تتسارع التطورات الإقليمية والدولية بطريقة توحي أن امراً ما يتم تحضيره في الشرق الأوسط، وعلى الأرجح عالميا، لكن لمعرفة أكثر ما يدور في الكواليس، يجب انتظار قمتين: الأولى اللقاء بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين الأسبوع المقبل خلال قمة العشرين G20 في الأرجنتين، وتليها القمة الخليجية في الرياض.
اللقاء بين ترامب وبوتين سيكون له أهمية كبيرة جدا لأنه يأتي بعد توسع نفوذ روسيا في الشرق الأوسط بشكل يقلق الأميركيين لاهتمام عدد من الدول العربية لشراء الأس 400، حيث أنه أصبح لدى سوريا، التي ستكون أولوية في المحادثات، غطاءً جويا روسيا عبر منظومة أس-300 ضد الإسرائيليين.
لكن بعد نحو شهر من نشرها، حاولت واشنطن التقليل من أهميتها حيث ادعى المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، اريك باخون أن منظومة "إس-300" المنشورة في سوريا لا تؤثر على عمليات قوات بلاده في هذه المنطقة، محذرا من ان تزويد سوريا بأسلحة إضافية سيساهم في تصعيد النزاع".
وكانت قناة CNBC الأميركية كشفت أن 13 دولة على الأقل، بينها السعودية وقطر والمغرب ومصر وفيتنام والعراق، مهتمة بشراء أس 400.
المنظومة الروسية الى لبنان؟
والأهم من كل ذلك والذي سيبحثه الرئيسان هو ما كشفه موقع استخباري إسرائيلي أنّ "الدولة اللبنانيّة عبر الرئيس ميشال عون طلبَت من موسكو حماية المجال الجوي اللبناني، عبر نظام الدفاع الروسي الذي نُشر أخيرا في سوريا." وأضاف أن "بوتين لم يردّ بعد والموضوع لا يزال محور بحث ونقاش في الدوائر العليا في وزارة الدفاع الروسية، التي تميل الى التوصية بالموافق"، ما يُشكل ضربة قوية لإسرائيل أولا ثم لأميركا، حيث تابع الموقع أن "إسرائيل قد تواجه عقبة روسية في عمليات سلاحها الجويّ في شرق المتوسّط"، مؤكداً أن "مسودة الطلب أعدها عون بمساعدة حليفة أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله وأٌرسِلَ بعد موافقة طهران".
الضربة الأولى لإسرائيل، إن حدث هذا الأمر، هي إغلاق الأجواء اللبنانية عليها وهي التي لطالما تستبيحها وضاعفت استباحتها بعد إغلاق الأجواء السورية، أما الضربة الثانية وهي الموجعة أكثر، فتتمثل بإعطاء غطاء جوي لحزب الله، حيث رأى الموقع أنّ قبول بوتين سيُوفّر للحزب غطاءً من قوّة عالميّة للمرّة الأولى ضدّ أي هجوم إسرائيلي مُحتمل"، خصوصا بعدما هدّدت إسرائيل بضرب منشآت إيرانية في لبنان.
إسرائيليا، وزيرا العدل والتربية اكدا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو انهما لن يستقيلا من الحكومة للحفاظ عليها، ولكن في مقابل ان يظهر الأخير قوة إسرائيل لأعدائها بغياب أي ردة فعل تجاه صواريخ غزة، ما يؤكد ان الإسرائيلي يُحضّر لأمر ما سيُحدده الوقت، فنتنياهو تائه نحو أي جهة يُصوب سلاحه، نحو غزة، لبنان أم نحو هدف أهم بكثير أي إيران؟ وهل سيزور نتنياهو روسيا بشكل عاجل للقاء بوتين لبحث قضية المنظومة؟

استرجاع تركيا
وبعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، يمكن ملاحظة تحسّن العلاقات الأميركية-التركية، حيث أن واشنطن تعمل على استرجاع أنقرة، التي تنتظر تسلم المنظومة الروسية العام المقبل، عبر تأكيد "البنتاغون" أن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس يُناقش مع الكونغرس كل ما يمكن تقديمه لتركيا مقابل تخليها عن شراء "إس-400" الروسية"، وخصوصا بعد استقبال وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون وزير الخارجية التركية تشاوش أوغلو في واشنطن.
في العراق، يمكن بوضوح رؤية النزاع الأميركي-الروسي ففيما أعلن العراق اهتمامه بتعزيز علاقاته مع روسيا، داعيا بوتين لزيارة بغداد، أفادت صحيفة "واشنطن بوست" بأن الرئيس الأميركي أبلغ مستشاريه، للمرة الأولى منذ توليه مقاليد الحكم، بإمكان زيارته العراق وأفغانستان لتفقد القوات الأميركية هناك".
"الناتو العرب" والجيش الأوروبي
في غضون ذلك وبينما تُعقد القمة الخليجية في الرياض على الأرجح في 9 كانون الأول المقبل بمشاركة جميع الدول بينها قطر، حيث من المفترض حصول المصالحة بين السعودية وقطر بعد مساع كبيرة من أميركا والكويت وأطراف أخرى، وفق ما تفيد التقارير، وذلك تحضيرا لتشكيل تحالف أمني وسياسي جديد مع دول الخليج بعد توحيدهم ومصر والأردن لمواجهة التمدد الإيراني، ما يُمثّل "نسخة عربية" من حلف شمال الأطلسي "الناتو.
توازياً، وبعد زيادة الضغط الأميركي على السعودية لإنهاء الحرب في اليمن، ما أدى الى الموافقة على مفاوضات سلام بين الحوثيين الذي أعلنوا وقف الهجمات على السعودية والإمارت والحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، في السويد، ما يؤشّر إلى تهدئة الأمور في البلاد وفتح المجال للمسار السياسي الطويل.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تسعى الدول الخليجية للمصالحة وفرض الهدوء في هذا التوقيت تحديداً وتسعى في الوقت نفسه للحصول على الاس 400؟ هل تتحضر لمواجهة كبيرة آتية الى المنطقة؟ وهل تسعى أميركا لبسط الهدوء عبر التسوية السياسية (اليمن وسوريا والسعودية) مقابل التركيز كُلياً على إتمام "صفقة القرن" التي ُتسهل استهداف ايران؟
في وقت تشهد إيران ضغطاً هائلاً جرّاء العقوبات على رغم بقاء الدول الأوروبية فيه، لكن تشدد إدارة ترامب دفع بوزير الخارجية الإيرانية بالتهديد بالانسحاب من الاتفاق النووي إذا لم يتم تلبية احتياجات إيران الاقتصادية. وللحفاظ على الاتفاق، يزور وزير الخارجية البريطانية جيريمي هانت طهران للبحث في مستقبل الاتفاق النووي والنزاع السوري واليمني.
عودة الاصطفافات
في لبنان، عادت الإصطفافات السياسية مثلما كانت سابقا، أي 14 آذار (الحريري، جعجع، جنبلاط) ضد تحالف 8 اذار (حزب الله، امل، التيار العوني)، والانتظار الطويل سيّد الموقف لمعرفة ما إذا كُنا سنحتاج الى تسوية كاتفاق الدوحة وسط تقاطعات إقليمية لتخطي النفق المظلم الذي دخلنا فيه.والدليل الأكبر على ان حدثاً امنياً أو سياسياً منتظراً هو ما أمر به قائد الجيش اللبناني جوزف عون العسكريين في عيد الاستقلال، حيث أكد أنّ "الحالة الضبابية التي تلفّ المنطقة بأسرها في ظلال تحولات كبرى مرتقبة سيكون لها من دون شكّ انعكاسات على بلدنا فضلاً عن الظروف الدقيقة التي يمرّ بها لبنان"، متوجّهاً للعسكريين بالقول: "يحتّم عليكم البقاء في أعلى درجات اليقظة والاستعداد لمواجهة تحديات هذه المرحلة بمختلف أشكالها ووجوهها.."
"الجيش الأوروبي" والاحتياطي الفيدرالي
عالميا، ما هي خلفيات تصريح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لتشكيل جيش أوروبي لمواجهة روسيا والصين وأميركا في ظل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟
وعلى خط آخر، ما خلفيات التباين العلني الحاصل بين ترامب والاحتياطي الفدرالي الأميركي الذي زاد الفائدة فيما يطالب ترامب بخفضها لان زيادتها تكبح نمو أكبر اقتصاد في العالم؟
ورفع الاحتياطي الفدرالي الأميركي معدل الفائدة الأساسي 3 مرات هذه السنة وينوي مواصلة سياسة "رفع تدريجي" لهذه المعدلات حتى 2019. ويتوقع معظم المحللين أن يرفع الاحتياطي الفدرالي معدل الفائدة الأساسي في كانون الأول في آخر اجتماع للجنة النقدية هذه السنة.