا بهذا الموضوع الخطير فلا يستعدّ له.

يُحدّدُ الإنجيل المقدّس "الطّريقةَ الوحيدة" ليكونَ الإنسانُ مستعدًّا لمواجهة الموت، ألا وهي "الإيمان بيسوع المسيح". فهو الّذي قال: "أنا هو الطّريقُ والحقُّ والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلاّ بي" (يو 14: 6). يؤكّد الإنجيل مرارًا، "لا يهلك كلّ من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديّة" (يو 3: 16). "لأنّ أجرة الخطيّة هي موت، وأمّا هبة الله فهي حياة أبديّة بالمسيح يسوع ربّنا" (رو 6: 23) "من له الابن فله الحياة، ومن ليس له ابن الله فليست لهُ الحياة" (1يو 5: 12). ولنوال الحياة الأبديّة لا بُدَّ أن نأتي للمسيح ونطلبَها منه. "اُطلبوا الرّبّ فتحيوا" (عا 5: 6). نطلبها منه فيُعطينا إياها. وعندئذٍ فقط نقول بثقة، "لأنّ لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح. لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدّا" (في 1: 21، 23). وحدهم الّذين آمنوا بالمسيح يضمنون الحياة الأبديّة معه. الإنسان الحكيم هو حكيم لنفسه ولا يهمل مصيره الأبديّ، "طريق الحياة للفطن إلى فوق، للحيدان عن الهاوية من تحت" (أم 15: 24).

 النائب القسيس د. ادكار طرابلسي

  • شارك الخبر