hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - مازن ح. عبّود

العالم طبخة الأمهات والآباء

الأربعاء ١٧ نيسان ٢٠١٩ - 06:23

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

هل يستقيم العالم وتستمر الحضارة من دون أمهات وعائلات؟
ما يرعبني هو العائلات المبتورة. صار مشوار الزواج مشوار معاشرة سرعان ما ينتهي عند أول مطب. يفترق العشاق بعد أن "ينفخت الدف". كلّ يريد أن يعيش لنفسه. ما عاد أحد مستعداً لتحمل أحد، صرنا نعيش ليومنا، وما عاد لحياتنا معنى، منشغلون نحن بالتفتيش عن راحتنا، عن مصلحتنا، عن لذتنا، وكل ما عدا ذلك تفصيل. فكلنا من مدرسة "انا الأهم" ومن بعد حماري ما ينبت حشيش". نبحث عن السعادة ونعمل للذة، وما بعد اللذة ألم وفراغ. لا نعلم انّ الحبّ لا تلتقطه الا القلوب التي تعرفه، نستعطي الحبّ والثناء، نبتاعه بأي ثمن. قليلة القلوب المحبة، والمحبة فعل وليست احاسيس ذابلة وهوى ومشاعر.
ما يقلقني كثيراً هو أن الزواج ما عاد بوابة الانجاب الوحيدة، ودوره على تقلص، وما عادت استدامة العائلات قاعدة. العائلة بالمفهوم الكلاسيكي تتراجع وتندثر، فحتى الرجال يستطيعون أن يستأجروا أرحاماً لاستيلاد طفل.
تكثر الجميلات والنديمات والصديقات، وتتقلص كثيراً أعداد الأمهات في عالمنا، يزداد الذكور ويقلّ الآباء، الأب يبحث عن مصدر رزق العائلة خارج البيت، والام تسعى إلى زيادة المدخول. يترك الأولاد ومنذ ولادتهم لغرباء لتربيتهم، تعشعش الغربة في قلوبهم ولا يجد الرضع سلاماً ومحبة. يكبرون وتكبر الوحشة. فكيف يعطون العالم سلام ومحبة؟
يعيش الرجل مع المرأة في غربة في الكثير من الأحيان، قلما يتكلمون، يعرفها بهدف اللذة، يعيشون في بيت واحد، ولا يتطلعون الى عيون بعضهم البعض، يعيش معها العمر، لا يفهمها ولا تفهمه.
لكل عالمه واصدقاءه، كل على هاتفه، وتراهم ينفصلون عند أول مطب تاركين وراءهم فلذات كبد في الضياع.
قلة من يثبتون في الزواج، قلة من يعيشون لغيرهم كي يكسبوا أنفسهم.
لكنّ مشروع العائلة بكليته أضحى من طرائق العصر الذي ودعنا.
إزرع بذرة في بطن مضيف، فتنال ولداً، إذا ما أردت أن تختبر الاولاد.
اولاد العصر الاتي سيولدون من أحشاء غريبة، غرباء هم بدون عائلات، نعم ما عاد ضرورياً أن يكون لهم آباء او أمهات، أولاد تأتي بهم إلى الدنيا مصانع بشرية. فتبتاع خدمات نساء تماماً كما تشتري خدمة التاكسي. حتى صناعة الانسان أضحت خدمة مستعد أن يقدمها لك انسان آخر مقابل أجر مادي.
صارت السعادة لذة، والمرأة غانية، والرجل مغتصب.
لا أعلم أي سلام سيكون لنا، وأي حضارة سيبنيها ذاك الذي نشأ في أنبوب أو في حشا مضيف ولم يجد أماً أو أباً؟
أترى هل يعطي السلام من لا يمتلكه، وهل يعطي الحبّ فاقده؟
هل يستطيع العالم أن يستمر من دون حب؟
أتوق إلى الحفاظ على عائلة تذوب الام فيها كي يكبر الأبناء، ويتفانى الأب في سبيلهم وسبيل إمرأته، عائلة لا يتربى أولادها في الحضانات بل في كنف الام والجد والجدة، عائلة لا يهمها أن تكسب المزيد كي تشتري ما لا يلزم وتستهلك ما ليس ضروريا. بل تكتفي بما يكسبه المعيل. أتوق إلى الحفاظ على عائلة تقتنع ألام فيها بأنها الحياة، وترضى ألا تتحوّل إلى رقم تباطح أرقاماً كي تثبت نفسها.
أم لا يهمها أن تثبت بأنها تتساوى مع الرجل لاقتناعها بانّ ما تقوم به لا يمكن لأي رجل أن يقوم به. أم تدرك بأنها أم تعطي البشرية، أم تقتنع بأنها تعطي البشرية نكهتها وطعمها وسلامها.
سيكون العالم حزينا إذا ما تراجعت الامهات، ومتخبط وعاصف ولا سلام له إذا ما تقلصت العائلات.
حفنة من الحب تصنع المعجزات، بكمشة تضحية تستمر الحضارة والحياة. ما يلزم الكون القليل من الآباء والامهات، ما يلزم الكون طبخة مكوناتها تضحية وبذل ووفاء وصبر، نُظُم مُزجت بالأحلام ومُلحت بالتنهدات وبُهِّرت بالصبر، فوضع المزيج اللذيذ في طنجرة النماذج على نار محبة الأب والأم كي يستوي، فيأكل العالم منه سلاماً ومحبة وابداعاً وبذلاً. ويقول عندها صحتين. وشكراً لمطبخ تلك الام والأب، شكرا لخلطة العائلات.

  • شارك الخبر