hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - جاك جندو

رأس السنة الأشورية - 6769 سنة حضارة، شهادة وصمود

الإثنين ١ نيسان ٢٠١٩ - 13:12

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

جرت العادة منذ القدم، وفي مطلع الربيع، أن تحتفل عدة شعوب ببداية سنة جديدة، التي قد تختلف اسماؤها باختلاف التقاليد والمعتقدات السائدة والتي كانت تنتشر ضمن انتقال وتبادل العادات فيما بينها .
قد يندهش البعض لوجود مناسبة تتبع تقويم مختلف عما هو متعارف عليه اليوم كالتقويم الميلادي او الهجري او غيره ... لكن ببساطة فإن السنة الطبيعية تبدأ مع بداية فصل الربيع الذي بدوره يبدأ في شهر نيسان بحسب اول تقويم تم احتسابه في بلاد ما بين النهرين لتحديد الوقت وتنظيم المواسم الزراعية ومواجهة الطوفانات .
وبالمناسبة فان اسم شهر نيسان يعود لكلمة "نيساني" او"بي نيساني" بالأشورية وهي تعني فترة الربيع .

وما يزال الشعب الاشوري ، منذ ٦٧٦٩ سنة حتى اليوم، بكل فئاته وفي كل مناطق تواجده في العالم يحتفل برأس السنة الأشورية التي تبدأ مع بداية الربيع في اليوم الأول من شهر نيسان.

ويعد هذا الاحتفال من اقدم الاحتفالات في تاريخ الحضارات.
فتاريخياً، كان يحتفل الشعب لمدة اثني عشر يوماً: يتوقف خلالها العمل في المملكة او الامبراطورية بحسب الحقبة التاريخية. وما يميز هذا الاحتفال هو التنوع في مضمونه على مدار الاثني عشر يوماً للدلالة على فكرة التجدد والتطور .

كما بامكان اي باحث ان يقرأ في التاريخ ليجد تفاصيل هذه الاحتفالات ومصادر المعتقدات التي كانت تتبناها شعوب المنطقة، فيلاحظ كل التغيرات التي طرأت عليها بحسب تلك الفترة الزمنية وظروفها. حتى يومنا هذا، حيث اصبحت هذه المناسبة احتفالاً تقليدياً، فولكلورياً يجتمع فيه الناس للرقص والغناء كما في سائر الأعياد والمناسبات.

ولكن ما الذي يختبئ في طيات التاريخ بصفحاته المكتوبة والغير مكتوبة والمتناقلة عبر الاجيال ؟
ان الشعب الأشوري، لا يزال يحتفل، سنة بعد سنة ، بتاريخ وجوده، منذ ان اطلق عجلة الحضارة واعطى للوجود الانساني شكلاً جديداً باختراعه اللغة، التقويم، العجلة، الفلك، الهندسة، الجيش، القوانين والفنون وغيرها من الاختراعات والاكتشافات التي لا تعد ولا تحصى، والتي بفضلها، نشهد اليوم عصر التطور اللامحدود ..
وعلى الرغم من وصوله الى زمن يتشتت فيه معظم أبنائه، في كل بقاع الأرض، آملين ان تعود الحضارة الإنسانية الى ارضهم التاريخية، فان هذا الشعب المكافح يحاول جاهداً ان يبني ويزرع ويطور عالمه، مواجهاً كل التحديات القاسية والحروب الضارية ،التي كانت ولا تزال تواجهه، ليحافظ على حضارته ويسعى في تقدمها. هذا التقدم الذي غالباً ما كانت يد الشر والغدر تحاول ضربه الا ان الإيمان بالحق كان وسيبقى دائماً الأقوى.


ولا بد من الإشارة الى انه ، لو اعتمد الشعب الأشوري وكل الشعوب التي واجهت الظلم حتى الاستشهاد، خيار النأي بالنفس والاستسلام لهذه الحملات والرضوخ لها، لكان شكل البشرية مختلفاً كلياً عما هو عليه اليوم ، فكان الخير سيصبح ضعيفاً، ولكانت الحرية والتغيير ستعتبران قيمتان إنسانيتان غريبتان عن المجتمع.
ففي الألفي سنة التي مضت، ما كانت هذه الشعوب بحاجة لعلوم إنسانية ولا قوانين خاصة بحقوق الإنسان لتدرك ان الإنسان وحريته هما خطان يرسمان تطور البشرية نحو الأفضل، مع الأمل الدائم ، بالعودة الى عالم رسمه اجدادهم منذ آلاف السنين.

إن التسلسل التاريخي للأحداث يضعف، في الظاهر، كل الشعوب التي تؤمن بالخير وتشهد للحق. لكن في الحقيقة، وإن قرأنا بين السطور، لأدركنا ان دور هذه الشعوب هو أكبر من مجرد اعداد تنخفض من جراء المجازر ومن التهجير الذي يطالها. لا بل هي أقوى من ان يضربها اليأس الذي يتربص بكل فرد ضعف إيمانه بقضيته .
فمنذ أن بدأت الحملات والحروب الداخلية والخارجية تضرب هذه المنطقة، حتى بدأت معها شهادة انطلقت وتطورت لتصل الى كل بقاع الأرض، وها نحن اليوم نشهد تطوراً إنسانياً في كل أنحاء العالم بسبب هذه الشهادة.
هذا وبإمكان أي شخص ، قرأ تاريخ الحضارة الأشورية، او زار متاحف لندن وباريس وبرلين، او تأمل لوحة قديمة ، ان يتأكد ان كل ما تطمح اليه البشرية اليوم، كان، في يوم من الأيام ، موجوداً في هذه البقعة من الأرض التي تشهد حالياً، ابشع أشكال الحروب والنكبات .
فنينوى كانت عاصمة العلوم والثقافة. وبابل كانت منبع الفن والموضى والعلوم وآشور مصدر الحضارة والتنظيم المدني. وكانت المرأة تتسلم الحكم بسبب جدارتها وليس بهدف المساواة الغائبة.
وكان لتوسع الجيش فضلاً بنقل الحضارة واللغة والتنظيم الى كل شعوب المنطقة. من هنا تجدر الإشارة الى ان الدول والمدن وحتى القرى التي تمت تسميتها باللغة الأشورية في معظم دول التوسع العراق، تركيا، سوريا، ايران، فلسطين ولبنان وغيرها تتمتع بمعانٍ، لا تزال تضفي قيمةً تاريخية عليها .
 

ان الجيوش التي غزت المنطقة بهدف قتل ابنائها ودمار مواقعها وآثاراتها ونهب خيراتها، كانت تمحو التقدم الذي وصلت اليه هذه الشعوب. بينما نشهد اليوم تقدماً سريعاً عند شعوبٍ خلا تاريخها من الإنجازات، كما هي الحال في أوروبا واميركا واوستراليا، على عكس دول الشرق الأوسط التي انطلقت فيها أولى الحضارات وها هي اليوم مجدداً تواجه فكراً ظلامياً لإضعافها، ومؤامرات اجرامية تعيق تقدمها وتزيد من اوجاع شعوبها ...

أخيراً لا بد من الإقرار، ان المشهد الذي نراه اليوم، هو مشهد عظيم، يبعث في النفس الأمل. فعلى الرغم من كل المآسي التي عاناها سكان الشرق الأوسط، وبالأخص الأقليات العددية، التي لا حول لها ولا قوة بوجه جحافل الإجرام. نجد بالمقابل، ان أصوات الحق تعلو وتقوى على كل الجرائم البشرية التي تقع، فتقدمها وقوداً لتطور الإنسانية على جميع الأصعدة. لذا علينا جميعاً، ان نلمس هذه الحقيقة ونبقى دائماً وأبداً صوتاً صارخاً للحق في حياتنا اليومية. وفي مبادراتنا للتغيير الايجابي ولنصرة المظلومين وإسكات أبواق الظلم الجبانة التي تقوى عند غياب طلاب العدالة وانصار الحق ..
كل عام وأنتم بخير وبإستمرارية دائمة، لتبقى ملاحم الشهادة حية ويبقى نورها وقوداً يضيء سراج كل من يقف مع الحق .
 

  • شارك الخبر