hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - نوف السماري

الفكرة التي هدمتها هشاشة أصحابها

السبت ١٣ نيسان ٢٠١٩ - 08:43

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كل ما يدخل إليك من تجارب عادة لا يفارقك، وكل ما يخرج منك لا يعود إليك، أي فرد منا يملك تجاربه

الخاصة، التي تنطوي على ردات فعل مختلفة تجاه الحياة بكل تداعياتها، وإن اكسبنا كل رد فعل صفة الاستقلال أو إن صح التعبير الوجود المنفصل لتعريفه عن غيره كشيء مستقل بداخلنا كما لو أن كل فكرة تملك هذا التصنيف المنفرد، وكأنك تنظر إليها من خلال مجهر قبل ان تتكثف بتراكماتها ولتكون وكأنها ردة فعل للكون من حولنا، بدءاً من بساطة الشيء كأن تنتبه للضوء صباحاً، أو حتى أشد تعقيداً كأن تتساءل عن جدوى وجودك في هذا العالم، أو حتى أكثر هامشية في أن تتخيل بأنه في كل ثانية من الحياة هناك إنسان يضحك ثم تدرك أن في الأرض ضحكاً متواصلاً.

حين نتطرق لرد الفعل الإنساني كتعبير فذلك حتما ينطبق بشأن الفن في جميع ردهاته، سواء في بناء عمل أم عند متابعة تصاعد فكرة عمل أم المرور عبر عمل، وَعي الفرد الذي يتعاطى مع ذلك الجمال المتفلت منا في محاولة لرصد انعكاس وجودنا في فترة ما هو حتماً ضروري ومهم من ناحية الحرص على المعنى قبل أي شيء آخر، وعدم الإفلات بألق الفكرة وصدقها بل وإهمالها لكي تكون الشيء الهامشي في تقديم لغة العمل وخِطابه وهنا أخشى أن تفوتنا الفرصة، تلك الفرصة التي أشار إليها كونديرا في عالم الرواية، إذ يقول حول ذلك إن للرواية هذه القدرة التأملية من خلال الشخصيات المتخيلة وبالنظر خلال تاريخها نجدُ أن صُنَاعها لم يدركوا تلك الفرصة العظيمة في احتمالاتها الكونية وَخسرت لحظتها نحو ذلك الخلق الاستثنائي، وكذلك الفرصة في بناء تلك اللغة غير المأهولة وأخشى ما أخشاه أن يخسر الفن هذه القدرة السحرية في خلق الدهشة، وذلك نتيجة التسليع المتسارع نحو اختطاف كل شيء في وقتنا الحالي.

اجتهد الإنسان كثيراً على مر السنين في دراسته وبحثه بين طيات علم الإنثروبولوجيا في محاولة تقصي تلك اللغة المحتملة، وذلك المعنى الموارب بين طيات الأشياء والذي يفسر شيئاً من ارتباطه بأرضه ويبرر ذلك التجلي، الذي هو أعلى من الشعر في أقصى تحليقه بين طيات وقواميس اللغة وأسرع من الموسيقى في انسياب أصواتها فور تدخلها وإنقاذها لك عندما تقف بلا رأس بين الخراب وأكثف من اللون في تجلي الصور حين تلتف الأفكار والحوارت لتخلق ليلاً أكثف من الليل اللازم.

لكن قبل أن نتقصى ونفتش عن ذلك المعنى الموارب والمدهش لا بد من أن نحرص على صِدقنا في بناء تجاربنا وتقديمها أو بمعنى أدق بأن نتصالح مع ذواتنا ونقدم أنفسنا من خلال تعبيراتنا باختلاف منافذها لتكون ذات بُعدٍ جمالي يستدعيه الإنسان عبر العصور، كنوع من الاستشهاد على انعكاس تاريخ ذاته في وقتٍ ما وسط ثقافة وَوعي المجتمع آنذاك وليكون توثيقاً لإيقاعه خلال الزمن، ولأن أسوأ ما يمكن أن يقدمه الفرد عن نفسه هو حين يتضح بأنه لم يفهم نفسه بترسباتها قبل أي شيء ليشرع في بناء ما يقدمه أياً يكن معناه، فوق فكرةٍ هشة جاهزة للسقوط فور أن تطلق عليها كلمة أو كلمتين.

نوف السماري- الحياة

  • شارك الخبر