hit counter script
شريط الأحداث

الحدث - مروى غاوي

حكومة الحريري الثالثة..."غالب ومغلوب"

الإثنين ١٥ تشرين الأول ٢٠١٨ - 06:08

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

كانت الساعات الأربع والعشرين الماضية الأكثر دقة وإرهاقاً على رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري وهو يبحث في أدق التفاصيل لإنهاء العقدة التي وصفها بالصغيرة أمام ولادة الحكومة. تفاؤل الحريري كان حذراً رغم إصرار كل المكوّنات السياسيّة بأنّ الحكومة على وشك أنْ تُبصِر النور ولكنّ الرئيس المكلّف "يئس" من تحديد المواعيد ومع ذلك تحدّث عن أنّ الجميع قدّم تنازلات من أجل الحكومة فما هي هذه التضحيات وكيف تتوزّع على الأفرقاء؟
في الظاهر يبدو الأمر مثالياً لجهة القول إنّ كل الأطراف قدّمت تسهيلات في الساعات الماضية. ولكن عند الغوص في تفاصيل إنجاز الحكومة يظهر أنّ أطرافاً تمكّنت من تسجيل انتصارات على حساب أفرقاء آخرين. "التيّار الوطني الحر" يصحّ وصفه بأنّه الرابح الأكبر في التشكيلة الحكوميّة، فهو نجح في رسم خطوط حُمر ممنوع الاقتراب منها في خصوص وزاراته (وخصوصاً الطاقة والخارجيّة) التي قرّر الاحتفاظ بها. وفرض شروطه التي تتضمّن الحصول على سياديّتين واحدة له وأخرى للرئاسة الأولى وعلى وزارات وازنة وأساسيّة وبذلك حرم "القوّات اللبنانيّة" منها وحاول أنْ يتمدّد الى وزارة الأشغال العامة لينزعها من "تيّار المردة" قبل أنْ يتدخّل "حزب الله" لحماية حليفه سليمان فرنجيّة. وعليه فإنّ رئيس "التيّار" جبران باسيل، وفق أوساط مراقبة، لم يخطئ عندما تحدّث أمام طلاّب جامعة اليسوعيّة عن انتصار حكومي لـ"التيّار" سيأتي بعد فوزهم في الانتخابات الطالبيّة. فحصّة "التيّار" ورئاسة الجمهوريّة من الوزارات السياديّة والخدماتيّة لا تقارن بالحصص المسيحيّة الموزّعة على الآخرين.
"القوّات" أدركت منذ اللحظة الأولى لبداية المفاوضات الحكوميّة أنّ حصّتها في الحكومة ستكون متواضعة. وبعد معاناة طويلة ومشقّات لنيل حقائب مسيحيّة متعادلة مع حليفها "التيّار" الذي رسم خطة إحراجها في نوعيّة الوزارات لإخراجها من الحكومة، نجد أنّ عقدتها استمرّت لتكون آخر العقد الحكوميّة إذ أرادت "القوّات" منها أنْ تحصل على حقيبة العدل بعد نيلها منصب نائب رئيس مجلس الوزراء. إلا أنّ تشبث "تيّار المردة" بالأشغال العامة حال دون حصول "التيّار الوطني" عليها وانتقال العدل إلى "القوّات" فيما كان صعباً على الآخيرة الحصول على حقيبة التربية والتعليم العالي لأنّها آلت إلى "الحزب التقدّمي الاشتراكي".
"تيّار المردة" كاد أنْ يكون وضعه الأسوأ على الإطلاق وبقي ملتبساً إلى أنْ أعطي الضوء الأخضر وإشارات تطمينيّة لوزير الأشغال يوسف فنيانوس الذي كان تعرّض لهجوم عنيف في الأسابيع الأخيرة من "التيار الوطني". وهكذا ربح سليمان فرنجيّة معركة المحافظة على مكتسباته الحكوميّة السابقة ليفوز على القوى السياسيّة التي أرادت سرقة حقيبة الأشغال منه كونها حقيبة خدماتيّة ومن الحقائب الوازنة، ولها مخصّصات كبيرة من مؤتمر "سيدر".
وفيما حافظ رئيس المجلس النيابي نبيه برّي على حقيبة الماليّة من ضمن الحصة السياديّة لـ"حركة أمل" فإنّ "حزب الله" يُسجّل حضوراً نوعياً بالدخول إلى الحكومة الحريريّة الثالثة. فليس تفصيلاً عادياً أنْ يحصل الحزب على وزارة الصحّة التي تُخصّص بخامس أكبر حصّة في الموازنة العامة وفق الترتيب اللبناني للحقائب، وفي وقت أقرّ فيه الأميركيون عقوبات طالت موارد تمويل الحزب وتهدّد شخصيّات لبنانيّة بعد توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على دخولها حيّز النفاذ.
من جهة "الحزب التقدّمي الاشتراكي"، أنجز رئيسه وليد جنبلاط كعادته أفضل التسويات مع قصر بعبدا في خصوص المقعد الدرزي الثالث.
أما "تيّار المستقبل" فقد حافظ على الـ"ستاتيكو" الحكومي السابق في ما يتعلّق بالحقيبة السياديّة مجدِّداً حصّته بوزارة الداخلية، وبالاحتفاظ بالحقيبة الخدماتيّة الأقوى ألا وهي وزارة الاتصالات التي لها قُدُراتها التوظيفيّة، والتي رفض الحريري التنازل عنها في "بازار" تبديل الحقائب للتعويض على "القوّات". والواضح أنّ الرئيس المكلّف، ورغم اللحظات الصعبة التي مرّت بها حكومته خلال مرحلة التفاوض، بقي متصلّباً في حصّته السُنّية رغم كل الضغوط، رافضاً توزير السُنّي السادس من بين أعضاء "اللقاء التشاوري للنوّاب السنّة المستقلين" لحسابات تتعلّق بالوضع الداخلي لـ"تيّار المستقبل".
تنازل الرئيس المكلف الأبرز حصل في السياسة عبر قبوله في مشاركة "حزب الله" ومنحه حقائب أساسيّة بعد التزام التهدئة معه من باب "المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان" وتعبير الحريري عن رفضه الانتقام في محاولة تغليبه خيار الاستقرار والمصلحة العامة إذ إنّ الأفضليّة بالنسبة لرئيس "المستقبل" إنجاز الحكومة مع الحزب بعدما ثَبُتَ أنّ لا حكومة من دون الشراكة الوطنيّة مع حارة حريك.
حكومة الحريري الثالثة كان من المقدّر أنْ تكون حكومة المحافظة على التسوية والتنازلات من قبل الجميع فرئيس الحكومة يريدها حكومة عمل منتجة لكنّ الأرجح أنّ الحكومة عندما تُبصِر النور سينطبق عليها القول إنها "حكومة غالب ومغلوب" وليس "حكومة لا غالب ولا مغلوب" المتعارف عليها.
 

  • شارك الخبر