hit counter script

ليبانون فايلز - الحدث الحدث - دافيد عيسى- سياسي لبناني

الاصلاح لا يكون على حساب الامن... ولا اقتصاد بلا امن

الإثنين ٢٢ نيسان ٢٠١٩ - 06:40

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كلنا في لبنان نشعر بوطأة الأزمة الاقتصادية والمالية وأنها دخلت في منطقة الخطر، وكلنا مقتنعون أن الخروج من نفق هذه الأزمة لم يعد ممكناً من دون إجراءات وقرارات موجعة تهدف بشكل أساسي إلى خفض العجز في الموازنة عبر حصر النفقات وممارسة سياسة تقشف وتقنين.
ولكن بدل أن تتجه هذه الإجراءات التقشفية في الاتجاه الصحيح وبدل أن تطرق سياسة خفض النفقات أبواب الهدر والإنفاق غير المجدي، فإنها سلكت طريقاً آخر وفي الاتجاه الخاطئ بأن طرحت على بساط البحث المس بمؤسسات وقطاعات أساسية ومنتجة تعطي الدولة أكثر بكثير مما تأخذ منها.
في مقدمة هذه المؤسسات المؤسسة العسكرية التي تدور أحاديث وأقاويل بشأن وجود توجه لدى السلطة أو القيادة السياسية إلى إعادة نظر في الرواتب والتقديمات والتعويضات والمكتسبات المالية المخصصة لها بما في ذلك إلغاء أو إعادة النظر في التدبير رقم 3 الذي يكلف الدولة سنويآ حوالي خمسة مليارات ليرة لبنانية اي حوالي ثلاث ملايين دولار سنويآ فقط لا غير للجيش اللبناني الذي يسهر ليل نهار على امن اللبنانيين بحجة أن الظروف والأوضاع التي أدت إلى اعتماده لم تعد قائمة.
نعجب أولاً كيف أنه، في ظل ظروف المنطقة الحافلة بالتحديات، وفي ظل وجود مليون ونصف مليون نازح سوري والمخيمات الفلسطينية في الداخل، وفي ظل المخاطر الأمنية والإرهابية، يصار إلى فتح الملف الإداري والمالي للجيش اللبناني ويجري المس بأهم دعامة للأمن والاستقرار في لبنان، وبالمؤسسة الأم التي تشكل الضمانة للاستقرار والوحدة الوطنية، والحماية للبنان في وجه كل التحديات والمخاطر سواء تلك الوافدة والمتسللة عبر الحدود أو التي يمكن أن تنشأ وتنمو في الداخل...
الجميع يعرف أن لا اقتصاد ولا مال ولا استثمارات ولا مشاريع ولا "سيدر" من دون أمن واستقرار... ولا أمن واستقرار من دون مؤسسات عسكرية وأمنية قادرة على القيام بمهامها ومسؤولياتها كما يجب.
وإذا كان الوضع اللبناني يشكو حالياً من أزمة اقتصادية ومالية خانقة ومن توترات سياسية وطائفية واجتماعية، فإن الوضع الأمني هو الشيء الوحيد الإيجابي والعلامة المضيئة وسط هذه الصورة القاتمة والحفاظ على الأمن والمؤسسات القيمة عليه يصبح هو الهدف الأول الذي لا تعلو عليه أهداف وأولويات أخرى.
نقولها بكل صراحة وأسف أن هناك من يحاول تصوير واقع المؤسسة العسكرية على غير ما هو عليه وعلى نحو مخالف للواقع كالقول إن المؤسسة العسكرية ترتب أعباء مالية على الدولة، وهذه الأعباء تفوق طاقة الدولة على التحمل.
هناك فهم خاطئ، عن قصد أو غير قصد، عن حسن أو سوء نية لواقع المؤسسة العسكرية ومهامها والظروف التي تعمل من ضمنها وحجم التقديمات المعطاة إليها، وحتى لا يبقى هذا السوء الفهم والالتباس قائماً وحتى لا يحصل تحريف للواقع، فإننا نتوجه إلى المسؤولين وإلى الرأي العام بجملة وقائع وحقائق ومنها:
- الجيش اللبناني وبسبب الظروف والتقلبات وطبيعة لبنان السياسية والطائفية لم تعد مهامه ومسؤولياته محصورة في تأمين الحدود وحمايتها وفي الدفاع عن كامل تراب الوطن، وإنما اتسع دوره وكبر وصار أساسياً في صلب المجتمع واستقراره وإنتاجه ومختلف أنشطة ووجوه الحياة الوطنية والاجتماعية كبيرها وصغيرها حتى أن مناسبات الأعياد وحماية دور العبادة ومباريات كرة القدم أو كرة السلة لا تحصل في ظروف آمنة وسليمة إلا في ظل الجيش وحمايته... الجيش ومن دون مبالغة أصبح حاجة وضرورة لكل شيء وصار في أساس وصلب الحياة الاجتماعية والدينية والرياضية والثقافية والاقتصادية.
- الجيش هو العين الساهرة في كل ظرف وفي كل حين، لا يتعب ولا ينام ولا يمنن... عندما يكون الجميع في إجازة يحتفلون مع عائلاتهم بالأعياد يكون قائد الجيش وضباطه وجنوده في مراكزهم وعلى خطوط النار والحدود... عندما يؤم المؤمنون الكنائس والمساجد للصلاة تكون هذه المقرات الدينية تحت نظره وحمايته... عندما يحتفل اللبنانيون بليلة رأس السنة، الجيش بقائده وضباطه وعناصره لا يحتفلون وإنما في تلك الليلة يعملون ويتواجدون في مراكزهم، وعندما يكون الناس في بيوتهم يتنعمون بالدفء في عز أيام الشتاء والصقيع يكون عناصر الجيش في العراء وفي قلب البرد والعواصف ويواجهون مواقف صعبة جداً، وهذه قصة من قصص عديدة حصلت مؤخراً عند حصول العاصفة الثلجية عرفت بها من احد الاصدقاء أن أحد العسكريين كان متواجداً على خط الجبهة الحدودية في الجرود التي حررت من داعش وعلى ارتفاع أكثر من ألفي متر وصودف أن فارق والد هذا الجندي الحياة ولم يتمكن من حضور جنازة والده لأن الطوافة العسكرية التي أرسلت لنقل الجندي لم تتمكن من الهبوط بسبب الظروف المناخية... فهل هناك أقسى من هذه التجربة الإنسانية؟
- الجندي والضابط في الجيش هو الموظف الوحيد في الدولة الذي لا دوام له ويلبي طلب قيادته بالحضور ومزاولة عمله ليل نهار في أي وقت وأي مكان ومن دون تقاضي بدل إضافي، لذلك فان التدبير رقم 3 هو التعويض عن عدم وجود ساعات اضافية يقبضها العسكر بدل الخدمة الاضافية.... والعسكري يواجه مثله مثل كل اللبنانيين شظف العيش وأعبائه ولديه استحقاقات ومسؤوليات تجاه عائلته، ولكنه بخلاف غيره من اللبنانين ليس قادراً على أن يعمل في وظيفة أخرى لتحسين إيراداته ولا يحق له ذلك... وأي توجه إلى خفض ما يتقاضاه حالياً، هو قليل مقارنة بأعباء عائلته وبتضحياته، سيؤدي إلى كسر معنوياته وتهديد استقراره العائلي والاجتماعي، فكيف يطلب من جندي واقف او ضابط يخدم في آخر نقطة على الحدود أن يؤدي واجبه على النحو الأفضل وهو غير مطمئن ماديآ ومشغول البال وقلق على عائلته ومستقبله؟
- الجيش وبخلاف الاعتقاد السائد، لا يكلف الدولة اللبنانية سوى رواتب عناصره وضباطه الذين لا يتجاوزون الثلاثمئة ضابط، وعناصره الذين لا يتجاوزون الـ 80000 عنصر، فالدولة لا تدفع على تسليح الجيش الذي يحظى بدعم المجتمع الدولي ومساعدته في التسليح والتجهيز والتدريب... وحتى في مجال الأعباء والتكاليف المرضية والاستشفائية، لا يحمل الجيش الدولة شيئاً منها لأنه أنشأ نظام الطبابة العسكرية القادرة على توفير إدارة وموارد ذاتية.
- الجيش اللبناني تترتب على عاتقه مسؤوليات ومهاماً جسيمة تتوزع من الحفاظ على الأمن في الداخل وحماية الحدود من كل أنواع وعمليات التهريب والتسلل والإرهاب، وإذا كان البعض يأخذ على الجيش عدده الكبير، فإن الواقع يدل على أن هذا العدد ليس كافياً، وأن حدود لبنان البرية والبحرية (الحدود الشمالية التي تمتد على 104 كلم وعلى الحدود الشرقية التي تمتد 256 كلم وعلى الحدود الجنوبية التي تمتد 115 كلم وعلى الحدود البحرية التي تمتد 357 كلم) تتطلب أعداداً إضافية لا تقل عن 180 ألف عنصر واكثر فيما لو أريد لهذه الحدود أن تضبط بشكل محكم وكامل لضبط التهريب وحماية الحدود...
في الختام نورد هذه الحقائق لنضيء على الظروف الصعبة التي يعمل الجيش من ضمنها وتفترض تعزيزاً لمعنوياته وأوضاعه بدل التفكير في خفضها وتعديلها، ولنؤكد أن الجيش هو في صلب معادلة الأمن والاستقرار التي هي في أساس كل المعادلات الأخرى المالية والاقتصادية والوطنية.  

  • شارك الخبر