hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - جان داود

ضرورة قصوى: مجلس أعلى للثقافة

الجمعة ٢٢ شباط ٢٠١٩ - 12:06

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

إن أردنا تحديد الشيئ بالنقيض لرأينا فائدة في وضع الغائب الحاضر مقابل الحاضر الغائب. وإنْ كان الغائب الحاضر مِلء القوة، فالحاضر الغائب مِلء الوهن. وإن كان الغائب الحاضر هو المحرِّك، فالحاضر الغائب قد لا يسمو حتى إلى المُحرَّك (بفتح الراء) مادّة، لاّنّ للمادّة نفسها كينونة ساعية إلى حضورها. نماذج الحاضرالغائب كثيرة: الحاضر جسداً وغائب في فعله حتى اللاقيمة؛ الحاضر في موقع الوظيفة ولا يقوم بوظيفة؛ الحاضر وظيفة ولا قدرة ولا معرفة لديه؛ الحاضر في ملابس السّلطة وغير الفاعل لأنّ قراره ليس بيده. والحاضر-الغائب مشكلة إنْ على مستوى الفرد أوالجماعة أوالمؤسّسات. كما أنّ للغائب الحاضر مسؤولية مؤكّدة في شللٍ ما وإلغاءٍ ما لآخرٍ ما. ويعرف أهل الاختصاص أنّ هناك دائماً استخداماً من غائبٍ ما لسيطرة على مقدّراتٍ ووجودٍ ما، وتحويل بعض الحاضرين إلى غيبوبة أو غياب في حضورهم. والغائب الحاضر قد يكون شخصاً أو فكرة أو ثقافة مزعومة، إلى ما هنالك. ولكن الغائب الحاضر ليس بموضوع لنصّي هذا، إنّما الحاضر الغائب هو المستهدف من أجل نهوض.
في انكباب وسَعي إلى دولة تخدم مجتمعها وتحيا بذاتها، تطرح نفسَها بقوّة مشكلةُ الحاضر الغائب. وقد يكون في أساس القصور والغياب، غائبٌ حاضر يريد تدمير روحٍ ما وكينونةٍ ما. ولكنْ، ما هذا بعُذر أمام الإرادة إن وُجِدت، وأمام الوعي إن تمّ. ويُجسّد مصطلح الحاضر الغائب نفسه على مستوى الدّول في مؤسسات ووزارات متعثّرة. هناك في العالم من دون شك دول حاضرة غائبة، وحكومات حاضرة غائبة. في لبنان أيضاً عرفنا وزارات بمثابة الحاضرة الغائبة، في حين أن دورها استراتيجي وأساسي في حياة ومستقبل الوطن. بعض الوزارات كانت حاضرة إسماً وإعلاماً وتكريمات واحتفالات وصوراً تذكارية، ولكنّها غابت على مستوى الفعل والإنجازات (أترك الأسماء لأوراقي لأنّي لا أستهدف أحداً بشخصه). ذهب البعض توصيفاً لواقع تلك الوزارات إلى ما يُحرِج من المفردات: عقيمة، وباهتة، وبائسة، وضامِرة وخائرة، وهزيلة وعجفاء، ومُهمَلة ومُهمِلة، ومنسيّة وتمحو الذاكرة، ومخطوفة وخاطفة، ومُقصّرة، وقاتلة، وغائبة ومُغيِّبة... وهي كواليس لا مسرح لها. قد يكون في كلٍّ من تلك المفردات - التوصيفات ما هو صائب، ولكنّها قد تظلم بعض الطيّبين والجيّدين الذين يعانون من أجل تلك الوزارات من بعض من تولوا سدّة المسؤوليّة فيها أو بعض أهلها الذين يجدون أيديهم مقيَّدة لسبب أو لأخر، كأنّهم ممنوعون من الفعل. كما قد تظلمُ تلك المفردات بعض من قام أو يقوم فعلاً بعمله داخل تلك الوزارات باحترافيّة ولكنّه في حال العين البصيرة واليد القصيرة.
أمّا وقد تشكّلت حكومة، وعلى كاهلها الكثير، والنهوض بالوطن حقٌّ وحلمٌ للشباب ألأنقياء ومصدر توطيد وتعزيز لثقتهم بمستقبلهم فيه، فنسأل ضخّ خبراء رؤيويين في الوزارات. وإنْ لا قدرة على ذلك أو لا رغبة فيه، فعلى الخبراء أن يتجنّدوا في حراك مؤسّسات مدنيّة تُعوّض تغييبهم عن مركز القرار إنماءًا وبناءًا. كما نسأل استحداث ترابط وتكامل وتنسيق بين الوزارات (أو تفعيله بشفافيّة وجدّية إنْ كان موجوداً) وفتح مسارات التفاعل بينها في ديناميّة تحقّق المتوخّى بأسرع السّبل. فنجاح بعضها رهن في بعض جوانبه بقرينات لها. أذكر، على سبيل المثال، وزارتين يعنيني مشروعاهما بقوّة: التربية والثقافة، وبهما خروج للبلاد من أمراضها، وأعتبرهُما وزارتين سياديّتين في التنمية والنهوض المستدام. وزارتا التربية والثقافة تترابطان في العمق بوزارة الإعلام والكونسرفاتوارالوطني، وتلفزيون لبنان، ووزارة الشباب والرياضة... هذه مؤسسات في تكامل مُلزم ووجبت لها استراتيجية عمل متكاملة فيما بينها. يجب أن يتواكب عمل وزارة التربية مع مشروع مُتطوّر وعصريّ لوزارة الثقافة (والثقافة في نصّي تعني الإبداعيّة ونشاطاتها، والتنمية الإنسانيّة والفكريّة، والالتزام بحقوق الإنسان والحرّية والعدالة والمساواة وتقديم الجميل على النفعيّة). إنّ الاستثمار المُجدي في ظلّ أمنٍ نجحت المؤسّسة الوطنية الكبرى في تحقيقه وحمايته، هو استثمار في التربية. والتربية تُثمّر بالإبداعيّة، وتكتمل وتُحمى وتنضج وتأخذ بُعدها بالثقافة. كما أنّ حماية المجتمع والأمن الاجتماعي والحياتي عمل ثقافيّ ويتمّ ببناء ثقافة. ويعرف المثقّفون الأحرار أنّ تشويهاً ما أو تطبيعاً ما أو استغلالاً ما للفراغ الثقافي هو في أساس المشكلات والأحداث وربّما الحروب نفسها على مستوى العالم وليس فقط في لبنان. ويعرف الأحرار والأنقياء أنّ هناك من يستغلّ الثقافة والعمل المزعوم ثقافيّاً لمصالح وغسل أدمغة. في حين أنّ الثقافة متلازمة مع الحرّيّة، والحُرّ يحيط نفسه بأحرار ويرفض التبعيّة من منطلق كرامته التي تكتمل بكرامة الآخر. وعلى الخبراء المُتميّزين من أصحاب الرؤى في المشروع الثقافي معاضدة وزير الثقافة في خطط تحمل الحياة، ولا تسمح للمشاريع بأن تغرق أو تدور في مسالك ودهاليز داخليّة، فيقطعون الطريق على المُروِّجين لثقافات ضدّ الثقافة أو لثقافات تناسب مَن يحتلّون المساحات والهواء والشّبكات العنكبوتيّة والمنابر والزوايا والخبايا حيث كلّ يُروّج ويُثقّف أو يغسل الأدمغة لصالح مشروعه ومصالحه. على وزارة الثقافة وعلينا كمجتمع مدنيّ أن نعمل على مشروع ينهض بالنّاس أو يتركهم ينهضون، مشروع يُعيد لهم الفرح أو يتركهم يُعيدون الفرح إلى حياتهم وإلى الحياة، مشروع يسمح لهم بالارتقاء، مشروع يُعيد إليهم دافعيّة الحياة والفعل حيث هناك إحباط، ويُعطي المعنى حيث المعنى مفقود أو مُشوّه، ويُخرِجُ من حال الاستهلاك، ويعيد الحياة إلى دُور الثقافة - وما دُور الثقافة مجرّد أبنية أو إطار قانوني. بات الأمر يحتاج إلى سياسة طليعيّة وديناميّات مُختلفة على مُستوى وزارتين سياديّتين بكل معنى الكلمة في التنمية الإنسانية والاستثمار الأسمى في أهم الحقول: الإنسان. وأزعم أنّ ورشة الإنماء المُستدام لاستعادة الوطن تنطلق بشكل رئيس من وزارة تربية تثور على نفسها وتَخرج من وظائفها وسبلها التقليدية وتحمل التعليم في لبنان إلى تربية، وتحوّله من التلقينيّة إلى الإبداعية (مشروع نعمل له بصمت ونؤسّس به للتغيير البنّاء، وله في الوزارة كفاءات موثوقة وواعدة). ويجب أن تتواكب نهضة تقوم بها هذه الوزارة مع تطويرات هامّة في وزارة الثقافة. ونرى أنّ تكوين مجلس أعلى للثقافة قد بات ضرورة قصوى. نريد مجلساً أعلى للثقافة، أعضاؤه أهلُ مشروع، ولاؤهم الأول والأخير للإنسان والكرامة والمعرفة. مجلس أعلى للثقافة يحوّل الحضور في المؤسّسات إلى حضور ممتلئ وفاعل وحامل للمعنى. مجلس أعلى للثقافة أهله استشرافيون ومن أصحاب الرؤى ينجزون خارطة طريق لعصرنة وزارة الثقافة وإنهاضها من أجل حياة. مجلس أعلى للثقافة أهله أصحاب إنجازات ومشاريع وعابرون للطوائف والسياسات والأحزاب، يضعون المشاريع خارج النفعية كانت ما كانت، يتابعونها عن كثب ويرصدون حسن تنفيذها ويسهرون على تحقيق تكامل مع الوزارات والمؤسسات المرتبطة بمشروعهم من أجل إنجازات تليق بطموحات شبابنا وحقّهم بوطن وكرامة، ونوعيّة حياة، وفُرص لإنجازات إنسانيّة استراتبجية. 

  • شارك الخبر