عن اي خيار يجب ان يتخذه اللبنانيون، تحدث وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو في بيانه العنيف من وزارة الخارجية امس؟ وماذا بعد الرسالة المباشرة التي وجهها للسلطة الرسمية والشعب في آن؟ هل هدفت واشنطن من "البلاغ رقم 1" الذي وجهته للبنان الى غسل يديها مما قد يطرأ من تطورات لن تكون حكما ايجابية، على قاعدة "اللهم اني بلغت"؟ وكيف سيتعامل لبنان مع "التحذير" الاميركي الجديد؟

اي خيار؟ تكاد تكون واشنطن من بين اكثر الدول العليمة بحيثيات ودقائق الوضع اللبناني منذ عقود، لا سيما ما يتصل منها بحزب الله، فإذا كان الخيار المطلوب اتخاذه على المستوى الاقتصادي لجهة تطبيق الاصلاحات الجدية فالامر مقبول ومفهوم لبنانيا، والارجح ان المسؤولين في الدولة يعون ضرورته وقد سمعوا النصائح نفسها من فرنسا على لسان المسؤولين الذين زاروا بيروت اخيرا. اما اذا كان سياسيا، فهو ما لا يمكن فهمه ولا استيعاب ابعاده الاميركية ، كما تقول مصادر سياسية شاركت في أحد لقاءات بومبيو في بيروت لـ"المركزية". ذلك ان الضيف الاميركي الصريح، يدرك تماما ان استقرار لبنان الذي لا تنفك بلاده تؤكد دعمه وتترجم الدعم بمساعداتها العسكرية للاجهزة الامنية والجيش اللبناني قد يتعرض للخطر فيما لو قرر الفريق المناهض لحزب الله مواجهته او الدفع في اتجاه نزع سلاحه، وان هذا الخيار ليس في قدرة اللبنانيين، بل يرتبط بقرار اقليمي كبير، وعلى هذا الاساس يتمسك بثوابته ومبادئه من الحزب لكنه يتعامل معه في السلطتين التنفيذية والتشريعية الممثل فيهما بقوة من اجل تسيير شؤون اللبنانيين الحياتية لا اكثر، فلماذا تضع واشنطن لبنان وشعبه امام خيار تدرك انه عاجز عنه؟ وهل هي في صدد خوض مغامرة توجب ابلاغ الرسالة الى لبنان ليحمي رأسه ويفصل بالكامل بين الدولة والحزب؟

في انتظار تظهير الصورة لتلمس ابعاد الدعوة الاميركية، واصل بومبيو اليوم زيارته لبيروت فغاب عن واجهة المشهد السياسي طوال فترة ما قبل الظهر التي جال خلالها، وفق معلومات "المركزية" في مدينة جبيل الاثرية وتفقد قلعتها التاريخية وكنيستي مار يوحنا ومار تيودوروس في بلدة بحديدات التي اعادت تأهيلها منظمة USAID الاميركية وتناول الغداء في مطعم "الازرق"، فيما ظهر سياسيا في الثالثة بعد الظهر في مطرانية بيروت للروم الارثوذكس حيث اجتمع بالمتروبوليت الياس عودة. وكان الوزير الاميركي شارك مساء في حفل العشاء الذي اقامه على شرفه رئيس حركة الاستقلال النائب ميشال معوض في دارته في الحازمية بمشاركة اكثر من 53 شخصية سياسية وإعلامية بارزة.وعبّر بومبيو في كلمة مُقتضبة عن "ارتياحه وإعجابه بلبنان"، مشدداً على وقوف بلاده الى جانبه ليتخطّى ازماته".

"المركزية"

اما ابرز الغائبين عن العشاء فكان وزراء "القوات اللبنانية" الذين اعتذروا عن تلبية الدعوة من خلال اتّصال هاتفي اجراه وزير العمل كميل ابو سليمان قبل ساعات من العشاء، غير ان عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب جان طالوزيان خرق غياب الحزب عن العشاء بالمشاركة بصفة شخصية. وافادت المعلومات "ان قراراً اتّخذ بعدم مشاركة "القوات" في العشاء بسبب ما اعتُبر هجوماً غير مُبرر من قبل معوض على نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني".ونُقل عن مصدر قواتي قوله "ان مواقف معوض السلبية تجاه "القوات" غير مُبررة"، في حين اعتبر مصدر مقرّب من النائب معوض "ان موقفه من حاصباني غير مرتبط بموقفه من "القوات اللبنانية" كحزب"، مشيراً الى "ان عدم دعوة حاصباني الى العشاء سببه مشادة كلامية حصلت بينه وبين معوض في الرابع عشر من شباط الفائت وهو ما تسبب بقطع العلاقة بين الرجلين".

على خط آخر، وفي حين سرت امس معلومات عن ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي استقبل بومبيو والوفد المرافق، تعمد جعل بومبيو ينتظره وانه لم يصافح اعضاء الوفد وان الوزير الضيف لم يُدعَ لتسجيل كلمة في السجل الذهبي في القصر الجمهوري في رد على الخطوة، صدر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية بيان اشار الى ان "تتدوال وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي منذ امس معلومات متناقضة ومغلوطة حول المراسم التي رافقت زيارة وزير الخارجية الاميركية الى قصر بعبدا، بعد ظهر امس وتبني هذه الوسائل تفسيرات واجتهادات استناداً الى هذه المعلومات. توضيحا للحقيقة وحسماً لأي تحليل او اجتهاد، يهمّ مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية ايضاح الآتي: اولا: لقد طُبّقت كل المراسم المعتمدة في استقبال وزير الخارجية الاميركية، ولم يحصل اي تأخير للقائه مع رئيس الجمهورية. ثانيا: وفقا للاصول البروتوكولية: صافح الرئيس الوزير الضيف والسفيرة الاميركية في بيروت التي رافقته. وبعد انتهاء اللقاء، صافح الرئيس عون سائر اعضاء الوفد الاميركي المرافق للوزير بومبيو، كما هي العادة مع جميع الوفود الرسمية. ثالثا: ان توقيع سجل الشرف في القصر الجمهوري يعود لرغبة الضيف، وتم تجهيز السجل عند مدخل القاعة وفقا للأصول، لكن امتداد اللقاء الى اطول من الوقت الذي كان مخصّصاً له، ونظراً لارتباط بومبيو بموعدٍ تأخّر عنه نحو ثلاثين دقيقة، غادر القصر من دون التوقيع على السجل. إن هذه الوقائع الموّثقة بالصوت والصورة تثبت ان بومبيو اسُتقبل في قصر بعبدا ووُدّع وفقاً للقواعد البروتوكولية المعتمدة، والتي تمّ مسبقاً اطلاع السفارة الاميركية في بيروت وفريق عمل الوزير بومبيو عليها".

 في المقابل وفي موقف لافت بتوقيته يعكس مقاربة "حزب الله" الهادئة للمواضيع الخلافية، اكد رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، "ان هناك سياسات يجب ان نقررها في الحكومة اللبنانية لتخدم مصالحنا، وان لدينا وجهات نظر حول موضوع النازحين وموضوع النفط وطريقة إدارة عملية التنقيب وايضا الكهرباء وكيفية حلها، وكل وجهات النظر هذه نبديها بكل هدوء وروية وموضوعية مع المعنيين، لكي نصل إلى قناعة مشتركة، ليعبر هذا البلد إلى الحلول بأقل كلفة تترتب عليه". ولفت الى "اننا لا ندّعي بأن يدنا مبسوطة في السلطة ولا احد يُحاسبنا على هذا الأساس، نحن إصبع في يد داخل هذه السلطة، نؤثر صح، لكن نؤثر بحسب التوقيت والموضوع والطرف الآخر، ويجب ان نبقى حريصين على ان تشتبك يدنا مع يد حلفائنا لنستطيع تحقيق المزيد من التأثير وإن شاء الله نصل، خصوصا ان الإسرائيلي لا يمكنه تهديدنا، ولا حتى ان يفعل شيئا معنا".