hit counter script
شريط الأحداث

أخبار إقليمية ودولية

لماذا قد تعيد عملية شرق الفرات ضد الأكراد تشكيل المنطقة؟

الأربعاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٨ - 18:27

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أصبحت عبارة «الخط الأحمر» شائعةً في خطابات زعماء العالم، بغرض الإشارة إلى الإجراءات أو السياسات غير المقبولة. بالنسبة لتركيا، فإن وجود وحدات حماية الشعب الكردية على طول حدودها مع سوريا مسألة أمن قومي تدق ناقوس الخطر إلى أقصى درجة، حسب تقرير موقع Middle East Eye البريطاني. وبينما ترى الولايات المتحدة في وحدات حماية الشعب عموداً فقرياً لشريكتها في التحالف، قوات سوريا الديمقراطية، تعتبرها تركيا الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني الانفصالي، الذي أدرجته كلٌّ من واشنطن وأنقرة كجماعةٍ إرهابية. شنَّت تركيا حرباً داخلية امتدَّت 4 عقود ضد حزب العمال الكردستاني. قُتِلَ في هذا الصراع أكثر من 40 ألف شخص. والآن، بعد أشهرٍ من الإعراب عن مخاوف تركيا الأمنية لشريكها الأميركي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أخيراً أن الاستعدادات قد اكتملت من أجل عمليةٍ عسكريةٍ شرقي الفرات تستهدف وحدات حماية الشعب. فراغٌ في السلطة لطالما كانت تركيا حذرةً من التطوُّرات الجارية على طول حدودها، وهي تراقب حزب العمال الكردستاني والجماعات التابعة له عن كثب. ومن شأن تشكيل كيان تسيطر عليه وحدات حماية الشعب أن يشكِّل كابوساً على أمن أنقرة وسياستها الخارجية. لكن هل الأتراك فقط مصابون بنوعٍ من جنون الارتياب، أم أن لديهم سبباً حقيقياً للقلق؟ تميل الفراغات في السلطة إلى تأهيل أوضاعٍ مثالية لانتعاش الأطراف غير الدولية. وتُمثِّل الظروف القائمة في سوريا اليوم تذكيراً بما حدث في شماليّ العراق في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية، تلك التي أدَّت إلى الاعتراف بمنطقةٍ ذات حكم ذاتي تديرها حكومة إقليم كردستان في عام 2005.

يمكن عقد المقارنات الوثيقة بين «منطقة الحظر الجوي» في شماليّ العراق عام 1991، التي سمحت للبشمركة الأكراد بترسيخ أقدامهم في المنطقة، وخط خفض التصعيد شمال شرقيّ سوريا، الذي أعطى وحدات حماية الشعب فرصةً للاستقرار في المنطقة. جرى تدريب كلٍّ من البشمركة ووحدات حماية الشعب وتسليحهما على يد الولايات المتحدة ليكونا وكلاءً لها لمحاربة صدام حسين وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على التوالي. مع ذلك، فقد كان الأكراد شماليّ العراق قادرين على تحقيق الحكم الذاتي دبلوماسياً، دون إثارة رد فعل تركي قوي، من خلال إبعاد أنفسهم عن حزب العمال الكردستاني، بل إنهم أصبحوا شريكاً تجارياً مهماً لأنقرة. لكنَّ وحدات حماية الشعب، التي يعترف الكثير من المسؤولين الأميركيين بأنها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، لا تزال مستمرة في اعتناق أيديولوجية مؤسس هذه الجماعة، عبدالله أوجلان، وكذا فقد تجد نفسها قريباً في مرمى نيران الجيش التركي. خارطة طريق مسدود؟ اتفق الحلفاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة وتركيا، أوائل العام الجاري، على خارطة طريق للتعامل مع المخاوف الأمنية التركية في ما يخص وجود وحدات حماية الشعب غرب نهر الفرات، في مدينة منبج. أعطت هذه الاتفاقية أنقرة أملاً في حلٍّ دبلوماسي لمشكلاتها، يمكن تكراره شرق نهر الفرات لتجنُّب إجراء عملية عسكرية. ومع ذلك، فقد أدى التأخير المستمر في تنفيذ الدوريات الأميركية التركية المتفق عليها، جنباً إلى جنب مع استمرار حضور وحدات حماية الشعب في منبج، والأخبار التي تفيد بإنشاء واشنطن مراكز مراقبة على طول الحدود التركية السورية، إلى اعتقاد الكثيرين في إدارة أردوغان بأنَّ خارطة الطريق هذه تؤدي إلى طريقٍ مسدود.

أحد الأسباب الأخرى التي دفعت تركيا إلى تأخير توغُّلها شمال شرقيّ سوريا كان حقيقة أنَّ وحدات حماية الشعب، بوصفها عنصراً أساسياً في قوات سوريا الديمقراطية، كانت تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ولم تكن أنقرة تريد إعاقة جهود التحالف الأميركي في تحييد هذا التنظيم الإرهابي. لكن الآن، مع تضاؤل الأمل في تعاون أميركي–تركي في منبج، ومع تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنَّ داعش قد هزمت، فإنَّ أنقرة تعتقد أنَّ الوقت مناسب للتعامل مع أكثر مخاوفها الأمنية إلحاحاً. يرجع قرار التعاون الأميركي في سوريا مع وحدات حماية الشعب إلى فترة إدارة أوباما. إذ كانت واشنطن قد استثمرت بكثافة، على مرِّ السنين، في تجهيز وتدريب هذه المجموعة، التي أصبحت الدعامة الرئيسية في الحملة الأميركية ضد داعش. وتشير التصريحات الأخيرة للمسؤولين الأميركيين أيضاً إلى خططٍ لاستخدام قوات سوريا الديمقراطية لاحتواء الميليشيات الشيعية العاملة في سوريا والمدعومة من إيران. السيناريو الأسوأ حسب موقع Middle East Eye البريطاني، سيواجه البيت الأبيض قرار سياسة خارجية صعباً، في حال وقع صدام بين حليفه في الناتو وشريكه في التحالف السوري. هل ينحاز ترامب إلى أردوغان ويسمح لتركيا بتحييد العناصر التي تعتبرها تهديداً أمنياً، أم يحمي وحدات حماية الشعب ويخلق عقبةً هائلة بالنسبة لتركيا، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى قطيعةٍ لا يمكن إصلاحها في العلاقات بين البلدين؟ أشار أردوغان، الاثنين 17 ديسمبر/كانون الأول، إلى أنَّ ترامب كان أكثر تقبُّلاً للخطط التركية للتحرُّك شرق نهر الفرات من وزير دفاعه. إذ قال في خطاب ألقاه بمحافظة قونية وسط البلاد: «أعلنَّا رسمياً أننا سنبدأ عملية عسكرية شرق نهر الفرات. ناقشنا ذلك مع ترامب وقدَّم رداً إيجابياً».

يُشكِّل الوجود الأميركي في المنطقة أيضاً تعقيداتٍ بالنسبة لتركيا. فمع وجود نحو ألفي جندي أميركي و20 قاعدة عسكرية في المنطقة، فإنَّ عملية عسكرية واسعة تواجه خطر مواجهة عرضية بين القوات الأميركية والتركية، وهذا أسوأ سيناريو تريد كل من واشنطن وأنقرة تجنبه بأي ثمن. ستواجه تركيا أيضاً قوة أكبر بكثير من وحدات حماية الشعب من تلك التي واجهتها في عمليتها العسكرية في عفرين، إذ يوجد حوالي 40 ألف مقاتل في المنطقة. لكن عندما يتعلَّق الأمر بالأمن القومي التركي، فإنَّ منع حزب العمال الكردستاني وفروعه من إنشاء معقل لهم على حدودها لطالما كان خطاً أحمر. بدأ أردوغان العد التنازلي، والكرة الآن في ملعب ترامب: وقد يُشكِّل رد واشنطن، لا مستقبل العلاقات الأميركية–التركية فحسب، وإنما التركيبة الإقليمية والسكانية للمنطقة لعقودٍ قادمة.

لا تزال الجهود الدبلوماسية مستمرةً لتجنُّب وقوع أزمة بين أنقرة وواشنطن حول التهديد بهجمة تركية ضد وحدات حماية الشعب المدعومة من أميركا. لكنَّ المحليين يقولون إنَّ الرسائل المختلطة بين البلدين الحليفتين في الناتو تعقد من جهود خفض التصعيد. لكنَّ المبعوث الأميركي إلى سوريا، جيم جيفري، بدا أنه يناقض أردوغان حين قال، يوم الاثنين: «نحن نعتقد أنَّ أي هجوم على شمال شرقي سوريا، من قبل أي شخص، فكرة سيئة. هذا هو الموقف الذي نقلته عندما كنت في أنقرة، وهو الموقف ذاته الذي نقله الجميع بدءاً من الرئيس فما دون ذلك». ومما زاد من التوتُّرات، نبذ وزير الداخلية التركي سليمان صويلو للتحذيرات الأميركية، إذ قال يوم الاثنين، أثناء زيارة لباكستان: «حاولت الولايات المتحدة إعاقتنا في شمالي العراق، وفي عفرين وسوريا. والآن، سيحاولون إعاقتنا شرق الفرات. لم تسمح تركيا بحدوث ذلك في الماضي، ولن تسمح بحدوثه هذه المرة».

(عربي بوست)

  • شارك الخبر