hit counter script
شريط الأحداث

خاص - جوزيف حبيب

مخيّمات الجحيم!

الثلاثاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٨ - 06:09

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لطالما شكّل الوجود الفلسطيني عامل عدم استقرار على الساحة اللبنانيّة الداخليّة، فمنذ "النكبة الفلسطينيّة" كُتب للبنان أنْ يسلك "درب الجلجلة" ليُعلَّق على "صليب الموت" يوم 13 نيسان 1975، بعد سنوات من تجاوزات الفدائيّين الفلسطينيّين وحلفائهم، وما رافقها من مناوشات وتوتّرات وخطف وجرائم متنقّلة... أوصلت البلاد في نهاية المطاف إلى حرب دمويّة ما زلنا ندفع ثمنها حتى يومنا هذا.

برزت إلى الواجهة في الآونة الأخيرة الاشتباكات المسلّحة في مخيّم المية ومية للاجئين الفلسطينيّين بين حركة "فتح" و"أنصار الله"، لتفرض إعادة فتح ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيّمات وخارجها في لبنان على مصراعيه من جديد.
لبنان لم يعد يحتمل، إضافة الى مشكلاته التي لا تُعد ولا تُحصى، عبء الوجود الفلسطيني الديموغرافي والسياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي... وإنْ كان الوقت قد حان لايجاد حلّ نهائي لهذه القضيّة الشائكة، لكنّها تبقى مستعصية لتداخلها مع معطيات محلّية وعوامل إقليميّة وظروف دوليّة، خصوصاً في ظلّ الحديث عن "صفقة القرن" وتداعياتها السلبيّة المحتملة على لبنان. إلّا ان المطلوب بالحد الأدنى اليوم، ايجاد "صيغة واقعيّة" لنزع السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات في مرحلة أولى، تليها "سحبه" من داخل المخيّمات في مرحلة لاحقة، رغم فشل "طاولات الحوار" السابقة في تحقيق هذا الهدف.
لا يجوز الاستمرار في اعتماد أنصاف الحلول عند مقاربة موضوع السلاح الفلسطيني، لأنّ هذه السياسة ستتسبّب لاحقاً في تفاقم المشكلة وخروجها عن السيطرة عند أيّ استحقاق كبير، كما حصل في مخيّم نهر البارد سابقاً. لقد باتت المخيّمات الفلسطينيّة معقلاً لعدد من الجماعات الجهاديّة والاسلاميّة المتطرّفة، لتُضاف الى الفصائل الفلسطينيّة التقليديّة المتواجدة منذ زمن اللجوء، والتي ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بدول وجهات وتنظيمات وجماعات، تتخطّى حدود السيادة اللبنانيّة وتتعارض مع مصالح لبنان الوجوديّة والحيويّة، وهذا ما يجعلها بمثابة "حصان طروادة" لنقل رسائل إقليميّة معيّنة أو لفرض أمر واقع ما، باستخدام "الورقة الأمنيّة" في لعبة خطرة وقذرة يُصبح فيها لبنان كصندوق بريد أو كساحة لتصفية حسابات لا نُريد ان تكون لنا علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد.
المطلوب من أيّ حكومة مقبلة وضع استراتيجيّة فعّالة ذات أوجه سياسيّة وديبلوماسيّة وعسكريّة وأمنيّة، وخريطة طريق واضحة المعالم، لنزع السلاح من أيدي الفلسطينيين والقضاء على "بؤر الإرهاب" والتخلّص من "القنابل الموقوتة" المنتشرة على طول الخريطة اللبنانيّة، والتي قد تنفجر في أيّ "توقيت مشبوه" يتناسب مع "مصلحة" خارجيّة ما تكون بطبيعة الحال متعارضة مع "مصالح لبنان العليا". وإغلاق ملف السلاح الفلسطيني قد يُسهّل مستقبلاً ايجاد حلّ جذري لأيّ سلاح لبناني غير شرعي في لحظة إقليميّة - دوليّة مؤاتية.
لا "خطوط حمر" حول أيّ مخيّم أو فصيل فلسطيني مسلّح. "الخط الأحمر" الوحيد الذي يجب أن ترسمه السلطات اللبنانيّة في هذا الإطار، هو حرّية وأمن وكرامة ورفاهية المواطن اللبناني وحصريّة السلاح بيد "الشرعيّة اللبنانيّة" وبسط سلطتها على كامل التراب الوطني.
من أبسط حقوق القرى والمناطق اللبنانيّة التي تُجاور "مخيّمات الجحيم" ومناطق انتشار المسلّحين خارج المخيّمات، أن تتمكّن من العيش بأمان وسلام بعيداً من الخوف المستمرّ من "الفدائيين الجدد" ومعاركهم وارتبطاتهم وحساباتهم ومصالحهم... ومشاهد الذبح والقتل والتنكيل والتهجير ما زالت ماثلة في "الذاكرة الجماعيّة" للسواد الأعظم من الأهالي الذين هُجّروا على يد الفلسطينيين ابّان الحرب الأهليّة.
المية ومية، العيشيّة، الدامور... دفعت أثماناً باهظة جدّاً وجروحها لم تلتئم بعد. لسنا اليوم في وارد فتح صفحات الماضي الأليم، لكنّنا نُريد حلولاً جذريّة تُجنّبنا الوقوع في "التجارب الدمويّة" مرّة أخرى، فمن لا يتعلّم من عِبَر التاريخ ومآسيه لن يستطيع "صناعة" مستقبل واعد للأجيال المقبلة.

  • شارك الخبر