hit counter script
شريط الأحداث

خاص - ليبانون فايلز

لبنانيون يسهرون في أوروبا ويرقصون في البحر من دون تأشيرة!

الإثنين ١٥ أيلول ٢٠١٨ - 06:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

عندما تقرأ هذا العنوان، يفكر بعض الناس أنّ لدى اللبنانيين قدرات خارقة تخوّلهم "الفوش" على المياه، وقدرات تخوّلهم الدخول إلى أوروبا من دون تأشيرة.
هذا الأمر في جزء منه صحيح، وفي الآخر خاطئ. فاللبنانيّون يستطيعون الإبحار إلى أوروبا في الباخرة وأنْ يدخلوا إليها من دون تأشيرة لأنّهم يقصدونها من خلال باخرة أبو مرعي غروب "أورينت كوين".
عندما كنت على متن الباخرة التي تنطلق كل يوم أحد من بيروت وتعود إليها بعد أسبوع، استوقفتني تلك الوجوه. الجميع يسأل كيف ستكون هذه الرحلة. معظم المسافرين يبحرون في رحلتهم الأولى، إنّها لتجربة فريدة!
الوجوه متسائلة: هل ستكون الرحلة مريحة؟ هل سنشعر بدوار البحر؟ كيف سنمضي كل هذا الوقت الطويل؟ إنّه أسبوع كامل يبدأ الأحد صباحاً وينتهي الأحد الذي يليه. هل ستكون الغرفة مريحة؟ كيف هي الخدمة؟ كيف سيكون الطعام؟ كيف سنسافر وحدنا من دون العائلة؟ كيف سيكون وضعنا مع من سنسافر؟ أسئلة تخطر على بال المسافرين من دون أجوبة.
ما أنْ ندخل الباخرة حتى يلاقيك الطاقم على رصيف المرفأ بالترحاب، وبالمياه الباردة و"الفوط المرطّبة". تدخل الباخرة وما هي إلّا لحظات تجد حقائبك في غرفتك. الابتسامة من الطاقم دائمة، وجوّ الفرح والمحبّة جامع.
حوالى الثانية عشرة ظهراً تنطلق الباخرة، فتنشط الحركة باتجاه البلدان المقصودة... لتبدأ المغامرة. الابتسامة مرتسمة على الجميع. أغاني ورقص في الصالونات الكبيرة، وعلى المسبح في الطبقة الثامنة من الباخرة تصل ساعات المساء الأولى حتّى الرابعة فجراً فطالما "السهّيرة سهرانين" السهرة مستمرّة. يقطع السهرة تقديم المشروبات الروحية والعصير، وفي الثانية عشرة يفاجئكم الشيف بـ"المناقيش اللبنانية" من زعتر وكشك مثل "كشكات الضيعة".
وبعد هذه السهرة الصاخبة التي أفلتت عقول الناس من عقالها، يذهب الجميع لينام لأنّ في صباح اليوم التالي يصلون إلى "آلانيا" هذه الجزيرة التركيّة الرائعة. فعندما يصل الجميع إلى الجزيرة لا يكون هناك إجراءات جمركية أو أمنية بانتظارهم، فالجميع تجده ضاحكاً، وعندما يعرفونك من سفينة "أورينت كوين" التي تنتمي إلى أبو مرعي غروب، فالـ"أهلا وسهلا" بانتظارك.
ينقسم المسافرون إلى قسمين، منهم من يختار الذهاب إلى السوق؛ فـ"آلانيا" التي تعجّ بالمحلّات بأرخص الأسعار بسبب تدهور الليرة التركية، يحأول فيها اللبنانيون الاستفادة من خلال شراء كلّ ما تعرضه من ألبسة، وساعات يد، ومجوهرات، ويرتادون المطاعم ذات الأسعار الزهيدة. ومنهم من يذهب إلى الشاطئ الذهبي للاستمتاع.
عندما يحلّ المساء يعودون إلى الباخرة قاصدين وجهة جديدة وهي "رودوس". وكما العادة، بعد العشاء سهرة فنية رائعة لا يتخلّلها سوى اللوحات الفنية. فتتمايل الاقدام وتصفق الأيادي، يتبعها استعراض ومشاهد فنية تذكّرك بسهرات بيروت "سويسرا الشرق".
تبحر الباخرة، فيذهب المسافر إلى صالة الطعام، حيث يحدّد لك النادل الطأولة التي ستستعملها كل يوم؛ فندق 5 نجوم عائم على البحر، امامك الافق وخلفك الافق، والناس تعوم وتتمتّع بالموسيقى والفرح والمحبّة والتسلية، فمن هنا ترفيه ومن هناك موسيقى، ومن هنالك كازينو وغيره من النشاطات التي ينتظرها كل انسان في رحلة استجمام.
بعد العشاء، سهرة فنية يحييها نخبة من الفنانين اللبنانيين. موسيقى ورقص وفنانون واحد تلو الآخر، ولوحات فنية (شاهدوا الفيديو)، بعد يوم طويل من التنزه والفرح.

صباح اليوم التالي، تصل الباخرة إلى "رودوس". يستعّد الجميع، بعضهم يذهب إلى البحر، وبعضهم الآخر يذهب لرؤية المدينة القديمة الاثرية، ومشاهد المدينة الجديدة. وكما في اليوم السابق يمضي المسافرون يومهم، ويعودون في المساء إلى البحر للتوجه إلى "سنتوريني" تلك الجزيرة المميزة، العائمة وسط الامواج، والمتلألئة ببيوتها البيضاء وطرقاتها الرمادية، وأسواقها القديمة جدّا. فيستفيدون منها طوال يوم كامل، من دون أي استعمال لجواز سفر ولا لتأشيرة دخول، فقط يختصر الأمر على البطاقة التي تصدرها باخرة "أورينت كوين".

بعدها يعود المسافرون ويخلدون إلى النوم، لتنطلق في اليوم التالي إلى جزيرة "مرمريس". سهرات الترفيه مستمرّة ليلا ونهارا، المحبة والألفة بين الجميع. "مرمريس" جزيرة تركية يقصدها الناس لشواطئها ولمعالمها ولشراء الحاجيات. اليخوت متعدّدة الهُويات، والناس متعدّدو الأشكال والألوان وكلّهم فرحون، منهم من يقصد الشاطئ ومنهم من يذهب إلى السوق حيث يعودون محمّلين بالأكياس، فالقميص لا يتعدّى سعرها الـ25 دولارا من الماركات العالمية.
المياه الباردة تجذبك للسباحة، انّها الشواطئ التركية الجميلة. يستقبلك الأمن التركي بالابتسامة، وعندما تقول "أورينت كوين"، فالجواب يكون "أهلا وسهلا بك مجدّدا انت مرحب بك، أنت لست في طابور، خطّك مفتوح".
اليوم الخامس تتجه الباخرة إلى جزيرة "ميكونوس"، تلك الجزيرة الملوّنة. من شاطئ "بارادايس" إلى الاسواق القديمة، بعدٌ آخر للسياحة. ففي "ميكونوس" تجد هؤلاء الناس الذين ينفقون اكثر على رحلتهم والابتسامة لا تفارق وجههم. الشواطئ نيلية، والسمك يداعب رجليك، والشمس تعطيك إسمرارا مميّزا عن الشواطئ الاخرى. المدينة القديمة تعيش في الليل اكثر من النهار، والمرابع الليلية تشعرك بحرارة السياحة في هذه المدينة. أمّا إدارة الباخرة فتعطيك المزيد من الوقت، حتى الخامسة فجر اليوم التالي لتستفيد من أجواء الجزيرة الليلية، حيث الجميع يمرح ويرقص ويفرح. وفي الوقت نفسه، ولكلّ من لا يريد السهر في الجزيرة، يحيي طاقم الباخرة على متنها سهرة رائعة لا تقلّ عن روعة السهرات الأخرى.
تنتهي السهرة ويعود الجميع إلى الباخرة، وكأن الليل لم ينته. ينتظرون الفجر ليوم آخر في هذه الرحلة. غداء فاخر، رقص وأجواء مرحة تعمّ الباخرة في يومها ما قبل الاخير، ومطربون يغنون أشهر الاغاني اللبنانية القديمة والجديدة منها.

يوم العودة:
في اليوم الأخير، تنطلق الباخرة وتكون حسرة الختام والوداع. يجتمع الركاب مجدّدا في الصالونات الكبيرة، ولا يريد أحد المغادرة. فالجميع يريد البقاء على متن الباخرة.
الألفة تعمّ الأجواء، الجميع باختلافاتهم على طأولة واحدة، وكأنهم عائلة واحدة. غريب هذا البلد، اللبنانيون في الخارج، في البحر وفي السماء فريق واحد، وفي الداخل يتناحرون. فهل أبو مرعي أقوى من الوسطاء في الخارج والداخل؟ الجميع على متن الباخرة طيلة الأيام السبعة نَسَوا انتماءاتهم الحزبية والطائفية، التقوا على أغاني فيروز وصباح، ووديع الصافي ونجوى كرم وراغب علامة ونانسي عجرم وغيرهم. لا احد يسأل عن مذهب الآخر.
هذه قصتنا مع رحلة أبو مرعي. ذهبنا متفرقين وعدنا مجموعات مجموعات. ذهبنا غير واثقين بجواز سفرنا وعدنا متيقنين أنّ قيمته كبيرة ويدخلك حيث تشاء.
رحلة ممتازة كانت، سهرنا في البحر وانتقلنا من جزيرة إلى اخرى ورفع علم لبنان طيلة هذه الرحلة.
وكل رحلة وانتم بخير.

  • شارك الخبر