hit counter script
شريط الأحداث

الحدث - دافيد عيسى - سياسي لبناني

كتاب مفتوح إلى جبران باسيل...

الإثنين ١٥ تشرين الأول ٢٠١٨ - 06:08

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

 

إلى رئيس "التيّار الوطني الحر"،
قد تكون من السياسيّين اللبنانيّين القلائل الذين لا تربطني بهم علاقة صداقة أو مباشرة، أو من السياسيّين اللبنانيّين القلائل الذين لم ألتقيهم يومآ إلا في مناسبات اجتماعية، وهذا ما يجعلني موضوعياً في ما سأكتبه وأقوله، مع الأمل بأنْ تتلقّف هذه الرسالة بكل رحابة صدر...
ما يدفعني إلى مخاطبتك هو كونك رئيساً لـ"التيار الوطني الحر" أحد أكبر الأحزاب المسيحيّة؛ وكذلك ما أسمعه من الناس وما ألمسه من أجواء خيبة وقنوط واشمئزاز نتيجة الانقسامات والخلافات بين الأحزاب المسيحيّة التي لم ولن تنتهي على الرغم من كل المآسي التي عشناها والتي لم تعلّمنا شيئاً.
وكذلك بسبب ما أسمعه وأشاهده ويشاهده معي ملايين الناس على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً بين جمهوري "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" من سجالات معيبة ومهينة وصلت في أحيان كثيرة لتطال الشهداء في قبورهم، وهذا يعكس انحداراً اخلاقياً مريعاً، كما أنّ لغة التخاطب تتّسم بالعنف والشتائم ونبش القبور وتطال الأعراض وهذا لا يمت بصلة إلى حضارتنا وثقافتنا وقيمنا...
بصراحة وصدق أتوجه إليك لأقول لك، إنّ الناس ما كانوا يوماً على هذه الحال من الاشمئزاز والقرف وعلى هذه الدرجة من الاضطراب والقلق على المستقبل والمصير منذ عودة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون من المنفى وخروج الدكتور سمير جعحع من المعتقل، بحيث صار لزاماً علينا جميعاً، وعلى الذين هم في موقع المسؤولية خاصة، البحث عن الأسباب التي أودت بنا إلى هذين "المسار والمصير" وعن المعالجات المطلوبة لوقف هذا الانهيار المريع، وايقاف هجرة خيرة شبابنا، والخروج من هذا الوضع الخطير ...
حضرة رئيس "التيار الوطني الحر"،
لا أجاملك القول إذا قلت لك إنك أبليت البلاء الحسن في معارك ومواقع عدّة كما لم توفّق بأخرى، وكنت السبّاق إلى طرح وإثارة الكثير من القضايا والملفّات الأساسية والمهمة على الصعيد الوطني ...
من يؤيدك في السياسة أو لا، ومن يحبك في الشخصي أو لا، لا بد له من الاعتراف بأنك فعلت وأنجزت الكثير، وكنت ولا تزال حركة لا تهدأ على المستوى السياسي الوطني.
- لقد كان لك دور أساسي في إعادة ربط المغتربين بوطنهم وفي منحهم حق الاقتراع للمرّة الأولى خلال انتخابات 2018 إضافة إلى حق استعادة الجنسيّة اللبنانيّة...
- كما كنت من المساهمين في ولادة قانون انتخابات جديد أثبت في أوّل انتخابات جرت على أساسه، أنه حسّن وصحّح التمثيل الشعبي والتوازن الوطني بشقيه السياسي والطائفي.
- كما كنت أوّل من سلّط الضوء على قضية وأزمة النازحين السوريين محذّراً من تداعياتها وخطورتها على وطننا، وداعياً إلى إيجاد حلول ومعالجات لاحتواء أخطارها قبل فوات الأوان.
- وعندما ظهرت طلائع تصفية القضية الفلسطينية بدءاً من إلغاء حق العودة وتعطيل خدمات وكالة "الأونروا" لم تتأخر في التصدي والرد عبر حملة ديبلوماسية وإعلامية بلغت ذروتها في اجتماعات نيويورك...
- وأخيراً وليس آخرآ، عندما أطلقت إسرائيل التهديدات والاتهامات ضد لبنان وأمنه ومطاره الدولي لم تتردد في اعتماد "الدبلوماسية الميدانية" وتعبئة الجسم الدبلوماسي في بيروت لدحض الادعاءات الإسرائيلية قولاً وفعلاً... فاستحقت خطوتك ومبادرتك التقدير والثناء من الخصوم قبل الحلفاء لأنها فعل وطني عكس حساً وطنياً وشعوراً بالمسؤولية وارتقى فوق الخلافات والتجاذبات السياسية...
حضرة رئيس "التيار الوطني الحر"،
أصارحك القول لقد كنت ناجحاً ومقداماً في أمور كثيرة على الساحة الوطنية، لكنك لم تكن كذلك على الساحة المسيحية الداخلية، ولم تكن في مستوى آمال وتطلّعات أبنائها التوّاقين إلى الأفضل ويرفضون العودة إلى الوراء وإلى زمن الانقسامات والنزاعات، والصراع على السلطة.
طبعآ ولكي أكون عادلاً وموضوعياً لا أحمّلك وحدك مسؤولية ما آلت إليه أوضاعنا، ولا أحد معفياً من المساءلة والمسؤولية وخصوصاً بعض رؤساء الأحزاب المسيحية. واليوم الجميع معني بتصويب الأوضاع وتركيزها على أسس ثابتة ومتينة، خصوصاً من هم في سدّة المسؤولية والمواقع المتقدّمة والصفوف الأولى، عليكم جميعاً وعلى عاتقكم تقع تبعات ما آلت إليه أوضاعنا كمسيحيّين، وعليكم أيضاً تقع مهمة تصحيح الوضع ومعالجة الخلل واحتواء التوتّرات والإحباطات السياسيّة والمعنويّة على الساحة المسيحيّة.
وهنا اسمح لي أنْ أسألك :
- لماذا لديك القدرة والرغبة في تسوية وتصحيح علاقاتك مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري وقبله مع الرئيس المكلّف سعد الحريري، وحديثاً مع "الحزب التقدّمي الاشتراكي" ورئيسه وليد جنبلاط وليس لديك مثل هذه القدرة والرغبة في المحافظة على علاقتك مع رؤساء "تيّار المردة" سليمان فرنجية، و"القوّات اللبنانيّة" سمير جعجع، و"الكتائب اللبنانيّة" سامي الجميّل؟
- لماذا يتّسم أداؤك بالانفتاح والاستيعاب والمرونة على المستوى الوطني ولا يكون كذلك على المستوى المسيحي؟
- لماذا تكون دائماً المشكلة عندنا كمسيحيّين والطابة في ملعبنا وندع للآخرين أنْ يلعبوا على تناقضاتنا ويتلطوا بخلافاتنا ليبرّروا التأخير والمماطلة؟
- كيف للمسيحيّين أنْ يثقوا برؤساء أحزابهم ومستقبلهم إذا رأوا التفاهمات والاتفاقات والمصالحات... "اتفاق معراب" الذي عوّلوا عليه وهلّلوا له ينهار ويعيدهم إلى أوضاع ومناخات لا يريدون العودة إليها وظنوا أنّها ولّت إلى غير رجعة، فيما كانوا ينتظرون أنْ تتّسع دائرة المصالحات لتشمل ( الكتائب والمردة) وأن لا تظل محصورة بثنائيّة؟
- أسألك أيضاً عن "الرئيس القوي"، هل ما يجري اليوم بين المسيحيين يصب في إنجاح وتثبيت مفهوم "الرئيس القوي" حتى يكون تجربة ناجحة وقاعدة متّبعة لا استثناء وسابقة لا تتكرّر...؟
نحن نريد "الرئيس القوي" ونريده أنْ ينجح، ولكن قوّة الرئيس وقوّة العهد تنطلق أولاً من بيته، وبيته ليس "التيّار الوطني الحر" فقط بل مجموع المسيحيّين باتفاقهم واتحادهم في ما بينهم والتفافهم حول رئيس الجمهوريّة ليكونوا البيئة الشعبيّة الحاضنة التي يلوذ بها وإليها، والأرض السياسيّة الصلبة التي يقف عليها.
قوّة العهد من قوّة المسيحيّين كل المسيحيّين وقوتهم في تضامنهم وتفاهم وتعاون أحزابهم وعائلاتهم وشخصيّاتهم المستقلة على أساس الاعتراف والاحترام المتبادل... هذا هو الأساس والباقي تفاصيل...
حضرة رئيس "التيار الوطني الحر"،
إسمح لي في الختام أنْ أقول لك إنّه في حال استمر الوضع على ما هو عليه من تشرذم وانقسام، والكلام موجّه للجميع، لن يبقى شعب لتحكموه، وستندهون ولن يجيبكم أحد، وستخطبون ولن تجدوا مصفّقين، حتى المدّاحين سيرحلون، وستجدون نفسكم وحدكم من دون شعب ولا ناس، ولن يبقى أحد لتتزعّموا عليه، وعندها لن يعود ينفع الندم.
 

  • شارك الخبر