hit counter script

متفرقات

اغتالوا ملوكاً ووزراء وقضاة كباراً... أسرار طائفة الحشاشين

الخميس ١٥ أيلول ٢٠١٨ - 15:33

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

"الحشاشون"، "قلعة ألموت"، "حسن الصَّبّاح"، ثلاثة أسماء هي مُسمى مرتبط بجماعة، ومكان، وشخص على التوالي؛ فأما الجماعة فهي جماعة دينية تنتمي إلى الإسلام وتحديداً للطائفة الإسماعيلية، وقد عُرفت هذه الفرقة على مدار التاريخ الإسلامي بالأساطير التي نُسجت حولها، واشتهرت بالاغتيالات التي قامت بها تجاه شخصيات شهيرة. وأما المكان، فهو جبل ألموت ويُطلق عليه أحياناً اسم قلعة ألموت، وهو المكان الذي استقر فيه الحشاشون وكان مقرهم الذي يعيشون فيه بشكل كامل، ويُمارسون فيه مُعتقداتهم ويُقيمون خططهم واجتماعاتهم. وأما الشخص، فهو حسن الصَّبّاح مؤسس فرقة الحشاشين ومن اختار اتخاذ قلعة ألموت مُستقراً لهم، وهو يُعرف أيضاً باسم "شيخ الجبل". الجماعة والمكان والشخص ثلاثة أضلاع لمثلث يكتنف كل منها من الغموض ما حيّر الباحثين والدارسين والمؤرخين على مدار مئات السنين.

قضى الصبّاح الشاب فترة زمنية في مصر يدرس خلالها عقائد المذهب الإسماعيلي، والصبّاح رجل فارسي وُلد في مدينة قُم، وكان شيعياً اثني عشرياً، ثم انتقل مع عائلته وهو طفل صغير إلى مدينة الري بالقرب من طهران، وهي من المراكز التي انتشر فيها دعاة الإسماعيلية. وكان الصبّاح حاد الذكاء مُتقد الذهن، التقى في الري أحدَ زعماء الإسماعيلية وهو عبد الملك بن عطاش، وهو كبير الدعاة الإسماعيلية في إيران، ثم طلب من الحسن بن الصبّاح ضرورة السفر إلى القاهرة لمقابلة الخليفة الفاطمي، ومكث فيها 3 سنوات متنقلاً بين القاهرة والإسكندرية. وفقاً لكتاب «تاريخ الدولة الفاطمية» للدكتور إيناس محمد البهيجي، كانت الدولة الفاطمية في تلك الفترة تُعاني الكثير من المتاعب والفوضى الداخلية والخارجية والمجاعات، وكانت وقتها فترة حكم الخليفة الفاطمي المُستنصر بالله، الذي عجز عن إدارة الأمور ولجأ إلى واليه على عكا، بدر الدين الجمالي، لإعادة الاستقرار، وهو ما نجح فيه بالفعل «الجمالي»، لكنه استبد بالحكم وأصبح هو الحاكم الفعلي للدولة، وحينما جاء الموت "المستنصر"، أراد أن تكون خلافته لابنه الأكبر نزار، لكن ابن الجمالي الأفضل شاهنشاه، الذي عيّنه أبوه وزيراً، كان له رأي آخر.

أراد أن يكون الأخ غير الشقيق لنزار، أحمد، الذي هو ابن أخت "الأفضل" هو الخليفة ولقبه بالمُستعلي بالله، سارع نزار إلى الفرار إلى الإسكندرية وأعلن من هناك انشقاقه على أخيه "المستعلي"، وجهز قوات تعرضت لهزيمة كبيرة حينما وصلت لمشارف القاهرة، وعلى أثر الهزيمة وقع «نزار» في أيدي جنود الأفضل فسُجن وقُتل. ومن هنا بدأت دعوة «الإسماعيلية النزارية» على يد حسن الصبّاح، الذي كان يؤيد قضية «نزار» ويعتبر «المُستعلي» غاصباً للخلافة والإمامة. ووفقاً لكتاب «الفاطميون تاريخهم وآثارهم في مصر»، فإن الصبّاح عاد من مصر إلى إيران مرة أخرى، وحاول بكل جهده أن ينشر مبادئ هذا المذهب، وفي أقصى الشمال الفارسي وجد الصباح أتباعاً لدعوته، ومن هنا بدأ تأسيس طائفة الحشاشين، وهم طائفة «إسماعيلية» شيعية، انشقت عن الفاطميين لتدعو إلى إمامة نزار بن المستنصر بالله الفاطمي ومن جاء مِن نسله. وفقاً لكتاب حركة الحشاشين.. تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي: أسرار الباطنية والفرق الخفية، كان على الصباح أن يختار المكان الذي سيلتقي فيه هو وأتباعه والذي ستظهر منه مُعتقدات الحشاشين ونشاطهم الاغتيالي، فكانت قلعة ألموت الحصينة، والمُقامة على ارتفاع يصل لنحو 6000 قدم فوق سطح الأرض. كانت القلعة مُسيطرة على وادٍ مغلق صالح للزراعة يبلغ طوله 30 ميلاً وأقصى عرضه 3 أميال. في أثناء اختياره لهذه القلعة، كان الصبّاح يهدف إلى إبعاد أتباعه عن الخطر السلجوقي، فالقلعة التي سيقطنونها هي قلعة حصينة ولا يمكن الوصول إليها بسهولة، وبدأ بالفعل اتخاذها سكناً للحشاشين منذ عام 1090.

وقد جاء في قصة الرحالة الإيطالي ماركو بولو، التي عُرفت بـ«أسطورة الفردوس»، أن الصبّاح قد أقام في قلعة ألموت المزارع والحدائق التي تخلب الألباب في شكل درجات بعضها فوق بعض، كما قام بزراعة النباتات الجميلة والأزهار المتنوعة وأشجار الفواكه المُختلفة. ولأنه أراد أن يُصور لأتباعه أن قلعتهم هي الجنة بعينها، استغل درايته بعلوم الهندسة والبناء، وأجرى أنهاراً اصطناعية صغيرة من اللبن والعسل والخمر والماء الزلال، والتي كان يحصل عليها من المناحل الكثيرة والكروم وآلاف الماشية والأغنام، والتي كانت موجودة في الوادي الخصيب المغلق المحيط بقلعة ألموت.

وما نقله ماركو بولو أن الصبّاح كان يُقنع أتباعه بالقيام بعمليات الاغتيال التي يريدها، حيث كان يضع لأتباعه مخدر الحشيش سراً في أطعمتهم أو شرابهم ويخرجهم إلى الحديقة؛ ليُقنعهم بأنهم في الجنة، وأن هذا هو المكان الذي سيذهبون إليه بعد تنفيذ عملياتهم الفدائية، وهو الأمر الذي نفاه بعض المؤرخين؛ لأن قلعة ألموت اُحرِقت سنة 1256، بينما وُلد ماركو بولو سنة 1254؛ أي بعد سنتين فقط من ولادته، ويُقال أيضاً إن الطبيعة المناخية لقلعة ألموت التي تُغطيها الثلوج طيلة 7 أشهر في السنة تجعل الوادي المُشرفة عليه القلعة غير صالح لزراعة الحدائق. اختلفت الأسباب التي رصدها المؤرخون وراء تسمية الحشاشين بهذا الاسم، فيُقال جاءت تسمية الحشاشين بهذا الاسم؛ بسبب تعاطيهم مخدر الحشيش، وإن لم يكن هذا من الثابت تاريخياً، وهناك أسباب أخرى يُقال إنها سبب تسميتهم الحشاشين، وهي أن الأصل الاشتقاقي لكلمة الحشاشين هي Assassin أي القتلة أو الاغتياليون حسب اللفظ الفرنسي، وهذه لفظة كان يُطلقها الفرنسيون الصليبيون على الإسماعيلية الذين كانوا يفتكون بملوكهم وقادة جيوشهم، فلقبوهم بهذه الكلمة. وحتى اليوم دخلت كلمة الحشاشين Assassin بأشكال مختلفة في الاستخدام الأوروبي بمعنى القتل خلسة أو غدراً أو بمعنى القاتل المحترف، ويُقال أيضاً إن سبب التسمية يعود إلى كلمة «المؤسسين» نسبة إلى تأسيس قلعة ألموت، بحسب كتاب حركة الحشاشين، والحشاشون فرقة ثورية في تاريخ الإسلام لبرنارد لويس.

ومن أشهر الاغتيالات التي نفذها الحشاشون، وفقاً لكتاب «الأحداث المهمة في تأريخ الأمة» للآلوسي، اغتيال الوزير نظام الملك الطوسي، وهي العملية التي كانت بداية لسلسلة طويلة من الاغتيالات قاموا بها ضد ملوك وأمراء وقادة جيوش ورجال دين، منهم كونراد الأول ملك القدس، ومودود بن التونتكين أمير الموصل، وأحمد بن إبراهيم الكردي، وقاضي أصفهان الشرعي عبيد الله الخطيب، والخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله، الذي أسقطوه من فرسه وطعنوه عدة طعنات، كذلك اغتيال الخليفة العباسي المُسترشد. ووفقاً لكتاب «الحشاشون فرقة ثورية في تاريخ الإسلام» لبرنارد لويس، فقد كانت الاستراتيجية التي يتبعها الصبّاح وأتباعه في الاغتيالات مختلفة وذكية، حيث إنه كان يتجنب المواجهات المُباشرة التي يروح ضحيتها قتلى من الطرفين، واعتمد على الاغتيال الانتقائي للشخصيات البارزة في دول الأعداء.

وكان الفدائيون مدربين بشكل احترافي على فنون التنكر والفروسية والقتل، وقد أسس حسن الصبّاح فرقة مُكونة من أكثر المخلصين للعقيدة الإسماعيلية وسماها الفدائيون، ويتم تدريب هذه الفرقة على الأسلحة المعروفة، ولا سيما الخناجر، ويتم تعليمهم الاختفاء والسرية، وأن يقتل الفدائي نفسه في حالة الخطر قبل أن يبوح بكلمة واحدة من أسرارهم.
زراعة الفدائيين.. وفشل دول عديدة في القضاء عليهم
كانت زراعة الفدائيين في جيش الخصم أو البلاط الحاكم هي البداية؛ حتى يتمكنوا من الوصول لأماكن استراتيجية تساعدهم على تنفيذ المهمات المنوطة بهم، وهكذا فقد نفذوا طيلة 3 قرون الاغتيالات التي كانت تُشن هجماتها غالباً في الأماكن العامة على مرأى ومسمع من الجميع لإثارة الرعب.

لم تكن قلعة الموت هي القلعة الوحيدة التي استولى عليها الحشاشون، فقد كان لهم العديد من القلاع الحصينة الأخرى في قمم الجبال معقلاً لنشر الدعوة الإسماعيلية النزارية في إيران والشام، ما أكسبها عداءً شديداً مع الخلافتين العباسية والفاطمية والدول والسلطنات الكبرى التابعة لهما كالسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين بالإضافة إلى الصليبيين. وفشلت جميع تلك الدول في استئصالهم طوال عشرات السنين من الحروب، لكن يظل مكانهم الأم هو قلعة ألموت التي قضى الصبّاح فيها ما يزيد على 30 عاماً، ولم يغادرها حتى وفاته، حسبما جاء في كتاب برنارد لويس «الحشاشون فرقة ثورية في تاريخ الإسلام.

مات حسن الصبّاح ميتة طبيعية في قلعته عام 1124، لكن حركته استمرت في آسيا الوسطى، وتصاعدت أعمال الحشاشين ضد السلاجقة، إلى أن قضى المغول بقيادة هولاكو على هذه الطائفة في فارس سنة 1256، بعد مذبحة كبيرة وإحراق للقلاع والمكاتب الإسماعيلية، وسرعان ما تهاوت الحركة في الشام أيضاً على يد الظاهر بيبرس سنة 1273. وهناك العديد من الأعمال الأدبية العربية والأوروبية التي تحدثت عن الحشاشين، وتعتبر رواية الأديب الفرنسي، اللبناني الأصل، أمين معلوف سمرقند، من أهم الأعمال الأدبية التي تناولت تاريخ طائفة الحشاشين في بُعدها الإنساني، وتمحورت حول الصداقة التي جمعت الشاعر عمر الخيام ومؤسس الجماعة حسن الصبّاح، وتابعت تطور دعوتهم منذ سيطرتهم على المشهد السياسي حتى سقوط قلعة ألموت على يد المغول.

(عربي بوست)

  • شارك الخبر