hit counter script

باقلامهم - مازن عبّود

مدمن انا

الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠١٨ - 06:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

مدمن انا على آلة. مدمن انا على شاشة. وادماني يسيطر على عقلي ووجداني. اضحت حياتي وعالمي صورا وخيالات. شاشة تصنع لي عالما على مقاس وهني واوهامي.
من كثرة تعلقي بها صار العالم الحقيقي لا يعنيني. اقفلت كل الابواب ما عدا نافذة الشاشة. وما عاد يفهم رأسي الا شاشة. ما عاد يفهم رأسي أحد. ولا عدت مهتما ان اتنازل، فافهم رأس احد.
تعلقت بالوهم. فصارت عملتي من وهم. وحياتي من وهم. وخيباتي من حقيقة ووجع.
فصرت اكتب واعلق واتابع كي يشعر بي كل من حولي فيدركون باني مازلت حيّ في شاشة.
نعم، صرت اكتب اي شيء، اي شيء كي يقال بانه مقيم هاهنا. وبانه تكلم. لست زرداشت. ولا لست يسوعا وانا ادعي كل ذلك. اصنع اي شيء كي الفت الاهتمام. اكتب اي شيء كي تنال تعليقاتي الرضى. وانا لست راضيا، فقد فقدت ما يصنعني.
اروح اذهب الى الاسواق كي اتسوق لا لحاجة بل للذة. وسرعان ما تمضي اللذة واشعر بالخواء. فأرتاد الحانات كي ابتاع فيها مع الخمور سلاما وشجاعة وثقة وانجازات.
تخطفني الموسيقى الصاخبة فيدور رأسي وادور. فأظن بانّي المركز الذي يدور من حوله الكون. وبالحقيقة لا يدور فيّ الا امعائي واوهامي.
وسرعان ما اعود الى غرفتي والى وجعي والى خوائي و الى شاشتي. اشعر بالضجر يقتلني. فأمضي الى شاشة. اعرض انجازاتي واروح استجدي اطراء وتعليقات. لا انفك اتفقد هاتفي الذكي. استفيق كي اتفقده مرارا في الليل. واخشى ان يفوتني شيء فيدركني النسيان.
وتحملني الشاشة الى عوالم التجارب. فأتواصل مع من لا اعلم كي اقوم بما لا يجب. ابني عالما واسسا. واظنّ بأني احكمه، وهو بالحقيقة يحكمني.
ويمضي العمر وانا مسمر على شاشة. يمضي العمر وانا شاخص على شاشة. يمضي العمر وانا متعلق بأبطال شاشة. يمضي العمر وانا اعيش وهميا في شاشة.
افوّت كل المحطات. يأتي الربيع ولا ادركه. تثمر التينة ولا اتذوقها. يأتي الخريف. وانا ما ازال اعتقد بانّ الربيع مقيم.
يداهمني الشتاء. الغي حسابي على الشاشة. وانهي حياتي بعد ان غدرت بي الحياة من نافذة شاشة. غدرتني اذ اوهمتني. اوهمتني بانّ العمر صور وتعليقات وكلام وخواء وهشاشة. اسعى ان انهي حياتي اذ اكتشف بأني عشت وهما في شاشة
أترى من يستطيع ان يحررني من عطشي لضوء الشاشة؟ أترى من يستطيع ان ينتشلني من الموت والعيش في خواء وهشاشة؟ أترى من يستطيع ان ينتشلني قبل فوات الاوان؟
ارغب بأنّ اعود فاستقبل الشمس واودعها في الحياة دون خداع شاشة. ارغب بأنّ ارى النور في وجوه. ارغب بأن اعيش العمر ببساطة، وان تسقط من يدي وللابد تلك الهشاشة. ارغب بان امسك اللحظة ولا تضيع من يدي كل الجمالات والفرص. فلا اعود أسقط في الضعف والخواء والهشاشة.

  • شارك الخبر