hit counter script

مقالات مختارة - محمد علي فرحات - الحياة

لبنان الذي يطرد مواطنيه

الخميس ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٨ - 06:43

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يحتفل اللبنانيون اليوم بالعيد الخامس والسبعين لاستقلال وطنهم، ومعهم محبون كثر، عرب وأجانب، يعتبرون التجربة اللبنانية في التنوع والحرية والانفتاح نموذجية في الشرق، لجهة واقعيتها التي ساعدت في استمرارها، على رغم المحطات الصعبة: في 1948 مع إنشاء إسرائيل وتدفق اللاجئين الفلسطينيين، وفي 1958 مع تحدي انحياز الحكم اللبناني الى واحد من جبهتي الصراع في المنطقة العربية، وفي 1976 مع انفجار قتال داخلي تحت وطأة سلاح المقاومة الفلسطينية وسلاح جماعات اعتبرت نفسها ملزمة بـ"تحرير" لبنان من هذه المقاومة الى أن دخل الجيش السوري ليردع الطرفين ويتسيد الساحة حتى العام 2005، ومع الاحتلال الإسرائيلي في دفعتيه (1978 و1982)، ومع تصدر «حزب الله» مشهد السلاح غير الشرعي بحجة المقاومة والتحرير وصولاً الى كونه ذراعاً للنفوذ الإيراني في شرق المتوسط، ومع وطأة الحرب الداخلية في سورية التي دفعت أكثر من مليون سوري الى عبور الحدود نحو لبنان والبقاء فيه موقتاً، في ما يشبه الاستقرار.


محطات صعبة حافظ خلالها لبنان على استمرارية الحكم وشرعيته الدستورية، قبل الطائف وبعد الطائف، وإن وصل الأمر بهذه الشرعية الى وجود شكلي يشهد على الانتهاكات ويعي عجزه عن ردعها.

وليس جديداً أن يكون للقوى الاقليمية والعالمية نفوذ في الوطن الصغير، لكن هذا النفوذ يتعمق أخيراً بحيث يبدو التعايش صعباً بين الجماعات الموالية لجهات متصارعة. ويكتفي اللبنانيون من باب اليأس أن لا تتحول حروب الكلام والمواقف الى حروب بالرصاص والقنابل. لقد اختبروا ذلك من قبل ودفعوا الثمن غالياً خراباً وضحايا ولاجئين في أنحاء العالم.

ويندر في لبنان من يعي التاريخ المشترك معبراً عنه في محطات جامعة مثل عيد الاستقلال، فليس للبنان الوطن أبطال بارزون بل أشباه أبطال. أما البطولة الحقة فتكون داخل الطائفة، ولكن ما تلبث صفحتها أن تطوى لأن كل زعيم – بطل يمحو ذكرى سابقيه ليبدأ من الصفر.

وطن بلا أبطال، وطوائف بأبطال منذورين للمحو والإزالة. لذلك يبدو اللبناني مشرداً في وطنه حين يفتقد يومياً معنى يجمعه باللبنانيين الآخرين، أو بمن تبقى منهم في وطن طارد لأهله منذ أواسط القرن التاسع عشر وحتى اليوم.

ذات عيد استقلال كتب مواطن مجهول رسالة لم يرسلها. ومما كتب:

«كان لبنان، كيف يكون لبنان؟: المدائن المهدمة. السلاح. الذاكرة المحترقة. تجار العملة. التجار الصغار والتجار الكبار. غياب قيم العلم والعمل. الغباء والاستغباء. الفرد المهان والجماعة المهانة. السجن داخل الخطب المتكررة. مراكز الطوائف لدراسات الطوائف. لبنان المطرود الى الماضي، الى ترجماته المتعددة. لعبة الأمم. شعبه اللعبة. لبنان الذين لا تعرفهم ولا يعرفونك. الصم والبكم. لبنان الذي تخبئ نفسك، عقلك، جسدك، لتنسى نفسك وتنساه. لبنان ترسانات الكلام الحديد. الماضي الذي لا يعود واحتفالات الماضي. لبنان شهادة التغيرات واعلانها ودسّ الؤوس فيها. لبنان رؤوس الجميع. لا يكون لا تكون».

محمد علي فرحات - الحياة

  • شارك الخبر