hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - عبد الرؤوف سنّو

"لبنان الكبير" على مشارف مئويته الأولى... إلى أين؟ (3/3)

الجمعة ٢٥ كانون الثاني ٢٠١٩ - 07:19

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

فراغان رئاسيان وتعطّل المؤسّسات الدستورية – اللبنانيون في جلباب المحاور الإقليمية
بعد الحرب الإسرائيلية المدمّرة على لبنان العام 2006 التي أطاحت بالاستقرار والسيادة، وانتهاء عهد الرئيس لحود الممدّد العام التالي، لم يُنتخب العماد ميشال سليمان خلفًا له، إلا بعد أحداث أيار 2008 و»اتفاق الدوحة» بثلثه المعطّل لصالح قوى 8 آذار، الذي شكّل أكبر انتكاسة لقوى 14 آذار وللسياستين الأميركية والسعودية تجاه لبنان؛ فتراجع مؤشّر الاستقرار والسلم الأهلي إلى 20 نقطة. ولم تتمكن حكومتا السنيورة، وحكومة الحريري الوحيدة، من الحُكم بين الأعوام 2005 و2010، رغم حصولها على أغلبية برلمانية، إما بسبب الاغتيالات التي طاولت أعضاء في قوى 14 آذار، أو لاعتكاف وزراء حركة أمل وحزب الله، أو استقالاتهم وبالتالي تعطيل العمل الحكومي - كلُّ ذاك، في العلن، على خليفة تداعيات اغتيال الحريري التي تُرجمت بالاعتصامات في وسط بيروت وتعطيل المؤسّسات الدستورية، وشلّ الاقتصاد لسنة ونصف السنة. أما المخفي، فكان سياسة حزب الله بإضعاف الدولة اللبنانية، لحساب دويلته، وإلحاق لبنان بإيران، وذلك في سياق الصراع في المنطقة بين واشنطن والرياض من جهة وطهران من جهة أخرى وملفها النووي، ولا ننسى تدخله المسلح في الثورة السورية وبلدان عربية أخرى، على الرغم من توقيعه على «إعلان بعبدا» العام 2012 القاضي بالنأي بالنفس عن أحداث المنطقة وبخاصّة في سورية.
من هنا، حافظ مؤشّر الاستقرار والسلم الأهلي والسيادة على مستواه المنحدر، بعدما جرى اسقاط حكومة سعد الحريري عبر استقالة الوزراء الشيعة من مجلسه الوزاري والوزير الضامن (حصّة رئيس الجمهورية) مطلع العام 2011، و«تكليف» أمين عام حزب الله حسن نصر الله نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة العتيدة. وازداد الوضع سوءًا بالخلافات الداخلية على الملف السوري، ونزوح مئات الآلاف من السوريين إلى لبنان، وتشكيلهم عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا عليه. واستمر المؤشّر على حاله لعدم توافق القوى الحزبية على انتخاب خلف للرئيس سليمان بين الأعوام 2014 و2016؛ فبلغ مستوى المؤشّر 20 نقطة. وفي نهاية الأمر، انتُخب الجنرال ميشال عون؛ فقفز المؤشّر إلى 70 نقطة، لكن لحين، ثم عاد إلى الهبوط مجدّدًا في ظلّ تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية، وإمساك حزب الله بالدولة اللبنانية، سياسة وسيادة، فوصل المؤشّر إلى 10 نقاط. كانت أوضاع لبنان منذ اغتيال الحريري العام 2005 حتى مطلع العام 2019 هي الأسواء في تاريخه.
استنتاج: لبنان الكبير على حافة الهاوية ... هل من مخرج؟
بسبب أزماته الاقتصادية والمالية ومديونيته، وارتفاع خدمة الدين العام إلى أرقام مخيفة، والعطالة من العمل، والهجرة، والتهرّب من الضرائب، والتهريب وانتشار الفساد والهدر والسمسرات والصفقات المشبوهة، وعجز الموازنة، وكذلك، كهرباء لبنان، واهتزاز عدالة القضاء وهيبة المؤسّسات الأمنية والعسكرية، والأوضاع المعيشية والاجتماعية المتردية، وتأثير النزوح السوري سلبًا في المجتمع والاقتصاد وازياد معدّلات الجريمة والسرقة والاعتداء الجنسي ودخول البلاد حلسة، ليس مستغربًا أنْ تطلق مؤسّسة «موديز» (Moody’s) تحذيرًا في شأن مستقبلً لبنان، وذلك بخفض نظرتها إليه إلى «سلبي» (جريدة المستقبل، 15/12/2018).
وسياسيًّا، تسوء، على خلفيات الصراع الإقليمي، علاقات لبنان بدول الخليج العربي؛ حيث يعمل قرابة نصف مليون لبناني يحولون سنويًّا قرابة خمسة مليارات دولار إلى البلد الأم. كذلك، تسوءعلاقات لبنان بالخارج بسبب تنفيذ حزب الله أجندة إيرانية ودوره العسكري في الثورة السورية. كما تتشنّج مواقف القوى السياسية اللبنانية بفعل خلافاتها على ملفات عديدة، وفي مقدّمها علاقات لبنان بالخارج, وينعكس ذلك شللًا على المؤسّسات، وبخاصّة في ظلّ عدم تشكيل الحكومة، بسبب الصراع على الثلث المعطّل. ويجري خرق الدستور بأعراف وبدع جديدة، كالحصّة الوزارية لرئيس الجمهورية على سبيل المثال، والمطالبة المبطنة بالمثالثة أو بمؤتمر تأسيسي. فضلًا عن ذلك، يقوم حزب الله باضعاف الدولة اللبنانية بشكلٍ ممنهج، ويمسك اليوم بقراراتها السياسية والسيادية، فيما يشكل جنوب لبنان قنبلة قد تنفجر في أية لحظة، بسبب إمكانية حصول صدام مباشر بين إسرائيل وإيران.
وردّا على تهديدات رئيس حركة أمل/رئيس مجلس النواب نبيه بري بافتعال 6» شباط» (1984) جديد، رجا الكتائبي والوزير السابق شجعان قزي الرئيس بري بأنْ «يؤدّي لنا هذه الخدمة وينفّذ تهديداته وينقذنا من هذه الوحدة المركزية المزيفة»، وقال له «لا تتراجع دولة الرئيس عن تصريحك ولا تعتذر عنه. ما أكثر الأطراف اللبنانيين الذين يودّون ان يقوموا بـ «6 شباط» ما، لينفصلوا ويستقلّوا ويعيشوا على ذوقهم، كلُّ واحد ينتظر الآخر...» (قزي، نحن في 6 شباط يومي). من هنا، قد يصبح لبنان الكبير قاب قوسين من خطر التفتيت، ولديه هامش ضيّق بنسبة 10 نقاط تفصله عن الدخول في المجهول (انظر الرسم البياني).
وحتى لو شُكلت الحكومة العتيدة اليوم، فمسار الانحدار لن يتوقف؛ فلبنان بحاجة إلى تغيير نظامه السياسي. لكن نظامًا يقوم على حُكم الأكثرية (الإسلامية) يستوجب أولًا وجود ما هو مفقود لدى اللبنانيين: الثقافة الوطنية والاعتراف بالآخر وبحقوقه، ودولة تُمسك بشعبها وتعتمد نظامًا ديمقراطيًّا عادلًا بين مواطنيها. وهذا لن يتحقّق إلا في ظلِّ دولة مدنية.
وقد يكون إقامة الدولة المدنية خشبة الخلاص؛ لكنها تتطلّب موافقة الجميع، من دون استثناء، وهذا غير متوافر، حتى أنَّ الزواج المدني أو الاختياري، على سبيل المثال، لا يلقى ترحيبًا كبيرًا في الأوساط المسيحية، فيما يرفضه المسلمون بشكلٍ حاسم(11، 12)، فكيف إذن بالانتقال إلى دولة مدنية، حيث تكون الدولة هي المرجعية في الأحوال الشخصية ومصالح المواطنين، لا «الزبانية» السياسية والحزبية ...؟ أما الدولة الفدرالية، فتتطلّب ثقافة القبول بـ «الآخر» في الأقاليم الفدرالية والعيش معه أو بقربه. وهذا غير متوافر في ثقافة اللبنانيين. فضلًا عن أنَّ أنهم يختلفون في لبنان الموحّد على السياستين الخارجية والدفاعية، فكيف يتفقون عليهما إذا في لبنان الفدرالي، حيث أنهما من صلاحيات الحكومة الاتحادية المركزية؟ وقد يؤول مشروع دولة فدرالية إلى نهاية «لبنان الكبير». أما طروحات المثالثة أو المؤتمر التأسيسي، مواربة، فسوف تعجّل في انهيار البنيان.
بالعودة إلى الرسم البياني، يتبيّن الآتي:
يدلّ المؤشّر على حالة عدم استقرار خطير يعيشه لبنان منذ ولادته «كبيرًا»، وعلى افتقاده إلى السلم الأهلي، كما إلى السيادة الكاملة. وهذا يعود إلى نظامه الطائفي المفرّق، وثقافات أبنائه المتباينة، وأوضاعه السياسية المؤججة للفتن والحروب والصراعات، وارتهانه بالخارج؛ كما إلى مساوئ طواقمه السياسية والحزبية...
إنَّ نقاط المؤشّر هي من 0 إلى 100، فيما نسبة الخطأ لا تتجاوز 4- 5%.
حصل «إنشاء «لبنان الكبير» على 50 نقطة، بسبب رفضه من قبل المسلمين والأرثوذكس.
ارتفاع المؤشّر مرّة واحدة فقط إلى 90 نقطة عند اتفاق اللبنانيين على «الميثاق الوطني» وخوضهم متحدين معركة الاستقلال العام 1943. لكن الفترة تلك، كانت قصير الأمد؛ فهبط المؤشّر إلى 30 نقطة، بسبب الحرب الداخلية العام 1958 والتدخل الخارجي في شوؤنه. وارتفع مرّة واحدة إلى 80 نقطة، يوم «انتفاضة الأرز»، ثم هبط سريعًا بعد قليل إلى 40 نقطة، بسبب الانقسام السياسي، وملء حزب الله الفراغ الذي نتج عن الانسحاب السوري من لبنان.
حصل كلّ من الانتعاش الاقتصادي بين الحرب العالمية الثانية حتى اندلاع حرب لبنان، و«اتفاق الطائف»، وانتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية على 70 نقطة.
حصلت كلّ من المقاومة المسيحية للاحتلال السوري والمقاومة الإسلامية للاحتلال الإسرائيلي على 60 نقطة.
هبط المؤشّر 10 مرّات بشكلٍ خطير، إلى ما بين 30 و20 نقطة، بسبب: أزمة العام 1958؛ الوجود العسكري الفلسطيني؛ حرب لبنان 1975-1989؛ ظهور الطائفية المجتمعية عبر تيارات راديكالية إسلامية ومسيحية؛ شرعنة الاحتلال السوري بموجب الطائف؛ التمديد للرئيس لحود؛ الحرب الإسرائيلية على لبنان 2006، وعدم انتخاب خليفة للرئيس لحود وأحداث أيار 2008؛ سقوط حكومة سعد الحريري وتدهور الأوضاع بين الأعوام 2011 و2013؛ عدم انتخاب رئيس للجمهورية بين الأعوام 2014 – 2016؛ انهيار الوضع الاقتصادي، وعبء النزوح السوري عليه.
هبط المؤشّر مرّتين إلى 10 نقاط، عند اجتياح إسرائيل للبنان العام 1982، وإمساك حزب الله بالقرارين السياسي والسيادي اللبناني، وتحديدًا منذ اغتيال الحريري والحرب الإسرائيلية على لبنان العام 2006,
المراجع:
- البستاني، فؤاد أفرام، مواقف لبنانية، ج2، بيروت، 1982.
- بيهم، محمد جميل، لبنان بين مشرّق ومغرّب 1920-1969، لام، 1969.
- خطّال، مازن، «المثالثة في لبنان ... وهم أم حقيق؟!»، جريدة اللواء، 4 كانون الأول، 2018).
- خليفة، عصام كمال، من الميثاق الوطني اللبناني إلى الجلاء 1938-1946، بيروت، 1998.
- خليفة، نبيل، الستراتيجيات السورية والإسرائيلية والأوربية حيال لبنان، جبيل، 1993.
- دلّول، محسن، حوارات ساخنة، من كال جنبلاط إلى رفيق الحريري، بيروت، 2007.
- ربّاط، إدمون، التكوين التاريخي للبنان السياسي والدستوري، ترجمة حسن قبيسي، ج2، بيروت، 2002.
- سنّو، عبد الرؤوف، حرب لبنان 1975- 1990. تكفكّك الدولة وتصدّع المجتمع، مجلد 1، «مفارقات السياسة والنزاعات المسلحة والتسوية»، بيروت، 2008.
- سنّو، لبنان الطوائف في دولة ما بعد الطائف. إشكاليات التعايش السيادة وأدوار الخارج، بيروت، ط 1، 2014.
- سنّو، عبد الرؤوف، السعودية ولبنان. السياسة والاقتصاد، ج1، بيروت، 2016.
- سيف، أنطوان، «الدولة المدنية: تجربة فؤاد شهاب في لبنان»، جريدة النهار، 13/1/2013).
- سيل، باتريك، رياض الصلح والنضال من أجل الاستقلال العربي، ترجمة عمر سعيد الأيوبي، بيروت، 2010.
- شرف جان، الإيديولوجيا المجتمعية، مدخل إلى تاريخ لبنان الاجتماعي، بيروت، 1996.
- صايغ، يزيد يوسف، الأردن والفلسطينيون، لندن، 1987.
- عوّاد، علي، الدعاية والرأي العام، بيروت 1993.
- كوثراني، وجيه، المؤتمر العربي الأول والمراسلات الفرنسية المتعلّقة به، بيروت، 1980.
- الكيلاني، شمس الدين، تحوّلات في مواقف النُخب السورية من لبنان 1920 -2011، بيروت، 2012.
- «لبنان الكبير نصف قرن»، سلسلة القضية اللبنانية، عدد 1، ط2، 1987.
- ناجي، أمين، «الإسلام السياسي وهوية لبنان»، سلسلة القضية اللبنانية، 1976.
- نجم، أنطوان، «سمير جعجع فكر مقاوم ورؤيوي»، المسيرة، نيسان 2004.
- نمر، محمد، «حصّة رئيس الجمهورية بدعة وعون يشهد»، جريدة النهار، نقلًا عن موقع القوات اللبنانية HYPERLINK «https://www.lebanese-forces.com/2018/05/28/aoun-281»https://www.lebanese-forces.com/2018/05/28/aoun-281).
- هانف، تيودور، لبنان تعايش في ؤزمن الحرب. من انهيار دولة إلى انبعاث أمّة، نقله عن الألمانية موريس صليبا، باريس 1993.
‏- Baraka, Halim, «A Secular Vision of Lebanon: Transformation from a Mosaic to an Integrated Society». Halim Barakat (ed.).Towards a Viable Lebanon, Washington, 1988.
- Dawn, Ernest C., From Ottomanism to Arabism: Essays on the Origins of Arab Nationalism, Urbana, III, 1973.

مستند: (12) إلغاء الطائفية السياسية وفق وثيقة الوفاق الوطني
"إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي... يقتضي تشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية". وتكون مهمتها "دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذها في مراحل".
ألبير منصور، الانقلاب على الطائف، ص 252، 258

كلمة أخيرة، إنَّ الأوطان، كي تتقدّم وتزدهر، ويكون مؤشّر مسيرتها وتقدّمها مستقيمًا أو متصاعدًا، تحتاج إلى الاستقرار والسلم الأهلي، والحفاظ على السيادة باعتبارها مقدّسة. وهذا لا يؤشّر إليه الرسم البياني بالنسبة إلى لبنان. ما من دولة في العالم تظلّ في حالة عدم استقرار وتحارب داخلي وسلب سيادتها على مدى قرن كامل، ما يعني أنّ أكثر من ثلاثة أجيال عاشت أو تعيش حالة من عدم الاستقرار وانعدام السلم الأهلي وفقدان مقوّمات الدولة التي تمسك بشعبها وتدافع عن سيادتها. كان على المؤشّر أنْ ينطلق صعودًا بعد العام 1943، أو على أقلّ تقدير أنْ يسير مستقيمًا، لا أنْ يتراجع، ويواصل تراجعاته وانتكاساته، مع بعض الاستثناءات الظرفية العابرة. من هنا، على اللبنانيين أنْ يبتدعوا حلًا لمشكلات بلدهم قبل فوات الأوان.

عبد الرؤوف سنّو - اللواء

  • شارك الخبر