hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - عبد الرؤوف سنّو

تدخُّلات الخارج وأدواره في حرب لبنان 1975-1990 (1/2)

الثلاثاء ١٦ نيسان ٢٠١٩ - 07:29

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تقوم فرضيةُ هذه الورقة على أنّ المجتمع اللبناني التعددي المنقسم على نفسه، يتعرّض باستمرار للتوترات والحروب الداخلية، في ظلّ طائفيتين مجتمعية وسياسية، وأيديولوجيات متنافرة، ودولة ضعيفة لا تمسكُ بشعبها ولا تصنع قرارها بنفسها. من هنا، فإنّ مأساوية الجغرافيا السياسية والحالة المجتمعية والنظام الطائفي وهشاشةَ الدولة، كانت ذات تأثيرات كارثية في مصير الكيان والسيادة، وجعلتهما عرضة لتدخلات الخارج.

بسبب موقعه الجغرافي، تعرّض لبنان منذ عصوره القديمة للغزو الخارجي، حتى أنّ الكيانات التي وجدت على ساحله كانت تتحوّل ضدّ بعضها البعض لصالح القوى الأجنبية المحتلة؛ من الآشوريين إلى البيزنطيين. وبأسلمة بلاد الشام على أيدي العرب وخضوعِها للاحتلالين المملوكي والعثمانيين، حدث شرخٌ مجتمعي في لبنان: بين المسيحيين، غالبيتهم موارنة، وبين أتباعِ الديانة الإسلامية. فتطلع الأولون إلى فرنسا والفاتيكان كامتداد لعقيدتهم وثقافتهم للتخلص من الحُكم الإسلامي وإنشاءِ كيان خاص بهم، فيما تقبّل المسلمون الحُكم الأخير بمقولة «الرابطة الإسلامية»، ثم تبنّوا المشروع القومي العربي بعد سقوط الدولة العثمانية.
وفي ظلّ طائفية مجتمعية ونظامٍ طائفي، غابت عند اللبنانيين فكرة الوطن، ما أفسح في المجال أمام التدخلِ الأجنبي، ويكمن رصد ذلك بإنشاء متصرفية جبل لبنان، وإعلان دولة لبنان الكبير، وحصول لبنان على استقلاله، والحرب الداخلية القصيرة العام 1958، والصراعاتِ العربية والدولية على أرضه خلال الخمسينيات والستينيات، والدخولِ السوري إليه مطلع العام 1976، والتدخلِ الإسرائيلي في شؤونه الداخلية واجتياحِه خلال العامين 1978 و1982. حتى اتفاقُ الطائف الذي أرسى سلمًا أهليًا مقبولًا، كان صناعة خارجية جعله تحت الوصاية السورية.
العامل الفلسطيني في حرب لبنان
عن حرب لبنان، وعلى عكس ما يُروّج بأنّ المشاركة والغبن والحرمان هي من أسباب اندلاعها، فإنّ العواملَ الإقليمية والدولية هي التي دفعت اللبنانيين نحو الاقتتال، في ظلِّ شرق أوسطٍ ملتهبٍ منذ العام 1967 والحربِ الباردة بين المعسكرين الدوليين. إنّ خلافات اللبنانيين حول دور بلدهم في الصراع العربي – الإسرائيلي، كان أحدَ أبرز أسباب إنجرارهم إلى الحرب، بعدما تحوّل لبنان إلى قاعدة للمقاومة الفلسطينية ضدّ إسرائيل، وبخاصّة بعد طرِها من الأردن، وسماح النظام السوري لها بالعبور إلى لبنان لرفعِ منسوبِ التناقضات الطائفية وبالتالي إيجاد ذريعة للتدخلِ المباشر فيه. فتسببت المقاومة باختلالات في التوازنات الطائفية، عندما استقوى المسلمون بها لتحقيق مشاركة أفضل لهم في السلطة، أو الإطاحة بالنظام الطائفي القائم لصالح نظام علماني، بعد قام تحالف يساري لبناني – فلسطيني اعتبر نفسه طليعةَ التغيير في العالم العربي. في المقابل، استفادت المقاومة من الغطاء الإسلامي – اليساري لها، متعلّمة من تجربتها السابقة في الأردن. أما عن المسيحيين الموارنة، فخشوا من أن يطيح الصراع العربي – الإسرائيلي بحياد بلدهم، وتتحوّل عملية صنع القرار إلى أيدي المسلمين أو اليسار، أو إذا ما شاء رئيس أنْ يركب موجةَ العروبة. فتمسكوا بانزال الجيش اللبناني للدفاع عنهم وعن الدولة التي اعتبروها دولتهم، ما أدّى إلى حصول صدامات بينه وبين المقاومة.
وتخلل ذلك توقيع «اتفاق القاهرة» العام 1969 الذي أعطى الفلسطينيين مركزًا مهيمنًا على حساب سيادة لبنان. تزامنت تلك التطورات مع العسكرة، واستنجاد المسيحيين بسورية، وبعد ذلك بإسرائيل لتصحيح الخلل في التوازنات الذي تسبب به الوجود الفلسطيني. فظهرَ الصراع وكأنه بين القومية العربية القومية اللبنانية.
إسرائيل وسوريا في لبنان: تقاسم النفوذ
لقد تداخلت العوامل الإقليمية والدولية في لبنان في العامل الفلسطيني. قبل إنشائها وبعده، عملت إسرائيل على ضمّ موارنة لبنان إلى تحالف أقليات لزعزعة الاستقرار في المنطقة العربية. صحيح أنّ مطامعها في لبنان معروفة، لكنها لم تتدخل فيه مباشرة إلا بعد تحوّله إلى معقل للمقاومة المدعومة سوريًا، واستقواء المسلمين واليسار اللبناني بها، ودخولِ لبنان بقوة في مخططاتِ سورية لمواجهة إسرائيل بعد حرب العام 1973.
بعد حرب العام 1967، تحكّمت مسائل ثلاث في سياسة تلّ أبيب تجاه لبنان: مواجهة المقاومةِ الفلسطينية وضمان سلامة مستوطناتها الشمالية؛ الاستفادة من موارنة لبنان؛ والتصدّي للتدخل السوري فيه. واستلزمت سياستها هذه إنشاء حزام أمني في جنوب لبنان العام 1975، سبقه قيامها بغارات واعتداءات متواصلة عليه منذ العام 1968.
وعلى عكس ما يزعمه النظام السوري، بأنّ تدخله في لبنان يعود إلى واجبه القومي، فقد وضع الرئيس حافظ الأسد استراتيجيةً جديدة لبلاده تقضي بالإمساك بالمقاومة الفلسطينية، وربط أمن لبنان بأمن سوريا، وتحقيقِ التوازنِ الاستراتيجي مع إسرائيل، وأنْ تكون له كلمة مسموعة في أزمة الشرق الأوسط، تزامنًا مع انفراد واشنطن في حلّ نلك الأزمة وفق دبلوماسيتِها الخطوة - خطوة، واستبعاد السوفيات عنها. وفي السنة الثانية من حرب لبنان، أدخلت سوريا قواتَها إليه بذريعة منع تقسيمه، وقيام نظام ماروني حليف لإسرائيل، ومنعِ الفرقاء المتقاتلين من حسم الحرب لصالحه، أو سيطرةِ التحالف اليساري – الفلسطيني على النظام اللبناني، وألّا تتحققَ أية تسوية في لبنان من دون وساطتها. لكن احتلالها لبنان عسكريًا، لم يحصل من دون رعاية أميركية وتفاهم مع العدو الصهيوني.
«اتفاق الخط الأحمر» والرعاية الأميركية
في ظلّ تصاعد العمليات الفدائية ضدّ الطائرات الإسرائيلية والأميركية منذ العام 1968 وحادثة ميونيخ العام 1972، وسعي واشنطن وتلّ أبيب إلى ضبط أوضاع لبنان وفق مصالحهما، ولتفادي مواجهة بين إسرائيل وسوريا في لبنان، رعى الوزير هنري كيسنجر اتفاقًا سريًا بين دمشق وتلّ أبيب، يؤمّن المجالَ الحيوي لكلّ منهما، عبر احتلال أجزاء في لبنان. وقامت الاستراتيجية الأميركية الشرق أوسطية على حماية أمن إسرائيل، والأنظمة العربية الموالية لها، ومصالحها ومصادر الطاقة وعبورها إلى الغرب. أما دور الأردن في الاتفاق، فانحصر في تبديد عاهله الملك حسين مخاوف القيادات المارونية من الدخول السوري إلى لبنان.
وأدى الاتفاق الذي عُرف بـ «الخط الأحمر» إلى حصول إسرائيل على عمقٍ في جنوب لبنان، والسماح بدخولِ الجيش السوري إليه صيف 1976 لضبط منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية، شرط ألا تتجاوز الخط الأحمر لإسرائيل عند نهر الأولي. وكشف الاتفاق عنه وفاقٍ بين الدولتين على تقاسم النفوذ يغلّفُه عداؤهما الظاهر. إنّ علاقات سوريا السيئة في حينه بتركيا وبالعراق، جعلت الجغرافيا السياسية عبئًا عليها، وهذا ما جعلها تفضّل التفاهم مع إسرائيل حول لبنان.
كان التوافقُ أو التنافس السوري الإسرائيلي وخيمًا على لبنان. فالتوافق يقسّم البلاد إلى منطقتي نفوذ إسرائيلية وسورية، ويؤدّي إلى صدامِ الجيش السوري بالحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية، في حين يؤدي تنافسهما إلى صدامهما على أرضه، كما حصل العام 1982، أو بين أتباع سورية وأتباع إسرائيل من «الجبهة اللبنانية» بسبب اتفاق 17 أيار.
السوفيات والأدوار الأوروبية والعربية في لبنان
على الرغم من علاقات السوفيات الوطيدة بالأسد، فقد أفشل «اتفاق الخط الأحمر» مساعيهم لإرغامه على سحب قواته من لبنان، لكنهم عادوا واعترفوا بمصالحه هناك، ودعموه لمناهضة الأميركيين. وكان يهمهم، في ظلّ انفراد واشنطن بحلّ أزمة الشرق الأوسط، تقوية النظامِ السوري والمقاومةِ الفلسطينية، وألا ينضم لبنان إلى دبلوماسية السلام أو جعله قاعدةً أميركية، وأنْ يحقق اليسار اللبناني نًصرا سريعًا في حرب لبنان. كذلك لم تنجح الوساطات الفاتيكانية والأوروبية في وقف نزيف الدم، وخاصة الدبلوماسية الفرنسية. أما الدول العربية، فانسجمت مع المبادرات السعودية لحلّ سلمي في لبنان. لكن وصول حزب الليكود إلى الحُكم في إسرائيل صيف العام 1977، والمواجهاتِ بين الأنظمة العربية على أرض لبنان عقبَ اتفاقي كمب ديفيد، وتبعية المنظمات الفلسطينية للمحاور العربية، كانت وبالًا على لبنان. من هنا، عملت السعودية على الحفاظ على النظام اللبناني، والإمساك بمنظمة فتح كفصيل أساسي في منظمة التحرير من خلال عطاءاتها المالية، وكذلك على تخفيف التناقضاتِ بين المقاومة ولبنان. لكن دبلوماسية الرياض لم تنجح في مناوئة السوريين، واتسمت بالتناقض، وكان عليها أنْ تسير على وقع المدفع السوري وبانسجام مع المصالح السورية. وبشكل عام، نسقت المملكة دبلوماسيتَها مع الولايات المتحدة، حتى أنها تقدمتْ في آب العام 1981 بمبادرة سلام للشرق الأوسط، أفشلتها إسرائيل. أما النظام السوري، فسار في سياسة فرّق تسد، وضرب الطوائف والأحزاب بعضها ببعض، وتخوين هذا، ومنح صكوك العروبة إلى ذاك.

 


عبد الرؤوف سنّو - اللواء 

  • شارك الخبر