hit counter script

باقلامهم - نسيم الخوري

فوق المكتب البيضاوي: الصحافة من الإحتقار الى الإنتصار

الإثنين ١٥ أيلول ٢٠١٨ - 06:16

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع


منحت القداسة الكلمات سلطات تنعكس في حلل متنوّعة في القراءة والكتابة والتفسير والإبداع والكشف ورفع الأغطية وفضح الأسرار،الأمر الذي شغل المفسّرين الأوائل للأساطير التقليدية في الفلسفة والدين.
لن يكون الرئيس ترامب، أوّل أو آخر الحكّام الذين تؤرّقهم الصحافة في عروشهم ولو أنّه هاجم غوغل وتويتر التي يعشقها وإتّهمهما بالتحيّز ضدّه. فقد عانى الصحافيون عبر التاريخ، في اعتبارهم مظاهر انحدارات وقهر لسلطة الحكّام أو تجلّيات لها. صحيح أنّ الكلمة تتراجع وتنحدر في عصر الشاشات أمام تقنيات الصورة، لكنّها كما يظهر "ما زالت تفعل الكثير في حكم الدولة أكثر من البيت الأبيض ، حيث يحكم الرئيس أربع سنوات، بينما تحكم الصحافة إلى الأبد" وفقاً لما نشره Rafferty Keen في ال 1975 في كتابه: That’s what they said about the press (ص:83).
أدرج هذا الاقتباس هنا، لإرتباطه بأميركا الدولة الأكثر تحقيقاً وإنتشاراً لتقنيات العولمة في العالم اليوم، والأكثر ترسيخاً للغتها الانكليزية في تقدّمها واستعمالاتها والأكثر مرارة من الصحافة.
أمّا التقرير بأنّ الصحافة قادرة على الحكم إلى الأبد، فمسألة تستدرج بعض الإيضاحات في إنتقال الصحافة من الإحتقار الى الإنتصار:
أ - بقيت الصحافة طويلاً سلطة هزيلة مقابل سلطات أباطرة الغرب. دلّ جذرها اللاتيني Press على جمهور جاهل يتجمّع بسرعة وعفوية لسماع خطيب أو بهلواني، ومنه مصطلح Presse بالفرنسية من فعل Presser أي ضغط وأسرع ومرادفها Dépécher و Dépèche أي الخبر السريع. بقيت الصحافة محتقرة لا قيمة لها ولا صيت. نجدها في كتابات روسّو " منشوراً دوريّاً غير جدير بالاحترام ولا نفع منه وقراءته مهملة ومحتقرة من المتعلّمين، وهو لا يستخدم إلا ليقدّر من النساء والبلهاء الباطلين الذين لا لغة لهم ولا ثقافة".
ورأى ديدرو في الصحافة: " أوراقاً هي عجينة الجاهلين، ومنبع سلطات أولئك الذين يرسلون الكلام والأحكام من دون قراءة، وهي آفة وعدوّ أولئك الذين يجهدون في تحصيل الثقافة. إنّهم لم ينتجوا يوماً سطراً جيداً لفكر جيّد، كما لم يحولوا دون إنتاج كاتب رديء لمؤلَّف رديء"،
فولتير اعتبر الصحافة "قصّ التفاهات".
كان الصحافة تثير غضب نابليون حيال أيُّ نقد بسيط. أمر وزيره جوزف فوشيه: "إقمع الصحف أكثر واجعلها تنشر مقالات جيّدة، وإلاّ فإنني سأوقفها كلَّها ولن أترك سوى واحدة. انتهى زمن الثورة ولم يبقَ في فرنسا إلاّ حزب واحد، إذ لا شيء يؤلمني ويثير خوفي أكثر مما تنشره الصحف، فتعيق فيه مصالحنا".
وليس أبلغ مما نقله مترنيخ سفير النمسا في فرنسا عن لسان نابليون الذي قرّبه منه وكلّفه التفاوض بشأن زواجه من ماري لويز، إذ غدا ما نشره مضرب الأمثال في السلطات التي تتمتع بها الصحافة: "إنّ مقالاً صحافياً يساوي جيشاً من 300 ألف رجل وهؤلاء لا يراقبون الداخل ولا يخيفون الخارج أفضل من دزينتين من حثالات الصحافيين". كان نابليون يرى في صحيفته Le Moniteur الناطقةً بإسمه "روح الحكومة وسلطتها وقوتها ، ووسيلتها إلى الرأي العام في الداخل والخارج... إنّها أمر اليوم بالنسبة لانتصار الحكومة".
ب - بالمقابل، وبدافع من المنافسة، وفي ظلّ مناخ الحرية النسبي، إنخرطت الصحافة البريطانية في النضال السياسي وشهدت تنوعاً وغنىً في المضمون، ساندها في ذلك الاهتمام الذي حظيت به من القراء في متابعة المناظرات البرلمانية ومستجدات السياسة بعد قرن ونصف من النضال والصراع بين الصحافة والسلطات.
لقد لعب الصحافي البريطاني إدمون بورك (1729-1797) بمقالاته وخطبه دوراً في مناهضة وليم بيت وزير الحرب ورئيس الوزارة البريطانية (1766-1768) وضدّ ورن هاستنغز Warren Hastings (1732-1818) الإداري البريطاني حاكم الهند عام 1773، واتُّهمه بالرشوة والاختلاسات، وكان عدواً شرساً لثورة نابليون الفرنسية مما دفعه في العام 1787إلى إطلاق السلطة الرابعة كتسمية للصحافة في كتابه بعنوان: "تأمّلات في الثورة في فرنسا".
لقد طغت صفة "الجلالة" Majesty على الصحافة بالانكليزية بمعنى القوة والاحترام والإجلال. وتعني ال Majestas باللاتينية الأنبياء والقديسين والملوك.
لقد واكبت الصحافة صورة بريطانيا التي لم تكن تغرب عنها الشمس فجاءت كلمةnews بالإنكليزية مثلاً تختصر بريطانيا بقوة إنتشارها في الجهات الأربع: North الشمال East الشرق Ouest الغرب South الجنوب.
ج- إتسعت شهوة البشر نحو الحريّة وحملت المادة 11 من إعلان حقوق الإنسان الخاص بالثورة الفرنسية ومنه استوحيَت إعلان حقوق الإنسان العالمي وأقرّته الجمعيّة العامة للأمم المتحدة في 10 /12/ 1948 ، دلالةً كبرى في العلاقة بين الحكام والصحافة، حيث تجلّت الحرية في تبادل الآراء والأفكار حقاً إنسانياً يسمح لأيّ كان بالقول والنشر والطبع بحرية يكفلها القانون.
ما مستقبل ترامب مع مليارات الصحافيين؟
ننتظر ونترقّب.
 

  • شارك الخبر