hit counter script

الحدث - دافيد عيسى - سياسي لبناني

تفاهم "عون - الحريري" علامة مضيئة في صورة قاتمة

الإثنين ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٨ - 04:54

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ينتظر اللبنانيون الحكومة الجديدة بفارغ الصبر بعدما طال انتظارهم لأنهم يعوّلون عليها للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تفتك بهم وتؤرقهم. 

وسط هذه الصورة القاتمة ووسط هذه الأجواء الملبدة والثقيلة، لاحت علامة مضيئة وسجل تطور إيجابي ترك ارتياحاً عاماً وتمثل في حالة الاتفاق والتفاهم والانسجام بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وترجمت توافقاً على الصيغة الحكومية الجديدة التي حالت عقدة التمثيل السني او ما سمي بعقدة "سنة 8 اذار" دون ولادتها وإعلانها.
ولعل أهم ما في هذا التوافق الحكومي أنه جاء مرفقاً بموقف رئاسي واضح في دعم رئيس الحكومة المكلف دوراً وموقعاً وفي التأكيد على الشراكة والتوازن والوحدة الوطنية.
وهذا الموقف الذي أعلنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتضمّن تفهماً للرئيس المكلف وتأكيداً على أهمية أن يكون رئيس الحكومة قوياً كان كافياً لدحض كل الشائعات والأقاويل حول اضعاف رئاسة الحكومة وافتئات حاصل على صلاحياتها، ولكنه كان كافياً أيضاً لإشاعة جو من الارتياح العام لسبب بسيط ومهم في آن وهو أن اللبنانيين أو أكثريتهم اطمأنوا إلى وجود تعاون وتفاهم في قمة السلطة التنفيذية بين رئيسي الجمهورية والحكومة، لأن هذا التفاهم هو الشرط الأول للاستقرار السياسي وديمومته، وهو القاعدة الأساسية التي تقوم عليها التسوية الرئاسية السياسية التي وضعت البلاد منذ عامين على السكة الصحيحة وانتشلها من براثن الفراغ الرئاسي...
هذا التفاهم بين رئيسي الجمهورية والحكومة يكتسب أهمية خاصة لأنه في أساس الاستقرار والممر الإيجابي إلى حكومة منتجة وقادرة على اتخاذ قرارات ومواجهة الصعاب والتحديات... فليس المهم أن تشكل حكومة وإنما المهم أن تكون هذه الحكومة منسجمة وقادرة ومنتجة، وهذا لا يتحقق إلا عبر توافق وتفاهم بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وما نفع أن تتشكل حكومة وتكون عرضة بعد أسابيع أو أشهر للخلافات والانقسامات وتصاب بالجمود والشلل...
قبل عام وفي مثل هذه الأيام واجه لبنان أزمة حقيقية عندما أعلن الرئيس سعد الحريري استقالته من الرياض، ولكن هذه الأزمة منعت من أن تتحول إلى فتنة سياسية أو وطنية ولم يكن ليحصل ذلك بسرعة وفعالية وتصل الأمور إلى نهاية سعيدة لولا حالة التضامن والتعاضد التي كانت قائمة وما زالت بين أركان الحكم عون بري والحريري... فالتفاهم والتعاون بين هذا المثلث الرئاسي هو ضمانة للوحدة الوطنية ومصدر حماية لها مثلما التفاهم بين رأسي السلطة التنفيذية هو ضمانة لاستقرار الحكم وبنائه وقدرته على الإنتاج والانجاز...
والآن يواجه لبنان أزمة حكومية طال أمدها ويجب وضع حد لها، وهذا لن يحل إلا عبر تفاهم عون الحريري أولاً المنوط بهما دستورياً تأليف الحكومة، ولكن هذا التفاهم بحاجة لأن يرافقه تفاهم وتعاون كل المكونات الرئيسية في بلد قائم على توازنات سياسية وطائفية دقيقة وحساسة، ويبقى أن ما حصل وتمخضت عنه التطورات والأحداث الحكومية الاخيرة يفيد بأمران أساسيان:
- الأول: أن هناك قناعة عامة وراسخة بأهمية وضرورة بقاء سعد الحريري في رئاسة الحكومة وأن لا بديل عنه في هذه المرحلة كحاجة وطنية وكعامل جذب للدعم الدولي السياسي والاقتصادي للبنان، وما تقوله وتفعله كل القوى يفيد على ما يبدو أن الكل يريد سعد الحريري ولا أحد يريد أن يدفعه إلى الاعتذار والتنحي ولا أحد يعمل في هذا الاتجاه او يمتلك البديل الجاهز والمقنع...
- الثاني: أن هناك تقديراً لموقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، هذا الموقف الوطني المسؤول الذي يراعي ويحترم مقتضيات التوازن والوحدة والشراكة الفعلية المستندة إلى "حكم الأقوياء في طوائفهم" أي الذين يستندون إلى قواعد شعبية صلبة وراسخة.
وهذا التقدير جاء مرفقاً بإقرار واعتراف أن لا بديل عن دور رئيس الجمهورية كحاجة وطنية وكعامل توازن في الحكم بين أكبر قوتين في طائفتهما هما "حزب الله وتيار المستقبل" وكجسر حوار وتواصل بين مختلف الأفرقاء، ولنقلها بصراحة أن الصراع الأشد وحتى على مستوى الحكومة هو صراع "سني – شيعي" لم تستطع العقدتان "المسيحية والدرزية" أن تحجبه إلا لفترة محدودة... ورئيس الجمهورية يعود له الدور الأساسي في ضبط إيقاع هذا الصراع واحتوائه وتحويله إلى "صراع إيجابي" ومولّد للحلول والتفاهمات.
والرئيس عون هو الأقدر حالياً على القيام بهذا الدور الذي هو نمط ونموذج لدور طبيعي ريادي يجب أن يضطلع به المسيحيون ويكون منسجماً مع دورهم في "الوطن الرسالة" بأن يكونوا جسر حوار وتواصل بين السنة والشيعة وعامل توازن وتهدئة وأن لا يكونوا طرفاً في هذا الصراع ويكونوا مستقلين غير ملحقين بأحد وغير تابعين لهذا الفريق أو ذاك وغير موزعين على هذه الضفة وتلك...
وفي الختام لا بد من الاشادة بالدور الذي يلعبه الوزير جبران باسيل في هذا الاطار بتكليف من الرئيس ميشال عون والذي نتمنى ان تثمر حلحلة على المستوى الحكومي.

  

  • شارك الخبر