hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - مازن ح. عبّود

كي لا يسرق العصر احلامنا

الثلاثاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٨ - 06:12

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

"قبل أن أنتهي رسالتي، أدعو الله أن يسكب بركاته الجزيلة على هذا البيت وكل من سيُسكنه في ما بعد. فلا يكون منزلا الا للصدّيق والحكيم الذي يحكم بالعدل ".

كلمات قالها الرئيس الثاني للولايات المتحدة الامريكية جون ادامز في افتتاح البيت الابيض في 30/10/1800 في رسالته الى زوجته. الا انّ امنيته لم تتحقق بالكلية وذلك بالرغم من انّ رجال عظام استقروا في ذلك البيت وساهموا في جعل العالم افضل.
لا اعلم ما كان سيقول الرئيس "دجون ادامز" لو وافى الى البيت الذي دشنه اليوم. لا اعلم ما كان سيقوله اذا ما قرأ كل سيل التغريدات التي يطلقها الرئيس "ترامب" كل يوم. وقد الغى كل الاعراف والاصول الدبلوماسية والسياسية المتبعة.
لقد اضحينا نعيش في عالم يقول فيه من يشاء اي شيء، في اي موضوع حتى لو تنافى ذلك مع الاسس الناظمة للمجتمعات والحقيقة. فالمهم ان يكون لما يقول ترجمة مالية مباشرة حتى لو على حساب المجتمعات والحضارة والانسانية. وليمت من يموت حتى لو تمت ابادة الانسانية. فالمهم استدامة المصلحة والعقود.
نحن نعيش في مرحلة كل شيء فيها معد للاستهلاك حتى الرؤساء وتصريحاتهم وافعالهم. وكل شيء معد للاستغلال والاستثمار حتى الجرائم. ما عاد من اصول لأي مهنة او اي سلوك. وما عاد الملك يمثل الله، ولا الرئيس حافظ للقيم التي تنظم التبادل والتفاعل. ما عاد مطلوبا من الرئيس ان لا يكذب، وان يحترم النظم. ما عاد الرئيس افضل ما يحلم البشر به من طينة البشر. ما عاد الاقرب بينهم الى الكمال. فالعصر ما عاد ينتج بشرا تشبه الالهة بالنسبة الى شعوبها. صار الرئيس يرى نفسه رجل اعمال مؤتمنا على المحفظة لا بل السلة الاستهلاكية. ليس الرئيس ترامب حالة معزولة بل انه العصر. فالمهم ان تسير عجلة الاستهلاك كي تبقى المصانع تعمل، وذلك بغض النظر عن الوسائل المتبعة. نعم ما عادت للأهداف النبيلة وسائل نبيلة. والاهداف تتلخص بتخفيض البطالة ولو على حساب الاستدامة والسلم والسلام على الكوكب. اضحت مصلحة ما بين الحدود الانية تتحكم بكل شيء، حتى بالسلم العالمي وباستدامة النمو وبريادة الدولة.
تردى الاداء وتراجعت النوعيات على كل المستويات. قلة الرؤساء الذين بميراثهم واخلاقياتهم وطلتهم وسلوكياتهم مازالوا يذكرونك بمن هو فوق. قلة اولئك الذين تشعر بانهم معجونون بشيء من الكمال. قلة قليلة هم. وكأنهم صاروا ينتمون الى العصور الغابرة. حتى موسيقى الروك شرّعت في الكنائس التي كان ينظر اليها بانها محافظة.
بدأت تزول عن عالمنا الصبغة الملوكية لصالح الشعبوية. العادات صارت مخلفات، والقيم وجهة نظر. وما وراء الحدود سوقا او مكبا.
اشعر بالمرارة لانّ الولايات المتحدة التي نكتشفها اليوم ليس الولايات المتحدة الامريكية التي اعتقدنا باننا نعرفها. ما عادت تنطر القيم وتحرس الحضارة. نعم ما عادت حارسة الانتظام والسلام والسلم العالميين. اشعر بالمرارة الشديدة لانّ القامات تقزّمت والهامات ندرت. وكأنّ كلّ شيء جميل على الكوكب يتهاوى.
العالم تغيّر، ويتغيّر كثيرا. النظام العالمي يتهاوى، وكل شيء يتغيّر.
اين نجد من يشبه احلامنا، اين نجد من ينقذ العالم ويمنع سقوطه الكلي؟
من يحفظ الاجيال المقبلة، ويعمل لعالم افضل ابعد من منظومة الحدود، فلا تصير الحدود حوائطا والتنمية فقاقيعا؟
من يعيد الحلم الى الكون، من يعيد المثالية الى حياتنا، فلا تعريه الواقعية المفرطة، ونصير نخشى من عرينا وعري ساستنا؟
اين نجد قادة، لا بل الى اين نرسل هذا الفائض غير القابل للتدوير من الساسة الذي يضعون حسابات اليوم الانية فوق مصالح الاجيال القادمة؟
كيف نقنعهم بأنّ مصائر الشعوب على الكوكب تختلف عن مصلحة القطاعات الربحية التي تمسك بالناخبين؟
متى تتم الاستجابة لصلاة الرئيس "دجون ادامز"، فيجد العالم سلامه المفقود، والبيت الابيض رئيسه المنشود؟
ليس في الافق ما يؤشر الى نهاية هذا الكابوس لكن لن نتوقف عن الحلم والعمل لصنع عالم يشبه احلامنا.

  • شارك الخبر