hit counter script

خاص - د. فادي خلف- أمين عام اتحاد البورصات العربية

بالتفاصيل: سيناريو حماية رياض سلامة لليرة وفق المعايير الدوليّة

الثلاثاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٨ - 06:13

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تعدّدت المقالات التي قرأتها مؤخراً عن وضع الليرة اللبنانية وعن سياسة المصرف المركزي بتثبيت سعرها ضمن هامش ضيق حوالي العشرون عاماً. بعض هذه المقالات كان صائباً وواقعياً في تحاليله والبعض الآخر كان له هدفان، إمّا التهجُّم على شخص حاكم مصرف لبنان أو الدفاع عنه وفي الحالتين كان الهدف سياسياً لا أكثر. من هنا إرتأيت مقاربة تدخلات مصرف لبنان في سوق القطع منذ العام 1993 وحتى اليوم بطريقة علمية وبحسب المقاييس العالمية.

خلال أبحاثي عن إنهيار الليرة في فترة 1982 الى 1992 تمكنت من التعمق في المعايير الدولية التي وضعها الباحثون منذ العام 1953 وأولهم ميلتون فريدمان صاحب نظرية "المدرسة النقدية " والحاز على جائزة نوبل، إضافة الى من تلاه حتى اليوم من الأقتصاديين أصحاب النظريات المتعددة والذين حللوا على مدى السنين تدخلات المصارف المركزية العالمية في أسواق القطع. هذه الأبحاث تتناول في بعض منها معيار "الربحية"، معيار "مواجهة الرياح"، معيار "سعر التوازن"، المعيار "الهجين" وغيرها من المعايير التي لا تسمح المساحة المعطاة لهذا المقال بالدخول بتفاصيلها. فكيف تمكن مصرف لبنان من حماية الليرة بحسب هذه المعايير والتقنيات؟
إن الدور الأساس الذي لعبه الدكتور رياض سلامة في السنوات الأولى لتسلمه حاكمية مصرف لبنان كان بلا شك إيقاف كرة الثلج في مكان ما من التدحرج وإعادتها الى حجمها الطبيعي. صحيح ان سعر الدولار الذي إرتفع من 3،74 ليرة لبنانية في 10 - 1 - 1983 الى 2750 ليرة في العام 1992 كان له أسبابه، الأ أن سعر 2750 ليرة كان مبالغاً به آنذاك، مع الإقرار بأنه لم يكن لدى أيِّ كان فكرة محددة عن سعر التوازن الفعلي للدولار في حينه. كانت سياسة إيقاف كرة الثلج صعبة للغاية ولكنها كانت الطريقة الأسلم لإعادة السوق الى العقلانية، وذلك يمكن تصنيفه ضمن المعيار الدولي المعروف "بسعر التوازن"، حيث يجهد فيها المصرف المركزي على توجيه السوق نحو سعر يعتبره هو سعر توازنٍ للعملة الوطنية.
أتت هذه السياسة ثمارها، فتوقفت كرة الثلج عن الإنحدار ولم يعد الهاجس الأول لكل لبناني السؤال في كل صباح عن سعر إفتتاح الدولار وظهراً عن سعر إقفاله، كما توقفت ظاهرة السوق السوداء الموازية للسوق الرسمية. وإنصرف كلٌّ الى عمله في ورشة البناء.
طبعاً إن السؤال الذي يُطرَح حالياً هو هل ما زال سعر التوازن الذي إعتمده مصرف لبنان في التسعينيات صالحاً اليوم بعد تنامي عجز الخزينة وتراكم الدين العام بشكل متواصل وبالتالي هل ما زال معيار "سعر التوازن" صالحاً للتطبيق على مستوى 1500 ليرة؟
إن من رابع المستحيلات أن يبقى سعر التوازن نفسه في وقت يواجه فيه الإقتصاد تحديات وصلت بمؤشراته الى أرقام قياسية لم يعرفها في تسعينيات القرن الماضي، يوم تم تثبيت سعر الصرف على 1500 ليرة. ولكن ما هو الحل؟ هل يكون بإطلاق العنان لسعر الصرف وتحريره وتركه للمضاربين لينهشوا ما بقي من لقمة عيش المواطن؟ ومن ثم نعود الى رفع الرواتب مرتين في السنة فيضرب التضخم من جديد ويرتفع سعر صرف الدولار مجدداً كما كان يحدث في الثمانينات إثر كل زيادةٍ للأجور، لتعود كرة الثلج للتدحرج من جديد؟
أمام ما يهدد الليرة والإقتصاد ككل، لم يكن أمام من تمرّسَ في الأسواق المالية قبل أن يتسلم حاكمية مصرف لبنان إلأ أن يقف بوجه هذا الخطر الداهم والإنتقال الى ما يمكن تصنيفه في المعايير الدولية بما يسمّى "مواجهة الرياح". إذ فضّل الحاكم مواجهة الرياح على الإستسلام وإطلاق كرة الثلج. والسؤال الذي يطرح نفسه، الى متى يمكن التصدي للرياح وبأية أسلحة؟ من شروط نجاح إستراتيجية "مواجهة الرياح" الحفاظ على مستوى مرتفع من الإحتياطي بالعملات الأجنبية والتزام المصرف المركزي بسياسة تدخل واضحة في سوق القطع تُثني أي مضاربٍ عن محاولة التلاعب بسعر الصرف مهما كَبُرَ حجمه وقَويَتْ مُقَدراته . في الحالة اللبنانية يلعب الإحتياطي من العملات الذي يشكل 82% من الكتلة النقدية دور الرادع النفسي، فيجنِّب الحاجة الى التدخل بكميات كبيرة من العملات الأجنبية، إضافة الى وضوح تام لسياسة حاكم مصرف لبنان تجاه سعر صرف الليرة وثقة الشعب بشخصه.
هل يعني ذلك أنه يمكن للبنان الإستمرار في الإنحدار الإقتصادي الى ما لا نهاية، مُتَّكلاً على سياسات المصرف المركزي وحِكمَة الحاكم؟ من المعلوم إن إستهلاك مقدِّرات المصرف المركزي في الثمانينات كان بسبب تلبية طلبات الدولة من مشترياتها بالعملة الصعبة وبسبب رفع الأجور من دون تأمين المداخيل الضرورية لتمويلها.
المعادلة إذاً هي كالتالي: طلما يتم تمويل عجز الخزينة من زيادة الودائع في المصارف + طالما لرياض سلامة المقدرة على الصمود أمام المغالات بطلب تمويل القروض المدعومة وتمويل زيادة الرواتب + طالما بقي رياض سلامة الحاكم التقني مستقلاً عن السياسة والسياسيين = لاخوف على الليرة.
المطلوب هو المحافظة قدر الإمكان على سعر صرف الليرة الحالي الى أن يتم إستخراج النفط والإستفادة من إعادة إعمار سوريا عبر لبنان وبعدها يبنى على الشيء مقتضاه.

أمين عام اتحاد البورصات العربية د. فادي خلف

  • شارك الخبر