hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - جورج عبيد

كنيسة آيا صوفيا ذبيحة حيّة بانتظار القيامة المحيية

الأربعاء ٣ نيسان ٢٠١٩ - 06:11

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

خلال سنة 2010، وفي خطاب ألقاه في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، نعت الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان الحضارة البيزنطية بالحضارة السوداء. وبتاريخ 25-8-2018، وفي ذكرى معركة ملاذكرد، وقد وقعت سنة 1071، وانتصر فيها السلاجقة الأتراك على البيزنطيين، أكمل أردوغان هجومه على بيزنطية قائلاً: "إنّ انتصار ملاذكرد، (وهو يقصد انتصار السلاجقة الأتراك) وضع الأجداد من خلاله أسس حضارة، مثّلت العدل والرحمة والسلام"، وكأنّه ينفي وجود تلك الأسس في الخضارة البيزنطية وهي مسيحيّة-أرثوذكسيّة بامتياز، كا لها التأثير الكبير بسبب إغريقيّتها وهللينيّتها في آن على أوروبا والمشرق العربيّ برمته.

ومنذ ثلاثة أيّام، قرّر أردوغان، وببساطة ودون سؤال أو جواب، تحويل الكنيسة العظيمة آيا صوفيا في اسطنبول إلى جامع، وقد حوّلها مصطفى كمال إلى متحف خلال الحكم العلمانيّ، حيث فيه فصل الدولة عن الدين. لقد تساءل كثيرون عن المغزى من هذا القرار في هذه اللحظات التي فيها تحتشد معالم مرحلة تكوينيّة جديدة في المنطقة.

وببساطة كاملة، ليس قراره مفصولاً عن قراءته لحضارة بيزنطية في التاريخ، ولدور المسيحيين العرب والمشارقة في ترسيخ حضارة سمّاها سوداء، وتأثير تلك الحضارة على أوروبا ودنيا العرب، ولا زلنا نعيش كمسيحيين أرثوذكس على بهاء طقوسها، ونمتلئ من أنوارها ونغتسل بينابيعها الرقراقة فنصير جددًا. ولا بدّ هنا من التأكيد بأنّ المجامع المسكونيّة عقدت فيها، وكان لها الدور التكويني للاهوتنا ولكنائسنا في الشرق والغرب. هذا رجل يرجو ويعمل على أن لا يبقى مسيحيّ واحد في دنيا المشرق. النيو-عثمانية الجديدة حلمه الأوّل والأخير، وهو مشدود لتجسيده وتوّاق لتنفيذه لو سمحت الظروف بذلك. كان يتمنّى أن لا يدخل الروس إلى سوريا حتى ترث جبهة النصرة والإخوان المسلمون الحكم بالانقلاب عليه وتمهّد لدخول تركيا سوريا بعد فشلها في ليبيا ومصر.

ما يثير الريبة ليس قرار أردوغان بتحويل كنيسة آيا صوفيا أو الحكمة الإلهيّة إلى مسجد فحسب، بل صمت العالم المسيحيّ بأسره الأرثوذكسيّ والكاثوليكيّ في آن، وهو قرار يطاله بتاريخه وجوهر حضوره نظرًا لما تمثّله آيا صوفيا من رمز روحيّ كبير، وكأنّ أردوغان يعيدنا بهذا القرار إلى أقبية التاريخ، ويفتح الجراح، ويمنح بهذا القرار الحق لإسرائيل بأن تبدو يهوديّة وقومية بامتياز، إذ التشدّد الدينيّ في مكان يثبّت التشدّد الديني في مكان آخر، وعلى غراره يسري التشدّد القوميّ أيضًا.

لقد أخذ أردوغان قراره، وتشير بعض المعلومات والمعطيات، بأنّ هذا الرجل استغلّ مجموعة أحداث متراكمة على مستوى العالم الأرثوذكسيّ تحديدًا، منطلقًا من هشاشة موقع البطريرك المسكونيّ برثلماوس وانغماسه بالصراع الروسيّ-الأوكرانيّ، واندراجه في الفلك الأميركيّ الذي بدوره استهلك موقع البطريرك واستوعبه وامتصّه ثمّ وجّه دوره باتجاه مواجهة بطريركية موسكو كأقنوم ثالث من الثالوث المكوّن لروسيا الحالية وهو الرئيس والجيش والبطريرك أو الكنيسة. أردوغان فهم، وكما تبيّن، وبواقعية تامّة، أنّ العالم الأرثوذكسيّ لا يملك حدًّا أدنى من القدرات للمواجهة، فسمح لنفسه بأخذ قرار خطير كهذا ليحوّل الكنيسة إلى جامع.

في هذا الخضمّ ثمّة سؤال يتمّ طرحه: أين هي روسيا الأرثوذكسيّة من قرار رجب طيّب أردوغان، وكيف ستتعامل معه، وهي تتعاطى معه من موقع الشريك في التسوية السياسية السوريّة إلى جانب إيران؟ هل ستصمت عن قرار كهذا وتعتبره خاصًّا بتركيا، أو ستخترق الحجب وتحذّر أردوغان من مغبّة هذا القرار؟ وفي الواقع، ثمّة معطيات بدأت تتوارد وتتكشّف وتظهر بأنّ روسيا غاضبة جدًّا بسبب استغلال رجب طيب أردوغان للخلافات في الدائرة الأرثوذكسيّة ببعديها الكنائسيّ والسياسيّ، وإيغاله باتجاه قرار كهذا. ولا بدّ من الاستذكار هنا، بأنّ البطريرك المسكونيّ تمنّى فيما مضى على أردوغان بأن يسمح بفتح معهد خالكي للاهوت وفي الوقت عينه بأن تستعيد الكنيسة الأرثوذكسيّة كنيسة آيا صوفيا لتفتح أبوابها من جديد أمام الحجّاج وأمام الصلوات في رحابها.

مشهد نافر كهذا، يفترض أن يدفع بطاركة الكنيسة الأرثوذكسية في العالم ويحثّهم للاعتراض، كما يفترض بالدول الأرثوذكسية كاليونان وروسيا وبلغاريا... لكي ينتفضوا إلى جانب البطاركة كي لا نخسر آيا صوفيا مثلما خسرنا القسطنطينيّة في السابق وبدت أو تبدو عند بعضهم كحلك أندلسيّ، واليوم نخسر أوقافنا في القدس في فلسطين. وفي واقع الأمور إنّ قضية آيا صوفياغير محصورة فقط بالعالم الأرثوذكسيّ، بل العالم المسيحيّ بأسره الكاثوليكيّ والأرثوذكسيّ معنيّ بها إذا رام الحقّ. قضية كهذه بفترض أن تحضّه لوثبة مضيئة، يكفي ما حصل له في الغرب، وبخاصة عندما تحولت الكنائس فيه إلى ملاه ومراقص ومطاعم.

كنيسة آيا صوفيا ذبيحة وشهيدة حيّة معلّقة على الصليب إلى جانب سيدها منتظرة قيامتها وعودتها لتكون مركزًا للعبادة والصلاة وكسر الخبز ومعانقة الرب الظافر على الموت في فجر الفصح الآتي.
 

  • شارك الخبر