hit counter script

باقلامهم - بقلم مازن ح. عبّود

في مئويّة الحرب العالميّة الأولى

الثلاثاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٨ - 06:16

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا لن تنتهي الحرب. وما انتهت لمن اعتقد بأنّه دفنها. فبذارها ما زالت تنبت ما بين حدود الدول.
لا تنتقل السلطة إلا وسط بحار من الدماء. لا تصان السلطة الا بأضاح بشريّة.
في ذكرى توقيع الهدنة التي أنهت الحرب الكونيّة، ما ترانا نقول لمن قضوا في الحرب التي نحتفل بذكرى مئة عام على دفنها؟ ماذا نقول لـ18 مليون شخص ناموا نومة الرقاد؟
أخبريهم يا "قاعة المرايا" أنْ ينظروا إلى المرايا كي يتعلّموا من التاريخ.
أبلغيهم يا "حدائق فرساي" كي تنموا الحروب من الحروب.
بالمناسبة ما الذي أقوله لأجدادي الذين ملأوا المدافن، فتسطّحوا في تراب الحدائق المحيطة بمنازلهم؟ ألا فأبلغهم يا حصار ويا جوعا وطاعونا.
أترى ما الذي أقول لتلك المرأة التي قيل لي بأنّه أغمي عليها وهي "حبلة" في شهرها التاسع في الحرب، فوضعت في مقبرة؟
ما الذي أقوله لتلك التي مع طلوع الفجر ولدت طفلاً. وماتت خوفاً وبرداً وجوعاً؟
فلا مكان للأحياء في بلاد الأموات. وُجِدَت مُتّكية على باب ذلك المدفن البارد.
ماذا أقول لكل من تسابقوا وتناطحوا وتشاجروا وتقاتلوا لأكل قشرة ليمونة رمى بها مقتدر مخافة أنْ يستسلموا لنعاس الجوع الأبدي؟
ماذا أقول لجحافل الناس التي هجرت الجبل الصغير بعيد الحرب بحثاً عن مكان أكثر أماناً، تاركة الأرض لجحافل الجراد التي التهمت أخضرها ويابسها؟
ماذا اقول لكم؟ أأقول لكم بأنّهم اليوم يحتفلون بمئوية الحرب الكونيّة والحرب في عيون الكثير منهم؟
ماذا أقول لهم أأبلغهم بأنّ حربهم لم تكن الحرب التي أنهت كل الحروب. ولا ميتتهم الميتة التي وضعت البشرية على سكة السلام. ضرب طبول الحرب هو الثابت الذي يتواتر منتقلاً من التاريخ إلى الحاضر، فالغد أخشى!
كيف تنتهي الحروب والأطماع طبقنا؟
كيف تنتهي الحروب طالما أننا مازلنا نستولد الحروب؟
أحلم اليوم كما حلمت "ايف مريم" بالأمس. وقد حلمت بإنجاب طفل يسأل ويقول "أمّي، ما هي الحرب"؟
شبح الحروب يلاحقنا.
وُلِدتُ في الحرب اللبنانيّة وأتى ربيع عمري مع سلامها.
الحرب هي واقعنا، هي فشلنا كبشر في التحاور، وفي فض نزاعاتنا في شكل منطقي كما يقولون. فنتحوّل إلى حيوانات لا تفكر. نتقاتل من أجل الاستئثار بكل شيء كي لا نخسر أيّ شيء. فنسعى إلى أنْ نستحصل على كل شيء أو لا شيء. فتكون النتيجة تعادلاً سلبياً وخسارة ودمارا.
تبدأ الحرب بالتصريحات وبصراع الحبر والأقلام. وسرعان ما تنحسر الأقلام لمصلحة حوار ونقاش المدافع والجيوش. نعم، أخشى قادة اليوم وتصريحاتهم ومشاريعهم.
فالحرب تستولدها نفوس ما عرفت ولا تعرف السلام. يستولدها السباق على الموارد والمصالح. وهل يعطي السلام من لا يمتلكه؟
في ذكرى الحرب الكونية الكبرى التي كان جدي يستذكرها بالكثير من الدموع، أصلّي بصمت كي تزول عن عالمنا بذار الحروب. فلا تعود تنبت في أرضنا أو في أيّ بقعة في العالم. فيتعلّم البشر لغة جديدة ووسائل جديدة.
في ذكرى الحرب الكونيّة أتذكّر المعلّم شفيق الذي عرفته، وقد نشأ في الحرب الكونيّة، ومعه في سباته، ألعنُ الحرب التي تتولّد حروبا.
في ذكرى الحرب الكونيّة أتطلع إلى عالم أفضل يحكمه بشر أفضل. بشر من طينة لا تنظر إلى الحوائط بل إلى ما خلفها. تنظر أبعد من الدول والحدود. قادة من طينة تدرك أنّ الأرض قرية كونيّة صغيرة مهما كبرت. والشعوب شعباً واحداً مهما تعدّدت لغّاتهم وأعراقهم وانتماءاتهم. قادة تدرك بأنّ تحدّياتنا واحدة ومستقبلنا واحد. قادة لا تكون مشاريعها حوائط وإلغاء، ولغتها حروب. قادة تدرك أنّنا لا نريد أنْ نفنى، بل أنْ نعيش بسلام ورغد على أرض نشاء أنْ تبقى فسحة تلاقي ما بين من خلقها يوما وما ندم، ومن يحكمها ولا يُقدّر قيمتها وانعكاسات أطماعه.
 

  • شارك الخبر