hit counter script

باقلامهم - مازن عبّود

قراءة في اسباب وتداعيات وانعكاسات الثلاثاء الاسود

الثلاثاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٨ - 06:12

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

في بلدتي عمارة قرميد كبيرة (من الاكبر في لبنان) قيل بانّ تاجر قطن كبير عاش وعمل في الولايات المتحدة الامريكية من آل عبد النور قد بناها. قبل ان يفقد ثروته في مثل هذا اليوم من العام 1929 (التاسع والعشرين من شهر تشرين الاول). وذلك على اثر انهيار الاسهم في السوق المالية في وول ستريت في الضاحية المالية من مدينة نيو يورك.

قيل لنا بانه وعلى اثر ذلك توفي. ولم يجد اهله المال الكافي لدفنه كما يليق. لم يكن هو الضحية الوحيدة للكساد العظيم الذي عرف ايضا بالثلاثاء الاسود والذي تسبب به كساد البضائع المعروضة في السوق. بل كان واحدا من كثيرين. الاسباب المباشرة للازمة تلخصت ب العرض الذي كان اكبر بكثير من الطلب. فالعالم خرج من الحرب العالمية الاولى منهكا.
التهمت وال ستريت في ذلك اليوم ما يقدر بأرقام اليوم مائتي وتسعين مليار دولار امريكي. ما حصل في الحي المالي من مدينة نيو يورك في ذلك اليوم رسم مصيرا اسودا للعالم. وكان له الفضل في ايصال هتلر والكثير من زعماء الدول الى السلطة في اوروبا في تلك الفترة.
مما لا شك فيه بانه وبحسب جيفري ساكس فانّ الكساد العظيم كان من تداعيات الانتقال من المجتمعات الزراعية الى المجتمعات الصناعية جراء الثورة الصناعية. بحيث انّ كل موجة تأتي مع ازماتها. فالسباق على الاسواق والموارد، والانتاج غير المتناهي كانوا في اساس ازمة الكساد التي اشعلت الحرب العالمية الثانية. التي تولدت عن نظام نقدي عالمي جديد يرتكز على الدولار كعملة عالمية مغطاة جزئيا بالذهب. وصارت كل العملات قابلة للتحويل اليه. ومع معاهدة البريتون وودس تضخم القطاع المصرفي على حساب سائر القطاعات الانتاجية. وتحوّل الاقتصاد بشكل كبير الى وهمي. فكان ان تظهرت ازمة 2008 التي لم ولن تنه. وقد كان احد ضحاياها نسيب لي لم يقم بعد من وهدتها.
يصل الرئيس ترامب الى اوروبا بعد ايام للاحتفال بمئوية نهاية الحرب العالمية الاولى. يصل الى القارة الهرمة على وقع استفاقة وحش القومية الذي ينذر بمشروعات حروب جديدة. فمعاهدة "بريتون وود" التي غدر بها من اهل بيتها على اثر حرب فيتنام. فكان ان حرر الدولار كليا من التغطية الذهبية. ما عادت مقبولة من قبل الكثير من الدول وفي مقدمهم الصين وروسيا...
دول بدأت تبحث عن مطارح لها في النظام النقدي العالمي والساحة الدولية مع تعاظم قدراتها الاقتصادية. وما عادت التداولات النفطية بالدولار كفيلة لوحدها بضمان استمراريته وسيادته وطغيانه. اني اعتقد بانّ تراجع ادوار الولايات المتحدة الامريكية الدولية، وبدء تخليها عن مسؤولياتها العالمية لن يخدم في المدى البعيد الدولار واستدامته كعملة دولية. الضامن الوحيد للنظام النقدي يبقى الماكينة العسكرية العملاقة التي تصون وتحمي الدولار و مطابعه.
انّ ارتباط الدولار بحجم التبادلات النفطية يفسر العرقلة الامريكية لأي جهد عالمي يسعى الى الاستغناء او الحد من استهلاك الوقود الاحفوري. فالولايات المتحدة الامريكية على ما يبدو غارقة وترفض الخروج من عصر النفط. وهي تشد العالم اليه، في كل مرة يحاول اركان المجتمع الدولي الخروج منه، ورسم عصر جديد اكثر استدامة ونظافة. فما زلنا ندور في فلك موتور الاحتراق الداخلي وثورته.
أتمنى لو انّ ازمة الكساد المالي "تنذكر وما تنعاد". وآمل ان نتعلم من تلك الازمة فصولا ودروسا. فلا تتولد الحروب حروبا باردة وساخنة، والازمات كوارثا وازمات. فيعود التوازن الى القطاعات الاقتصادية. ولا يتورم قطاع على حساب سائر القطاعات المنتجة. وذلك كي يبقى الاقتصاد العالمي في الحقيقة ولا يدركنا الوهم. فيلتهم الوحش واللايقين اموالنا ومقدراتنا وثرواتنا ومعيشتنا. ويتكرر الثلاثاء الاسود بنسخة جديدة واقمصة جديدة. فتصير حاراتنا وبيوتنا تخبر قصصا مفزعة، كقصة الحارة القرميدية في دوما.
الخوف اليوم يكبر لانّ من يتحكم بالأسواق قد كبرت سطوته. الخوف يتعاظم من ان تتكرر الازمة لانّ طمع القلة لم يتبدل. لا بل انّ الضحايا كبرت اعدادهم، وتأثيرات الاسواق المالية على الدول ازدادت بشكل غير مسبوق. كما اننا على ابواب تحوّل كبير، وانتقال من المجتمعات الصناعية الى الاقتصاد المعرفي.

 

  • شارك الخبر