hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - خالد القشطيني - الشرق الاوسط

مشاكل اللغة أم مقالبها؟

الأحد ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٨ - 07:39

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

كثيرا ما أتعجب -ونحن المتعلمون- أننا نحتاج لمن يفسر لنا النصوص التي نقرأها، فأقول الله بعون الفلاحين البسطاء الذين يقتضي عليهم فهم ما نكتب، ولا سيما كل هذا الشعر الحديث الذي يحتاج لمترجم ويسهل فهمه بالإنجليزية أكثر مما يمكن فهمه بالعربية. تمخض هذا المأزق عن كثير من المقالب الريفية، ولا سيما في العهود الثورية.

بعد أن أقدم الرئيس عبد السلام عارف على تأميم الكثير من المؤسسات، اجتاحت الأوساط التجارية في العراق موجة من الرعب، وعلى الأخص في القطاع الخاص. خطر للرئيس الراحل أن يبدد هذه المخاوف. لكنه بدلا من إلقاء خطبته في الموضوع على التجار وأصحاب الشركات، خطب للفلاحين هناك فقال إنه سوف يدعم القطاع الخاص. استجاب لكلمته أحد الفلاحين صارخا: «سيدي ادعمه واكسر راسه!».
وهو ما تلقاه من جواب الرئيس التونسي بورقيبة عندما ذهب لمنطقة مشابهة في تونس بصحبة زوجته السيدة وسيلة، فألقى خطابا يؤكد فيه على عادته على ضرورة تطوير البلاد قائلا إنه سيبذل كل جهوده لتنمية الزراعة بكل وسيلة. ما أن قال ذلك حتى دوى هتاف الحاضرين: «تعيش وسيلة، تعيش وسيلة!» وصفق الجميع للهتاف؟ ولا شك أن السيدة وسيلة أيضا قد استمتعت بهذا الدعاء الكريم.
طبعا لست واثقاً من مصداقية كل هذه القفشات ولكن الدرس منها يتعلق بقابلية اللغة للتأويل وإساءة الفهم.
ومن ذلك أيضا ما تغنى به الفلاحون في العراق في عهد عبد الكريم قاسم. استاء المؤمنون بالديمقراطية والشرعية من التصرفات الفردية التي أخذ يبديها الزعيم الأوحد، فقرر كامل الجادرجي تجميد نشاط حزبه، حزب الوطن الديمقراطي. لم يستسغ ذلك الشيوعيون ونظروا إلى الخطوة كبادرة ومؤشر لموت الديمقراطية فخرجوا في مظاهرات تنادي «جبهة، جبهة وطنية، لا تجميد ولا رجعية». راحوا يدعون لذلك في عموم البلاد بما فيها المناطق الريفية «لا تجميد ولا رجعية». تلاقف الفلاحون هذا الشعار وراحوا يرددونه في أحيائهم بهذه الكلمات: «جبهة وطنية، لا تجنيد ولا رجعية».
والظاهر أنهم رددوا ما كان في أنفسهم من رغبة دفينة في عملية قلب سيكولوجية. ولو كنت هناك لانضممت إليهم. فعندما أنظر للوراء أجد أن السلطة ارتكبت خطأ جسيما عام 1936 في فرض التجنيد الإلزامي بدلا من التعليم الإلزامي.
المفارقات اللغوية كثيرة عندنا، ولربما وقع الكثير منها بسبب عدم التحريك والتأشير على الكلمات، ويقال مثل ذلك من الارتباك والخلط بين قلب وانقلاب. لاحظ القوم شرطيا يجري وراء صبي هارب من قبضته. فتدخل أحد المحسنين وتحدى الشرطي، «على إيش انت تركض وراء هالصبي؟» أجابه الشرطي قائلا: «هذا الصبي يريد يقلب الحكومة!» قال له الرجل: يعني الحكومة هي برميل وساخات حتى يقلبها؟

خالد القشطيني - الشرق الاوسط

  • شارك الخبر