hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

برلين ساحة العالم

الثلاثاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٨ - 06:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

اتيت الى بلاد بسمارك كي اعاين كيف يتمكن الحاكم من سماع وقع خطوات الله واللحاق به متجولا في التاريخ. اتيت كي اعاين كيف يمسك المسؤول بأطراف هدب ثوب روح الكون والمشي في الحق وفي ظلال الحق، كما قال بسمارك يوما.

برلين لقد أتيتك قبيل ذكرى إعادة انتصابك موحدة من رماد الحرب. اتيت كي اعاينك نسرا ما أراد الاستسلام للموت والحوائط والحروب الباردة والساخنة. غلبت الحرب الباردة يا برلين. وتكسر فيك حائط الذل. فصرت رمزا للتحرر والقيامة.
آه منك. فحائطك غيّر العالم حين انتصب، وغيّر العالم حين سقط. قيامه كان نتيجة انفاذ خطة مارشال التي افضت الى حروب باردة في الشكل وحامية في الجوهر.
جدار خوفك ستر المعسكر الشرقي من تداعيات تلك الخطة، التي شاءت ان تسقط الأوراق عن النظريات. ارادت ان تسخف ما يعارضها. فبان غربك في ازدهار بينما بقي الشرق غارقا في الفقر والدمار.
لكن لولا الشرق وايدولوجياته والخوف منها، لما كانت الخطة وكان الازدهار. سقط حائطك حين بني. فكل ما هو من خوف يسقطه نور النهار.
برلين يقولون بانك ساحة العالم. فمنك خرجت الحروب، ومن حطامك تظهّر العالم في نسخاته المختلفة.
أتيتك كي انظر الساحة. اتيتك باحثا كي اعاين كيف بدأ الناتو يسقط بفعل رغبة من خلقه. وكيف عاد العالم يتصدع والجدران تبان من بقايا جدارك.
نعم، في ميادين هتلر المدمرة اتيت ابحث عن سلم خرج من اكوام الردم التي بلغت خمس وسبعين مليون طنا مع نهاية الحرب.
تدمّرت بغالبيتك. وابيد الكثير من شعبك. وما تبقى يخبر قصصا مؤلمة من قصص العالم.
برلين يا ناهضة من الدمار. يا مدينة تبحث عن نفسها، بنفسها في ركام ماضيها وكنف حاضرها عن غد مشرق.
برلين اتيتك زائرا كي ألقي التحية على الرئيس كندي الذي أحب، وكلّ من احببناه في الغرب الذي كان غربا. والغرب صار اليوم على غروب كما يقولون، أخشى.

وقفت حيث وقف الرئيس كندي وخاطبت الجدار المكسور والمهزوم. وقفت ولعنت كل الحوائط ومن يصنعها. فأنا متمسك بالعالم المفتوح والحدود المفتوحة. انا متمسك بالتنمية والسلام وبالخصوصية والمحبة.
أبلغت بقايا الجدار بانّ سقوط الغرب بدأ حين تفلتت الرأسمالية وصارت اليد الخفية تمحو المساواة والناس المنسية. فأنتعشت نظرية ابنك ماركس. تفلتت لمّا زال من كان يرعبها ويرعبنا. فهذا العالم لا يسير بفعل المحبة بل بقوة الاطماع والمخاوف.
برلين تبقين بالنسبة لي، انتصار ذاك الطفل الشهيد على الجدار لبيت امه. وقد قتل، هو يحاول ان يعبر الى الضفة الأخرى. حاول ان يوافيها من وراء جدار. فوصل الى ضفة الديار. خطفته نيران جندي الحدود. حاول ان يغلب الجدار فغلبه لكن الى حين. لأنه عاد بقصته فهدم الحائط والموت.
على حائطك وقفت وتذكرت حضارة الفحم الحجري والحديد التي صنعت لنا ثورة وحضارة.
على حائطك وقفت، وفي شوارعك سرت حاجا مع عائلتي على دروب النجاح والفلاح ودفن الماضي غير القريب.
وقفت هناك طويلا وقررت ان احمل من سورك قطعة الى لبنان علّك تحلين فيه. نهضة بعد كل وقعة، ومكان لقيا وعمل وجدية.
قرفنا يا برلين من الخمول والاركيلة والفساد وعقد الماضي.

برلين جئتك في بدايات أكتوبر. وأكتوبر بالنسبة اليك شهر العودة الى الذات وانتهاء الفرقة والانقسام. اتيتك علّني احمل من شهرك نفحا جديدا لبيروت.
وقفت على بوابتك العظيمة. وخاطبت اباطرتك وليم وغاليوم وفريدريك. فساد صمت في الكاتدرائية حيث يستلقون.
في شوارعك تجوّلت التقط أصوات موت واستغاثة وحياة.
نعم، على بوابتك العظيمة وقفت اتأمل الاحصنة تجر العربة التي ما توقفت يوما عن المسير.

برلين احببتك لأنك من الحياة. قلة هي المدائن التي صارت القصة كل القصة. قلة هي المدائن التي داست على الأيام كي تعبر الى الحاضر الملفت بفكر جديد. قليلة المدن التي تحوي العالم، كل العالم. فكان ان صارت ساحة العالم وقلب العالم.
ما هذا الخليط الغريب والمثير ما بين الماضي والحاضر يا برلين؟
ما كل هذه الحلاوة والسحر يا برلين؟
إني سألتك، فأجيب يا مدينة الجد والسياسات.
اتوق لبلد يكون من خميرك العجيب.
اتوق لشعب يتعلم منك في الوطنية والجد دروسا.
غدا امضي عنك، وطيفك لن يغادرني.
غدا امضي، وستبقين في بالي قصة لمدينة غلبت القدر. وصارت في دنيانا الخبر.


 

  • شارك الخبر