hit counter script

مقالات مختارة - ايليا ج. مغناير - الراي

ترامب يتْرك "فخاً" لروسيا وإيران في سوريا... "خطوة أبعد من أن تكون بريئة"

الثلاثاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٨ - 06:12

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

"الراي الكويتية"

تمّ توقيع تنفيذ «أمر الانسحاب» الأميركي من سورية، ما يشير إلى أن الرئيس دونالد ترامب قرر استدعاء الآلاف من الجنود إلى الوطن. ومن المعروف انه خلال انسحاب الجيوش النظامية، يكون هؤلاء أكثر عرضة للخطر من أوقات الحرب أو الانتشار. ولذلك فإن الانسحاب - على ما يبدو - من المحتمل أن يستغرق أقلّ بكثير من مئة يوم على الرغم من إعلان الإدارة الأميركية لذلك، بغض النظر عن تشكيك سورية والعراق بجدية ترامب.

وعلى الرغم من ان رحيل القوات الأميركية مرحَّب به من جميع الأطراف في المنطقة وخصوصاً سورية والعراق - باستثناء الأكراد طبعاً - فإن الرئيس الأميركي سيخلف وراءه عن قصد وضْعاً يتمنى أن يصبح أكثر فوضوية في بلاد الشام وخطَراً لروسيا وإيران وتركيا.

وبخلاف ما سرّب عن المحادثات الهاتفية الأخيرة بين الرئيسين ترامب ورجب طيب اردوغان، فإن هدف الإدارة الأميركية هو ترك «شمال سورية وداعش» لتركيا لتعتني بها. إلا أن هذه الخطوة أبعد من أن تكون بريئة. واقعاً، قامت البنتاغون عمداً بدفْع الآلاف من قوات «داعش» على طول نهر الفرات مقابل القوات السورية على جبهة دير الزور. وإذا انسحبتْ أميركا فمن المستحيل أن تصل القوات التركية إلى مناطق «داعش» التي تبعد آلاف الكيلومترات عن منبج أو تل أبيض إذا بدأت قوات أنقرة وحلفاؤها الهجوم من هناك.
وفي حال هجوم تركي، سيتعيّن على القوات الكردية لحزب الشعب الكردستاني إبطاء الهجوم التركي للسماح للمدنيين بالمغادرة وللقوات السورية باستعادة المناطق التي يسيطر عليها «داعش» أو تحاول محاصرتها أولاً لتقضي عليها من عدة محاور.
إلا أن أي تقدُّم تركي غير منسَّق مع موسكو سيُزْعِج روسيا وخصوصاً إذا حاولت أنقرة ضم المناطق السورية الشمالية وليس احتلالها كما فعلت روسيا بجزيرة القرم (ضمن استفتاء)، وفي هذه الحالة ستتعرض جبهة إدلب للضرب ولا سيما ان الجهاديين هناك يوفّرون العذر دائماً بسبب خروقهم المتكررة لوقف إطلاق النار.
ويعتمد ترامب على مجازر من الممكن ان يقوم بها «داعش» بعد الانسحاب ليؤكد للعالم أن الاحتلال الأميركي كان يهدف إلى منْع هذه المجازر وبالتالي هنا تكمن أهمية الوجود الأميركي لشمال شرقي سورية.
من وجهة نظر دمشق، هناك تنسيق يتم الاتفاق عليه مع الكرد لمواجهة «داعش» ومنْع التقدم التركي بمجرّد الانسحاب الأميركي المتوقَّع قبل نهاية الشهر المقبل. وبالتالي سيتطلب هذا التنسيق أن تعمل الوحدات الكردية مع القوات الجوية الروسية والقوات الخاصة السورية وحلفائها للمشاركة في المعركة ضدّ «داعش» وإنهاء العمل الذي لم تقم به أميركا خلال أعوامِ وجودها في المنطقة نفسها. وفي الوقت عيْنه سيتم تدعيم جبهة إدلب لمنْع استغلال الجهاديين انشغال تلك القوات في حرب «داعش».

وبالتالي فإن أي خطة أحادية تركية للتحرّك داخل الأراضي السورية من دون التنسيق لن تكون في مصلحة أنقرة. ومهما حاولتْ القوات التركية فإنها لن تصل لا إلى «داعش» ولا إلى حقول النفط والغاز القريبة من نهر الفرات.
ومن خلال ما أَظْهره التاريخ الحديث العسكري، فإن لا القوات الكردية ولا القوات التركية تستطيع إنهاء «داعش» لوحدها، إلا أن الجيش السوري وحلفاءه ومعهم روسيا استطاعوا استعادة أكثر مناطق سيطرة «داعش» في تدمر ومحيطها وفي البادية والسويداء التي تضم عشرات الآف الكيلومترات من مناطق صحراوية ومناطق مفتوحة ومدن تَحَصَّن فيها التنظيم.

أما الأكراد، فهم الخاسر الأكبر من اللحظة التي قررتْ أميركا الانسحاب. فقد استفاد هؤلاء من الوجود الأميركي واعتقدوا انهم سيحصلون على دولتهم المستقلة، فقضى ترامب على إحلامهم ولم يبق لهم سوى التحالف مع دمشق، إلا إذا كانت لديهم نزعة أو سلوك انتحاري كما فعل هؤلاء في عفرين عندما سلّموا المدينة لتركيا بدل تسليمها إلى الدولة السورية.

من الطبيعي ان يسبّب الانسحاب الاميركي حالة من الارتباك للوهلة الأولى في المربّع التركي - السوري - الروسي - الإيراني، وقد يستفيد «داعش» و«القاعدة» من هذا الإرباك ويحاول هؤلاء تحويل الوضع لمصلحتهم، إلا أن قرار ترامب يُعتبر نعمةَ لسورية التي شكك مسؤولوها في هذا الاحتمال معتبرين أنه لا يزال بعيد التحقيق.

وتُعتبر المؤسسة الأميركية مصدراً مهماً لعدم استقرار الشرق الأوسط وبالأخص «لمحور المقاومة». إذ دافعت واشنطن عن «القاعدة» ودرّبتْه ودافعت عن «داعش» وضربت الجيش السوري. ويُعتبر رحيل هذه القوات علامة قبول بأن أحادية الهيمنة الأميركية قد انتهت. ونرى أن روسيا تتحرّك إلى الأمام بينما تتراجع أميركا إلى الوراء، ما يؤكد شيئاً واحداً: عاد التوازن إلى مساره الصحيح. 

  • شارك الخبر