يتربّع "التيّار الوطني الحر" على عرش أكبر تكتّل نيابي في مجلس الـ2018، وحكومياً لديه مجموعة من الوزراء والحقائب الدسمة ويتطلع إلى أكثر منها في الحكومة المقبلة، ويرى أنّه الأكثر تمثيلاً على الساحة المسيحيّة ولا "أحد غيره" يمثّل المسيحيّين. ولكنّ "التيّار" الذي يحتلّ هامشاً واسعاً على الساحة السياسيّة جعلته طرفاً أساسياً في عمليّة تشكيل الحكومة بتحديد الأحجام والحصص، بات فاقداً أصدقائه وتفاهماته السياسيّة السابقة.
التسوية السياسيّة مع رئيس الحكومة سعد الحريري هي من بين ضحايا التفاهمات. فهي أوصلت ميشال عون إلى قصر بعبدا وسعد الحريري إلى السرايا وأنتجت حكماً وتعيينات وإصلاحات سياسيّة ترنّحت في الآونة الأخيرة على وقع الخلاف الحكومي على خلفيّة مطالب التيار"المعظّمة" وتكاد ثنائيّة الحريري مع رئيس "الوطني الحر" جبران باسيل، التي أزعجت كثيرين، أنْ تصبح من الماضي لولا بقاء التواصل في إطار الواجبات والدبلوماسيّة السياسيّة.
التفاهم مع "القوّات اللبنانيّة" صار من الماضي أيضاً وتساقطت "أوراق التفاهم" على عتبة المطالب الحكوميّة. فمقابل ما طال "التيّار" من اتهامات بتحجيم "القوّات"، تعنّت الأوّل باعتباره أنّ معراب تطالب بما لا تستحق حكومياً.
وتدهورت كذلك العلاقة مع الحليف الاستراتيجي في بنشعي من جرّاء الانتخابات الرئاسيّة ولم تتحسّن بعد، حيث يسعى "التيّار" لانتزاع حقيبة الأشغال العامة من حليفه السابق ومنحه حقيبة عاديّة وفق الحجم الذي خرج فيه "تيّار المردة" من الانتخابات.
مع "حزب الله" اهتزّ التحالف أكثر من مرّة، ولكنّه لم يقع، في الانتخابات النيابيّة عندما خاض "التيّار" معارك قاسية في دائرة كسروان وجبيل وفي جزين، وفي مجلس الوزراء اصطف وزراء المقاومة إلى جانب "القوّات" في موضوع الخلاف الكهربائي ضد وزراء "التيار". وأتت رسالة الضاحية عبر نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم موجهة إلى جبران باسيل لتضع النقاط على الحروف في موضوع الحكومة وربطها بالاستحقاق الرئاسي. لكنّ حلف مار مخايل يبقى قائماً مهما عصفت به التجربة.
أما الخلاف مع الرئيس نبيه بري و"حركة أمل" فعاد إلى الانتظام بعد انفجار كبير انعكس شرخاً في العلاقة تمّ ترميمه قبل فترة لكن من دون أنْ يصل إلى مستوى التفاهم السياسي حتى.
ومع "الحزب التقدمي الاشتراكي" ورئيسه وليد جنبلاط لا تقوم العلاقة على تفاهم سياسي في الأساس، لكنّ الخلافات وصلت إلى حد الانفجار الكبير وهي تعلو وتهبط وفق المزاج الجنبلاطي العوني.
إنحلال التفاهمات السياسية لـ"التيّار" مع عدد من الأحزاب الحليفة ومن صاغ معها أوراقاً سياسيّة لا تشكّل أي عقدة له وليس فيها أيّ ضرر عليه وفق ما تقول قيادته السياسيّة. فانهيار التفاهمات سببها حدوث متغيّرات وتحوّلات سياسيّة، وهي مرشّحة للعودة إلى ما كانت عليه في السابق، فلا عدو ولا حليف دائماً في السياسة؛ والخلافات تقع وكذلك الاختلافات في وجهات النظر حول الملفّات وقضايا معيّنة، على حدّ تعبير أوساط التيّار البرتقالي.
المشكلة برأي الأوساط ذاتها هي في تطوّر "التيّار" ونجاحه وبالتالي عدم قبول من هم في السلطة أنْ يكون هناك حزب قوي إلى جانب رئيس الجمهوريّة و"العهد القوي"، ويبدو الخلاف، في شق منه، موجّه باتجاه رئيس "التيّار" تحديداً، كون جبران باسيل أتى من خارج الإقطاعيّة الحزبيّة والسياسيّة واستطاع حياكة تفاهمات سياسيّة مع الأخصام وإنهاء مصالحات مع الحلفاء ليُثبت أنّه رجل دولة عن حق.
فقد توصّل إلى اعتماد "النسبيّة" في قانون الانتخاب لفرض التمثيل الصحيح مسقطاً لاءات التمديد وقانون الستين، كما أنجز تعيينات مع الشركاء، وتمّ بضغوطه تثبيت رفض توطين النازحين السوريّين ومخططات توطين الفلسطينيّين، إضافة إلى التواصل مع المغتربين وانتخاب المنتشرين في العالم، وهذه الإنجازات وضعت "التيّار" ورئيسه في مهب العاصفة السياسيّة وتعرضت بعض التفاهمات للاهتزاز.
وسط مشهد اتهامه بالاستئثار وعدم معرفة موقعه إنْ كان في المعارضة أو في السلطة يمكن أنْ يصبح لسان حال "التيّار": "وما المانع من البقاء وحدي؟"، ليتبيّن أنّ قيادته تعتبر أنّ مسألة اهتزاز التفاهمات سببها تقلّبات المشهد السياسي، وقد تهاوت قبل فترة الاصطفافات السياسيّة السابقة وحالياً تترنّح التفاهمات من دون أنْ تسقط بالضرورة.