hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - الدكتور نسيم الخوري

البابا من نافذة الخليج.. قراءة أكاديمية

الإثنين ٤ شباط ٢٠١٩ - 06:04

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في الشكل:
1- أمر لافت وعظيم أن تتناول الإمارات من جيبها أو من شلحة رأسها أو من ثوبها الناصع محرمةً بيضاء ترفعها راية سلام في وجه العالم ،في زمن عربي/إسلامي منهك بالإرهاب ومعقّد بسياسات الدول الممزقة بالحروب التي دمّرت القيم في العلاقات الدولية.
أن تتقدّم الإمارات بمحرمتها وقد قصّتها وخاطتها وبلّتها بمياه الخليج لتمسح البؤس جنوحاً نحو الحوار والسلام أمر ثمين أيضاً.
من قال أنّ كوارث الحروب والنزاعات تاريخيّاً تستأهل أكثر من محرمة أو بسمةً أو كلمةً طيبة أو ندماً ومحاسبةً صامتة في غفلة من الناس لا من الذات؟
واضحة إستدارة عين العالم نحو إطلالة ربيع ال 2019 الذي تولّته الإمارات وفرشت له التسامح زهوراً ونوايا وغطّت رأسه بلباس البابوات والأزهر لتقيه بقايا العواصف التي غالباً ما تكون أشدّ إيذاءً.
الجميع يترقّب عودة الربيع إلى الربيع وتغطية الأحزان بالسماح والمسح.
ليس هذا نصّاً للمدائح والتراتيل ، ولا قصيدة عربيّة أو إحتفالية يتبارى فيها أهل الحبر والقول. ليست شكلاً طقوسيّاً سياسيّاً أو دينياً عابراً.
هذا إعلان أبيض من واحة تدعو لقفل ساحات الغرائز وفتح العقول بحضارة التسامح تذكيراً بكلمة السماء بأنّ "الله لا يسرّ بالدماء" وفقاً لما قاله البابا بنديكتوس السادس عشر.
2- ألمح طوفاناً من الأسئلة الحائرة الصعبة فوق دموع الأمهات واليتامى والفقراء والمشرّدين والعجائز في أشلاء المدن المدمّرة والمنافي البعيدة في الشاشات تتفرّج على المشهد في مدينة زايد صباح الخامس من شباط/فبراير 2019 حيث يحيي رأس الكنيسة الكاثوليكية قدّاساً يشارك فيه 135 من المقيمين والزائرين المسيحيين واليهود والمسلمين والبوذيين في الإمارات الحاضنة لأكثر من 200 جنسية مقيمة تعلن أنّها أرض الإنسان والبركة.
الإمارات بالميم والإنارات بالنون أيضاً ؟
تذكّر الميم بموسى والمسيح عيسى بن مريم ومحمّد وتعبّأ النون فيها بنور الدعوة للخروج من الأنفاق النفسيّة والكهوف وملاقاة الضوء وعصر الإخوّة الحضارية. نجحت الإمارات في تقديم نفسها نافذةً عالمية وأنموذجاً من الإختلاط والتعايش والتقدّم والوفرة والرخاء.
في المضامين:
1- إختار البابا بنديكتوس النحيل ممتلئاً بالبساطة،الأرض الإماراتية من بين 12 ألف نافذة في جدران الفاتيكان حافلة بالمعاني الكبرى. ولكي نفهم هذا الحجم في الإختيار، أذكّر بمثل إيطالي يقول:
"عندما يتسلّم رأس الكنيسة الكاثوليكية بابا ممتلئ القامة، فهذا يعني بأنّ من سيخلفه سيكون حتماً نحيلاً ".هذا المثل معروف ومتداول منذ إنتخاب البابا "مونتيني" النحيل مكان سلفه البدين
"رونكالي". وهذا يعني أن الكنيسة اعتادت تشريع نوافذها لتركّز مع البابا النحيل على البؤساء والضعفاء من مختلف الأديان حيث ينتخب من بعده بابا ممتليء القامة فيركّز عهده على الاستراتيجيات السياسية في العالم. يتمحور تاريخ الكنيسة إذن ولاية بابوية على حقوق الروح والإيمان وأخرى تليها على حقوق الإنسان، مع أنّ التفريق بينهما صعب.
2- لا تتجاوز دولة الفاتيكان ال 44 هكتاراً لكن إليها تصل خطوط السياسة العالمية وتتشابك. اختلف البابا بيوس ال11 مثلاً مع ستالين الذي اتّهمه بمهادنة هتلر، مع أنّ الفاتيكان كان في الحرب العالمية، البقعة الوحيدة المحايدة في العالم. بعث البابا بنصيحةً إلى ستالين بأن ينسى العمارة الشيوعية فوق خريطة العالم. وجاء بعده البابا بيوس ال12 ليوثق عرى الصداقة ويحقق تبادل العلاقات الدبلوماسية مع الدول الغربية والإسلامية (1952).
تابع المهمّة البابا البولوني الأصل يوحنا بولس الثاني سلف بنيدكتوس الحالي وواضع الإرشاد الرسولي من النافذة اللبنانية وموقّعه، ومتقفّى خطى بولس الرسول نحو دمشق، إذ ساهم مع المسلمين وغيرهم في إسقاط الشيوعية بعد انهيار جدار برلين، وعبر صرخات شفتي ليش فاليسا عامل النقل البحري قائد حركة التغيير في بولونيا في وجه الإتحاد السوفياتي.
3- إنّ زجاج "الكابيلاّ سكستينا" في الفاتيكان مزدانة بنصوص العهدين القديم والجديد، ويخرج التاريخ محفوراً من جدران صالة ال الرغيا "Sala Regia" لمن يودّ التبحّر في تاريخ علاقات الكنيسة مع الأمم ، وهو ميدان معقّد مع أنّه يبدو بسيطاً وهادئاً. وبه أنصح كي نفهم أين تقع الإمارات في خريطة الحضارة.
4- يحصل استثناء في تاريخ الكنيسة للمرّة الأولى حيث يتراجع الشكل لصالح الروح والإيمان المتداخل مع همّ الحياة والنضال والتغيير، فبنديكتوس السادس عشر النحيل في الإمارات وشاغل سدّة الفاتيكان أتى إلينا من معجن المقارعات الفلسفية في التعليم الجامعي في إلمانيا التي أبرزت عمق جذوره العقلانية واللاهوتية وإيمانه العميق، وهو إذن لا يفترق قطعاً في بحثه عن العدالة والتغيير والنضال عن سلفه الممتلئ.
يمكن للإيطاليين إعادة النظر بمثلهم الشعبي لأنّ بابا الفاتيكان عندما يكون نحيلاً فهذا لا يعني بأنّه يد ممدودة يتوق المؤمنون إلى تقبيل الخاتم الذي يبرق في بنصرها. لقد أضاف بنيدكتوس اللغة العربية إلى اللغات المعتمدة في نوافذ الفاتيكان عند مخاطبة المؤمنين وهو يطمح عبر الإمارات والإنارات إلى ترسيخ الدعوات والإرشادات والقدرات الرسولية الهادفة إلى التئام الجروح بين معتنقي الأديان التوحيدية الثلاثة.

  • شارك الخبر