hit counter script

الحدث - جوزف قصيفي

ملف الأونروا يستنفر الدولة... خطوة نحو التوطين تواجه بالرفض

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٨ - 06:10

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

بعيداً من التجاذبات والتكهنات والسجالات الناشطة في شأن تشكيل الحكومة العتيدة، فإنّ تفاهماً واسعاً يقوم بين كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري على اعتبار قرار الإدارة الأميركية وقف مساهمتها المالية في "وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين" من أكثر القرارات الخطيرة التي تتّصل بهذه القضية، وتُمهّد لوأدها، وطي صفحتها نهائياً، بحيث تصبح مجرّد ذكرى تاريخية تتناولها متون الكتب، ومجالاً خصباً للمراثي التي يجيدها المتباكون.

ويرى المسؤولون الكبار في الدولة أنّ لبنان سيكون المتضرّر الأوّل من تداعيات هذا القرار وتأثيراته السلبية على أوضاع اللاجئين في بلدان الشتات، وهو في مقدّمهم لأنّه يستقبل على أرضه، وبحسب سجلات الوكالة، ما يقارب الـ٤٦٠ ألفا منهم، وهو رقم كبير قياساً بمساحته وقدراته، إضافة إلى أنّ الخدمات التي كانت توفرها أصلاً للمخيمات الفلسطينية في ظل الميزانية السابقة، هي في الحدود الدنيا. والسؤال المطروح: "كيف ستكون الحال بعد حجب المساعدة الأميركية المقدرة بـ٣٥٠ مليون دولار؟".
وعلى الرغم من محدودية التأثير اللبناني الرسمي في هذا الملف، فإنّ الرؤساء الثلاثة عون وبرّي والحريري، قرّروا مواجهته والتصدي له بكل ما ملكت أيمانهم من إمكانات، لمحاصرة أضراره، وترويض تفاعلاته على غير صعيد. وتوافقوا على اطلاق تحرك دبلوماسي واسع النطاق لوضع الدول المانحة لوكالة الغوث والمضيفة للاجئين الفلسطينيين امام مسؤولياتها لجهة سد النقص الناتج من امتناع واشنطن عن سداد التزاماتها البالغة ٣٠ في المئة من موازنة الوكالة. وهي سبق لها ان رفضت سداد دفعتين مستحقتين عليها لهذه الوكالة بقيمة ٦٠ مليون دولار لكل قسط. وبالفعل التقى وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل اوّل من أمس ١٥ سفيراً عربياً وأجنبياً، وقائمي بأعمال ٩سفارات معتمدة لدى لبنان، إضافة إلى ممثلين عن " الأونروا" والاتحاد الأوروبي والأمم المتّحدة. وذلك في غياب السفيرة الأميركية اليزابيت ريتشارد أو من يمثلها.

الوزير باسيل اعتبر أنّ القرار الأميركي سياسي بامتياز وليس قراراً إدارياً أو مالياً، معرباً عن خشيته أنْ يستبطن أبعاداً توطينيّة ترمي إلى إنهاء القضية الفلسطينية وإبقاء اللاجئين حيث هم، وإنْ ذلك يتنافى تماماً مع مصلحة لبنان الذي تتضمّن مقدمة دستوره نصاً واضحاً برفض التوطين الذي يعادل بخطورته التقسيم والتجزئة. وقال باسيل للدبلوماسيين الذين التقاهم أنّ "لبنان سيقوم بكل ما يمكن القيام به لرفض التوطين وسيخوض مواجهة حتى النهاية سياسيا ودبلوماسيا لتكريس حق العودة للفلسطينيّين"، ورأى أنّ "القرار الأميركي بوقف تمويل الأونروا يمسّ بأسس عملية السلام، وبالتالي بالاستقرار والسلام الإقليميَّين والدوليَّين".
جهات دبلوماسية على صلة بالولايات المتحدة الأميركية أشارت إلى أنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مصمّمة على تصفية القضية الفلسطينية، بعدما رفضت حل الدولتين باقتراح صيغ بعيدة من الحل العادل الذي يضمن -ولو الحد الأدنى- من استقلاليّة القرار الوطني الفلسطيني. وأنّ إنهاء "وكالة غوث اللاجئين" هي الخطوة الأولى على طريق تصفية القضية، وللقضاء على أيّ أمل بصيغة مقبولة تحقق نوعاً ولو محدوداً من التوازن. وأنّ هناك ضغوطاً بدأت على الأردن المهدّد بـ"التجويع" من خلال حجب المساعدات الدوليّة، ولاسيما الاميركية عنه، وذلك من أجل إخضاعه وإلزامه باستيعاب فلسطينيي الضفة بعد سلخ بعض المناطق عنها، كي تشكل حزاماً واقياً لإسرائيل بجعلها منطقة منزوعة السلاح لردع أيّ خطر محتمل عن الدولة الغاصبة. إنّها سياسة الجزرة والعصا، فلأيّهما ستكون الغلبة؟
أما بالنسبة إلى لبنان، فتقول أوساط متابعة إنّ الأمر سيكون مختلفاً. وتضيف: "إنّ اللافت هو أنّ الدولة موحّدة هذه المرة في رفض هذا القرار"، وأنّ "عدد اللاجئين على أرضه هو أدنى من نصف الواردين في سجلات "الأونروا" بعدما غادر العديد منهم تباعاً منذ العام ١٩٨٢ وحتى الأمس القريب إلى بلدان غربيّة، ولاسيما إلى البلدان الاسكندنافية وسواها، وكندا وأوستراليا. وأنّ عدداً كبيراً من اللاجئين تقدموا بطلبات هجرة سعياً وراء العلم والعمل والرزق والضمانات. ومع ذلك يبقى عدد من تبقى عبئاً على لبنان الذي لم يعد قادراً على التحمل خصوصاً بعد نزوح لاجئي مخيم اليرموك في دمشق إليه"، عدا ما يشكله النزوح السوري بكل ما يحمله من تعقيدات وثقل من خطورة. وهو إلى ذلك عرضة لضغوط خارجية، متمثلة في حملة التشكيك الدولية باقتصاده ووضعه المالي، وتخويف الناس من انهيار محتمل، وفق ما ذكرت مجلة " الايكونوميست" في المقال المشبوه الذي نُشِرَ يوم الأحد الماضي، والذي لا يُستَبعَد أنْ تكون أصابع" اللوبي الصهيوني" وراءه. وكذلك في تزكية الفوضى السياسية والاجتماعية التي تمنع تشكل السلطة القادرة على جبه التحدي.
إنّ الدولة اللبنانية بأجهزتها السياسية والاعلامية مستنفرة، ولا أحد يستطيع التنبؤ بقدرتها على إفشال هذا المخطّط الشيطاني، لكن وحدة اللبنانيّين ورفضهم ما يحاك ضدّهم يبعث بعض الأمل في النفوس.
 

  • شارك الخبر