hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - جوزف قصيفي

وداعاً أيها الفؤاد الباكي

الخميس ١٥ تشرين الأول ٢٠١٨ - 18:33

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

رقد فؤاد ابي صالح بهدؤ، وانسحب من دائرة الحياة الى الظل بخفة الفراشة ، حييا، بعدما ملأ دنياه عطاء بانيا عكس ثقافته الشمولية ، وعقله الراجح، وحسه الانساني المرهف ، وزهده بالمادة، مكتفيا بما قسمه الله، وما اسبغه عليه من نعم طبعت شخصه المتواضع، وانسحبت على سلوكياته في عمله اليومي، واسلوب تعاطيه مع الناس. لم تغره المناصب، ولم تسكره الاضواء، او تصرفه مخالطة الكبار من اصحاب القرار، عن الاندماج في المجتمع، وتقصي ما يفتك به من علل. فراح يجترح الحلول -عندما فتكت الحرب بالوطن الذي احب- ويسعى لاستنقاذ قطاع الصناعة عندما تهاوى بفعل الحرب والاعمال العسكرية، واضعا الخطط التي تنم عن عبقرية قل ان توافرت في شخص زاده العلم والاخلاق، والاستشراف ، واحاطة نادرا ما اوتيت لفرد لم يرث الا عصامية تكللت بالاجتهاد وعرق الجبين، ومركوزة في سعة افق ، هي سمة الكبار. جمع اتضاع البنفسجة الى اريجها الذاكي الذي يتسلل الى القلوب قبل الانوف.
كفاه كثلج صنين، جبينه شمخة ارز في راسيات القمم. كان لبنان اغنية على لسانه، وخفقة تغشى منه الفؤاد، لا يخشى في الحق لومة لائم، وغالبا ما كان يصدح به ولو في حضرة اعتى السلاطين جورا.
ادركه المرض فقاومه بارادة الحياة، واصابه الدهر ممتحنا صلابته عندما اختطفت يد المنون فلذة كبده الشاب ، وكان طبيبا واعدا ، فكان الوقع قاسيا، لكنه لاذ برحمة ربه ، بعدما خط بدمعه ازاء هذه المصيبة البكماء: " يبكي بعضي على بعضي معي".
زاده الحزن انطواء، واستسلم لاوجاعه بصبر ايوب.
رجل التصميم صمم ان يكون الهزيع الاخير من حياته مناجاة صامتة مع ربه، واتحادا اراديا مع آلام يسوع، مجتازا جلجلته الارضية، منطلقا الى آلاب السماوي ، ملاقيا وجهه، معانقا نجله بعدما استبدت به برحاء الشوق اليه.
في يوم رحيلك للرقاد الاخير في بلدتك البترونية التي تحتضنتك تربتها الندية ذات يوم تشريني باك ، تفتقدك الادارة اللبنانية فارسا من فرسانها المجلين، والصناعة علما من اعلامها البارزين، والقضية اللبنانية واحدا من جنودها البواسل، هاتفة بحسرة والم: هذا ابني الحبيب الذي به سررت. فنم قرير العين يا مجبول الثرى، وليكن مثواك في جوار الصالحين الذي اطفأوا شمعة العمر على مذبح وطن تملأ ذاكرته الثقوب والجحود.
وداعا ايها الفؤاد الخافق بالوفاء في زمن عز فيه الاوفياء.

وداعا ايها الفؤاد الباكي 

  • شارك الخبر