hit counter script

خاص - بقلم مازن ح. عبّود

ميلاد مختلف

الإثنين ١٥ كانون الأول ٢٠١٨ - 03:12

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يوم أمس وأنا أستمتع بعرضك الميلادي على مسرح مدرستك يا ولدي، استفاق الطفل الذي فيّ. شعرت بأني طفل، وذلك بالرغم من أني بلغت منتصف العقد الرابع. وبالرغم من أنّ مدرستي ليست مدرستكم، ولا مسرحها مسرحكم الضخم والمجهّز بأفضل الوسائل، إلا أنّ بريق عيون الأطفال وبريق عينيك هو نفسه. شعرت بأنّ أمي التي رحلت قد عادت. بانت أمامي وهي تلوّح لي من مقعدها وكأني انا انت يا ولدي. تذكّرت كلّ شيء والتبست الأمور عليّ، فالعيد كان في عينيك وعيون رفاقك يا ولدي.
لكني لا أعلم لماذا في كلّ ميلاد يستفيق هذا الطفل الذي فيّ بألف شكل وشكل؟ ما الذي يُعيده، كيف يستفيق ويعود يضجّ ويستعيد فسحته وأمكنته في نفسي؟
وفي كلّ مرّة أسترجع وإياه ذكرى أناس كانوا لي العالم يوماً وقد مضوا. أراهم مع الرعاة والمجوس قادمين إلى المغارة، ليقدّموا الهدايا للطفل. أهُمّ بالتكلّم معهم، إلا أني أعود فأتذكر بأنّ الصمت لغتهم ولغة العالم الآتي. ألقي عليهم التحية بالنظرات. أرى وجوههم تشعّ فرحاً ورجاء بولادة ذلك الطفل الذي رفعهم إلى دنياه. وها إنهم يزدادون يوماً بعد يوم هناك على تلك الضفة، ضفّة الديار. تختطفني النغمات وتسحرني أجواق الملائكة والدندنات.
لا أعلم لماذا للميلاد هذا المفعول السحري عليّ!
ما سرّ هذا الموسم؟ ولكل موسم سرّه وحلاوته.
ميلادي ميلاد مختلف. وفي هذا الميلاد حلمت بأنّ الكهل الذي فيّ انتفض بدوره، وراح يصرخ في وجه الطفل والشاب متوجّهاً إلى العالم، وقائلاً:
"افرحوا أيها الأقوياء والضعفاء. وتفضّلوا يا أغنياء وفقراء. أيها الكبار والصغار هلمّوا.
تعالوا يا مكرّسين ويا مؤمنين كي نعاين العجب.
تفضّلوا جميعاً إلى المغارة. وهلمّ ننشد سوية للطفل الذي ولد ويولد وسيولد لخلاصنا أنغاما خلاصية.
أيها الحزانى اطربوا. ويا أرواح راقدة ارتكضي في رحم الكون. رتّلوا لإله الكون المولود في المغارة كي يحررنا من الجاهلية والمغارة.
لا يا مخلصي ليس ميلادك فعلاً ماضياً كما يقولون. ولن يكون. بل سيبقى الحدث وحاضرنا ومستقبلنا وماضينا.
أضعناك يا مخلصي في وسط انشغالاتنا ببابا نويل والزينة والأطعمة والهدايا والنفايات، فصرنا في عيدك نملأ المكبات بالأطعمة ولا نُطعم فقيراً واحداً. ونملأ المستوعبات بالألعاب ولا نُعطي طفلاً محتاجاً واحداً لعبة.
ليس فقير بعد اليوم إلا من اختار الفقر، والفقر افتقار إلى الإحساس والإنسانية.
لا ليس عيد ميلادك يا مخلصي يوما، ولا أقبل به كذلك.
العيد حالة، والحالة تقيم إذا ما وجدت قلباً ومغارة.
أؤمن بأنّ المسيح يولد، وسيولد طالما أنّ في هذا العالم مغارة ولو واحدة كي تستقبله.
ميلادك يا ربي اقتران من فوق بمن هم تحت. وما أحوجنا يا معلّم أن نولد من فوق.
نعم إنّ الميلاد عرس السماوات بالأرض. وفي العرس ننشد للعريس القادم طفلاً الينا.
وافى المتعالي إلينا حبا، فلنستقبله ولنفتّش عنه كما المجوس في مغاور هذا العالم المنسية.
لنفتش عنه في بيوت الفقراء والمتعبين والمرضى والمنسيين وفي كل الحارات والحنايا والعيون.
ولد المسيح اليوم في بيت لحم اليهودية. وبيت لحم هي كل أمكنتنا ومدائننا وبلداتنا وقرانا وحارتنا وحضارتنا. صارت بيروت وطرابلس وكل الأماكن والحنايا.
لن تمنعنا أنوار البشر وحضارتهم من التماس نور نجمك. ولن يمنعنا هيرودوس من ان نسجد ونرنم لك يا الهنا الآتي. نتلو لك صلاة في المغارة، والمغارة بطن الارض المتصل بالسماوات.
صلاة تطرب لها الارواح الراقدة فتستفيق وتطرب بالميلاد. صلاة تسر بها أمي، فأستعيد الطفل الذي فيّ، والذي اشرق ويشرق في عينيك يا ولدي".

  • شارك الخبر