hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - مازن ح. عبّود

عصا انتحار جورج الغليظة

الأحد ١٠ شباط ٢٠١٩ - 06:07

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا اريد ان تكون صرختك يا جورج التي كتبتها بنفسك دخانا احرق جسدك، وقد سئمت وطنا ووضعا، صراخا من وادي نهر الموت.

وصراخ وادي الموت يصل الى الجالسين على هذه الضفة كي يؤدبهم ويقلقهم. ما قمت به هو بمنزلة قنبلة نووية. وإدانة لنا جميعا. ادانة أكبر من ان نتحملها، او ان تتحملها مؤسسة. انها ادانة بحجم جماعة بحجم وطن لا بل بحجم وجود.
انت اردت ان تضع حدا لحياة كنّا نتمنى لها ان تستمر. نعم، موتك شكّل وصمة عار على جبيننا جميعا كبشر في هذا البلد أولا. ومن ثمّ كأخوة لك في كنيستنا ثانيا. أراد الرب ان يؤدبنا بانتحارك بعصا غليظة للغاية. أراد ان يهزّ عروشنا ويغيّر تفكيرنا وانماطنا وفكرنا ومأسستنا لإرث الناصري الذي كان فقيرا على شاكلتك. شكل انتحارك صرخة وادي الموت لأجل انتصار الحياة في عالمنا. والحياة لا تستقيم الا في المحبة.
عفوك جورج لأننا احببنا الغني والمتسلط أكثر بكثير منك ومن امثالك يا اخي. جميعنا قمنا بذلك. ابتداء مني. وانا أشهر فعل ندامتي على امل ان يشكل بداية توبتي.
لا اريد ان اصلب أحدا. ولا ان الوم أحدا. ومطران طرابلس اعرفه جيدا. وهو اطهر وانقى من ان تطاله ألسنة من بدأوا يتاجرون بك.
نعم، انا مسؤول أيضا عن انتحارك وعن تلك النيران التي حرمت اسرتك أبا. تلك النيران التي سطّرت بدخانها واقعا مذريا عن واقعنا الذي لا يعجبني. لا بل يقلقني يوما بعد يوم وبشكل أكبر. كلنا مسؤولون عن دفعك الى الانتحار من حيث لا ندري. مسؤولون لأننا لم نعش ما ننادي به. كلنا مسؤولون لأننا لم نعتبر بأنّ كل ما يفيض عنّا ليس لنا. لم نهتم بابنتك ولا بأولاد الفقراء، كما يجب.
عزيزي جورج، لن الومك. لكني لا اعرف ماذا أقول لك. وانت كتبت بانتحارك آلاف الرسائل التي تستلزم الكثير من العقول المستنيرة والكثير من الصلوات والتأملات لفك شيفرتها. اعلم بانّ لا أحد يضمن عدم تكرار تجربتك. ولست على ثقة باننا سنتعلم الكثير من انتحارك، فلا تتكرر مثل هذه المسائل بعد اليوم. وهذا ما يقلقني ويدميني.
نعم، لا اعرف إذا ما كنّا سنقرأ ونتعلم من قنبلة موت سطرّتها بدخان جسدك وحرقة ابنتك وتنهدات زوجتك وحسرات أمك واهلك.
انتحارك يا جورجا يدين المؤسسة ويديننا ويدين الوطن كل الوطن.
يدين المؤسسة ويدفعنا الى وقف السباق العبثي على امتلاك المؤسسات وتشغيلها والاعتقاد باننا نروحنها. سباق بدأ يحرقنا ويحرق كل ما نحب. فانت قلت بانتحارك بانّ المؤسسات لا تتروحن، ولن تتروحن. باسيليوس الكبير رقد منذ زمن. والمؤسسات من غير باسيليوس ومن هم على طينته تمسي غولا يلتهم الفقراء. فهي تتوخى الاستمرار الذي يتغذى بالربح. والربح يأتي غالبا من جيوب من لا مال عندهم. نعم، انتحارك وصمة عار ليس على جبينك بل على جبيننا وجبين الوطن.
انّ قنبلة انتحارك ثنائية الابعاد. وبعدها الأول وطني. انها صرخة اب ما عاد بمقدوره ان يؤمن لعائلته حياة كريمة. وما عاد يتحمل ضغوط الحياة. وقد بلغت معدلات الشقاء في بلده مستويات غير مقبولة. مستويات ما تحملتها صحته النفسية التي تدهورت بدون رقيب. فقرر وضع حد لوجوده.
تعساء اهل بلدي ومعذبون اهل هذه الارض. فقد استبدلت مؤشرات النمو عندنا بمؤشرات التعاسة بعكس الكثير من البلدان التي استبدلتها بمعدلات الرخاء والسعادة. أطعموا الناس موتا وقرفا وفسادا وتردي خدمات. وهذا هي النتيجة.
فسادنا عار على جبيننا. انتحارك وصمة عار على نظامنا الاجتماعي والصحي والتربوي. فاعذرنا لأننا في بلد لا يعطي الصحة النفسية الأهمية التي تستحق.
البعد الثاني كنسي بامتياز. والخطر كل الخطر بأنّ تكون آخر النماذج في بال الناس قد بدأت تتدمر وقد فجرها انتحارك. لم يشف بيان المدرسة غليل الناس. لا بل زاد نقمتها.
خوفي من ان تؤدي قنبلتك الى زيادة الغربة والى تسخيفنا. اذ لم ننصت الى ما تقول معاني الانتحار الذي سمح الرب به في ثانوية بكفتين الارثوذكسية.
انتحار جورج صرخة من وادي الموت الينا كي نقوم بتصويب الأداء. وكي نقلص المسافة ما بين ما ننشده ونبشر به من جهة، وما يبلغ الناس من اخبار من جهة اخرى.
انتحار جورج وصمة لا بل عصا غليظة سمح الله بها كي نتأدب. فلا ننسى يسوع واخوته الصغار.
انتحر جورج. وبانتحاره سمعت صوتا يقول: "لا تدعوا الشعب يموت عنكم. فيسوع اتى كي يموت فداء عن الشعب".
انتحار جورج عصا كي نتوب ونعود الى الصوامع. دعوة كي نتساعد ونعيش مسيحتنا لا كديانة بل كنمط حياة.
انتحار جورج انهض يوحنّا الذهبي الفم من تابوته. وقد سمعته يصرخ في وجهنا: "أنقذوا كنيسة الغريب والفقير من الموت والمأسسة والنشاف ".
انتحار جورج دعوة لإنقاذ النماذج. فالكنيسة جماعة القديسين. وهي تزول بزوالهم. انتحاره مقدمة لانتحارنا وجوديا. فعل صارخ كي تعود النماذج الى طبيعتها والى قفرها وفقرها. سمح الله بانتحار جورج في بكفتين كي نستيقظ ونتغيّر.
ربي لا تحرمنا وجه مسيحك. ربي لا تحرمنا رؤيا وجهك في قديسيك. كي لا يقال قتلنا المسيح فيهم. ولن يعود يقوم من بعد. فانت تستريح في القديسين ونحن نرتاح فيك. فلا تحرمنا وجهك وكنيستك. فنحن مازلنا نحتاج ها هنا الى امكنة راحة.
 

  • شارك الخبر