hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - نسرين بلوط - الجمهورية

"الشوارع العارية" حكاية الشعوب المخدوعة بالحرب

السبت ٢٣ آذار ٢٠١٩ - 07:22

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

للكاتب الإيطالي فاسكو براتوليني أسلوبٌ متميّزٌ في الإطلالة المحورية لسرد الأحداث في روايته «الشوارع العارية»، وكأنّه يسكبُ المغزى في إناء الفكرة البلّوري بتؤدة وحكمة وانصياعٍ للتدرّج الزمني دون أن يصطدم بجدار الزمن الذي قد يسبّب في ضياع دفّة التحكّم لدى الكاتب في الكثير من الأحيان.
البطل الأساسي، وهو الذي يخبر ويمخر عباب الزمن والحدث في مونولوجٍ ذاتي، هو «أولجا فاليريو»، لا يظهر فعليّاً للمتلقي إلّا في أواخر الرواية، ولكن ظلّه يواكب السرد وتحليل المسبّبات.

وهذا خطأ وقع فيه براتوليني الذي مزج عفوياً بين شخصيته ككاتب، وشخصية بطله المحرّك للرواية، وكان يجب عليه تأكيد حضوره وإبعاد طيفه، والإشراف كراوٍ فقط لا غير.

أصدقاء فاليريو في مرحلة الطفولة، والذين يمثّلون جيل المراهقة في إيطاليا، هم كالتالي: «جيورجيو، كارلو، جينو، أريجو، لوسيانا، ماريا، ماريزا».

قصة عشق مدوية

لكلٍّ منهم قصة عشقٍ مدّوية، لا تتّسعها عقولهم الصغيرة. فهذا يعشق هذه والأخيرة تهجره لتحبّ صديقه أو العكس تماماً. الزمان الذي عاشوا فيه هو ما قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها، أما المكان فهو شارع السعداء، من أكثر الشوارع فقراً في مدينة فلورنسا، وتحمل الشوارع والأزقة المتفرّعة من المدينة أسماء كبار الرأسماليين من التجار في القرن الرابع عشر.

رغم سذاجة العلاقات الغرامية التي تنشأ بين أولئك المراهقين، إلّا أنّ الكاتب قد دسَّ تاريخاً عريقاً في إيطاليا بين طيّات السطور، مثل تحرّك الأيدي الشيوعية للسيطرة في المنطقة آنذاك، وطمع الحزب الفاشي للاستحواذ السوسيولوجي والأيديولوجي على الحياة العامة في إيطاليا، وتصويب المهجر البصري نحو الكوارث التي سبّبتها حرب الحبشة، وتأثير الحرب على الشباب الذين تحمّسوا لها وجنّدوا أنفسهم دون معرفة العواقب الوخيمة التي ستجرّها عليهم.

فهم كسائر الأجيال في كلّ مكانٍ وزمان، يهلّلون للغنائم المكتسبة من شنّ حربٍ على بلدٍ آخر، دون التفكير بأنّ العالم الذي يقوم على الحرب ونذيرها وشؤمها، يرسم خطوط الضغينة والقهر والذل وظلم النفس قبل الغير، في السيطرة على حرية وشعب الوطن المحتل. فإذا بالشرّ يقع على الظالم والمظلوم على حدّ سواء، لأنّ من يزرع الشوك يحصده، ومن يبذر الفتك يُفتك به في يومٍ قريب.

جورجيو هو المعلّم والقائد لأصدقائه، يستنيرون بأفكاره المتحرّرة من أغلال الرجعية والتسلّط والإنبهار بالسياسة الزائفة، يدعو الجميع لتعديل المسار، لمواجهة الحرب بالرفض، لا بالإستسلام للقمع والذهاب لقتل الناس أو الغير.

الفقر والحرمان

الرواية تُلقي الضوء قليلاً على العلاقات الجسدية التي نشأت بين المراهقين جرّاء الفقر والحرمان الذي يدفع الجميع للبحث عن دفءٍ من نوعٍ آخر، يبدّد القليل من سُحب الهموم المتربّصة في الهواء المشبّع بالفاقة والهمّ، ويتطرّق إلى الشذوذ الجنسي الذي كان علّة جينو المراهق، فعرف لذّة محرّمة مكبوتة ولم يضع لها حدّاً إلى أن ذهب ضحيّة لها عند قتله لصديقه الشاب الغني.

رغم الجوّ الفاقع بالألوان الرثّة التي ولّدتها البيئة البسيطة الركيكة لهؤلاء المراهقين، والعوز المنتشر فيها، إلّا أنّ براتوليني شدَّ أواصر الرواية بوثاقٍ محكمٍ من الوصف، مستعيناً بالنمطين الوصفي والسردي في تقييم المناخ الجغرافي والإنساني والاجتماعي للزمان الذي كان فوهة البركان للحبكة، والمكان الذي شدّنا إليه بحواسنا الخمس من خلال إسهابه في تجميله وزخرفة صوره من البيوت والحارات والشوارع التي أجّجت بريق حلاوتها في بساطتها، فأغرانا بهما، ونجح في الهيمنة على تفكير القارئ، وبرز ككاتبٍ مهم، جرَدَ الأحداث ببساطة متناهية، وعمّم رأيه في مستهل الحدث، ولم ينل منه نيرُ الإسهاب رغم جنوح روايته للسرد البطيء، ولعب دور المترجم إدوار الخراط سنداً هامّاً في توازن الحسبان والترقب للحدث.

نسرين بلوط- الجمهورية

  • شارك الخبر