hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

قيامة بلد

الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠١٨ - 06:12

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

"خطة نفايات، لا خطة نفايات". "حكومة لا حكومة". " رئيس قوي ام توافقي او...". عناوين واقوال سمعناها كثيرا. والمشكلة بانّ الايام اظهرت بانّ الحكم كي يستقيم يحتاج الى اكثر من رئيس. فالمشكلة ليست مشكلة مواصفات رئيس وقدرات، بل هي ابعد قليلا من ذلك.

اننا لم نتمكن ببساطة من ايجاد الانموذج المناسب في كل عهود ما بعد الطائف ولا حتى قبله. نبحث عما لا نجد. نبحث عن غير المتوفر لاننا لا نعرف ماذا نريد بالحقيقة.
ترانا نتسلق جبال النفايات كي نلقي من على قممها الخطابات. ونحتج اذا ما اراد او حاول احد غيرنا ازالتها. نفشله ونسخفه. فالمشكلة مشكلة قطاف على كل المستوايات حتى في القمامة. نحاجج بأنواع الملائكة، ونخلق ازمات وتخوفات كي نقول باننا هنا حتى ولو على حساب الحل. ومن ثمّ نشتكي من استمرار الازمات والوضع.
نرقص التانغو مع الحكام والوزراء والرؤساء ونصنع واياهم بالتضافر والتكافل المشكلات والازمات. ونروح نشكو منهم. نرشقهم في الكثير من الاحيان. لا لانهم اخطأوا فقط بل لانهم سرقوا عنّا الاضواء. ونروح نصنع احداثا تعيدنا الى ضوء الاعلام. فالحياة مرتبطة بالنسبة الى الكثيرين بأضواء الكاميرات.
ننتقدهم في الكثير من الاحيان لا لانهم اخفقوا بل لاننا نرغب ان نأخذ كراسيهم ومواقعهم. واذا ما وصلنا لا نختلف كثيرا عنهم. فالكرسي على ما يبدو في الكثير من الاحيان يحرك ولا يتحرك.
نصل وتصير عيوننا على الانتخابات المقبلة والحكومة المقبلة والعهد المقبل والرئيس المقبل. فنحرق اليوم الذي ما اوصلنا بسرعة في سبيل وهم الغد، مخافة ان يتكرر الامس. وكما يقولون: " قل لي ما تخشاه، ابلغك عن ماضيك". فندخل، وندخل البلد في دوامة. همنا كل همنا،ان نكسب الاضواء كي يقال بأنّ هذا الرجل انجز بقدرته ودفعه الذاتيين. نصنع كلاميا ونهمل الفعل. اننا قوم لا نعرف كيف نعمل كجماعة بل كأفراد وقبائل. لذا، فلا قيامة لجماعة وجماعات وبلد.
نلعن قانون الانتخابات. ونحمله مسؤولية الفشل وضعف الحوكمة وتدهور البلد. ونسعى الى تصميم وتفصّيل قوانين جديدة على مقاسات جديدة. ننسى بانّ المشكلة ليست كلها في القانون، اي قانون. ننسى بانّ المشكلة الاساسية هي في الناخب الذي حوّل نفسه الى مفعول به. والمفعول به لا يفعل ولا يغيّر بل يتغيّر. والتغيير لا يأتي نتيجة حياة او قدرة ذاتية او دينامية او تطور، بل بفعل زلزلة اقليمية ودولية تحرك جسدنا الذي اقعدناه.
نسترضي زعماء الامم. ونفتخر بهذا او ذاك من رؤساء الدول. فالتباهي بهم هو بدل عن ضائع فينا. بدل ضائع عن رغبة بالتغيير الحقيقي اضعناه في سوق بلدنا.
نستدعي العالم الى زاروبنا لاننا لا نعرف ان نتحرك بقوانا. ونستدعي معه الغيب. نستجدي العواصف والقوى الاقليمية والدولية كي تحركنا. فنشعر باننا احياء وبخير وبمأمن واقوياء حتى لو بسوانا.
ديمقراطيتنا من كلام، وبرامجنا كلام، ومشروعاتنا كلام في كلام. وحياتنا خطب وكلام. وكلامنا يدوّر ويستهلك ويرمى به. ويعاد تصنيعه.
يبدأ عهد جديد من صنعنا، وتشكل حكومة. وسرعان ما نبدأ ومنذ اليوم الاول بالتفتيش عن عهد جديد وحكومة اخرى. فكأننا في خصام لا ينتهي مع حاضرنا. فنروح نسأل العرافين عن خفايا الايام التي لن تعجبنا. نفوّت الحاضر في سراب المستقبل وفي دهاليز الماضي.
قلة عزيزة من البشر تفعل ما تقول. قلة عزيزة من البشر تترفع، ولا تسأل شيئا لنفسها. قلة لا تستجدي الاطراء والشهرة والاضواء وتعمل للحقيقة. قلة عزيزة تزعج وتنبه وتتبنى. وتفرح لغيرها. وتنوه بغيرها. وترى في انجازاته انجازات لها وللبلد. وتحمّل نفسها مسؤولية اخفاقاته، وتحزن له ولها. قلة تحاسب عن حق وبالحق. قلة قليلة مازالت حرة ومتحررة عن رغبة في السلطة تعميها، او في المال يدميها او في المصالح تخطفها.
لن ينهض البلد ما لم يصبح بعضنا على الاقل من هذه القلة. لن ينهض ما دمنا نتكلم بما لا نفعل. لن ينهض طالما اننا جميعا نستجدي الضوء. ونعري بعضنا البعض. وننهش من لحم بعضنا البعض. ولا نرضى ان نعيش واقعنا ونطوره.
 

  • شارك الخبر