hit counter script
شريط الأحداث

الحدث - دافيد عيسى - سياسي لبناني

الجيش اللبناني... ومعركة "فجر الجرود"

الإثنين ١٥ آب ٢٠١٨ - 06:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

سنة مرّت على معركة "فجر الجرود" التي خاضها الجيش اللبناني البطل لتحرير جرود القاع ورأس بعلبك وإحكام السيطرة على الحدود اللبنانية الشرقية مع سوريا وإعلان خلوّها من أي تواجد للتنظيمات الإرهابية.

كان هذا واحداً من أبرز وأخطر التحديات والتجارب التي واجهت الجيش اللبناني في مواجهة عدو خطر متربص بالحدود والداخل ومهدد للأمن والاستقرار ومتفلت من كل الضوابط والمعايير الإنسانية والأخلاقية ونجح في أن يفتك ببلدان مجاورة ويدمر أمنها ونسيجها الاجتماعي، ولكنه لم ينجح في اختراق الأرض اللبنانية والنفاذ عبر الحدود لأن الجيش اللبناني كان بالمرصاد وقرر المواجهة وإنهاء هذا الوضع الشاذ.
وكان له ما أراد وعقد العزم عليه ونفّذه بإمكانات محدودة ولكن بإرادة قوية وعزيمة صلبة وطريقة احترافية أدهشت الجيوش والقوى الدولية الناشطة في المنطقة، فما عجزت عنه جيوش المنطقة العربية أو ما أخفقت فيه جزئياً أو كلياً وكلّفها غالياً، حققه الجيش اللبناني بأقل كلفة وخسائر مستنداً إلى موقف وطني واحد وجبهة داخلية متراصة ومتسلحاً بتجارب راكمها وخبرات اكتسبها.
فقد كان الجيش اللبناني سباقاً بين كل جيوش المنطقة والعالم إلى خوض مواجهات ومعارك مع تنظيمات إرهابية بدءاً من تنظيم القاعدة وقبل سنوات كثيرة من ظهور تنظيم داعش وغيره، وشكلت المواجهة مع مجموعات إرهابية ومتطرفة في جرود الضنية عام 2000 نموذجاً أولياً وجرس إنذار مبكر لما هو آتٍ وكان أعظم في مخيم نهر البارد حيث دفع الجيش ثمناً غالياً لدحر الإرهاب فيه وإعادته إلى كنف الدولة اللبنانية، وحقق الانتصار في هذه المعركة بإمكاناته ووسائله الخاصة والمحدودة ولم يتراجع رغم كل الضغوط والصعوبات... ولو فعل لكان الإرهاب تمدد وتفشى في أنحاء الجسم اللبناني وأطل من مخيمات أخرى أولها مخيم عين الحلوة الذي تحول إلى مستوعب وملاذ لقوى الإرهاب والتطرف قبل أن يصار إلى تفكيكها والقضاء عليها عسكرياً ومخابراتياً من قبل الجيش اللبناني.
وعندما ظهر تنظيم "داعش" في العراق وسوريا لاغياً الحدود وساعياً إلى التدمير والتهجير عبر جرائم القتل والخطف والسبي ووصل خطره إلى لبنان مع تمركزه في منطقة القلمون والجرود الحدودية، بادر المجتمع الدولي إلى مساعدة الجيش اللبناني وتقديم ما يلزمه من أسلحة ومعدات وتجهيزات يفتقر إليها في هذه المعركة المباغتة وفي مواجهة عدو غير مسبوق في خطورته ونزعته الجرمية.
وكم كان إعجاب الدول الداعمة ولاسيّما الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا كبيراً بالجيش اللبناني الذي استوعب سريعاً كل المهارات والتدريبات القتالية والعسكرية والأسلحة المتطورة ونجح في استخدامها وتطبيقها بطرقه وتكتيكاته الخاصة والمبتكرة. ولم يكن مستغرباً أن يلقى الجيش اللبناني بعد معركة تحرير الجرود الذي خاضها بقيادة العماد جوزاف عون الثناء والتقدير من الأوساط الدولية التي يهمها لبنان واستمرار الأمن والاستقرار فيه وأن لا يصل إليه الحريق السوري ولا يصيبه ما أصاب دولاً عربية عدة، والتي راهنت على الجيش اللبناني وكان رهاناً صحيحاً وفي محله.
منذ عام، أي منذ تحرير الجرود الشرقية، يظهر اهتمام دولي وأميركي بالجيش اللبناني الذي بات يحظى بدعم مباشر وعناية خاصة، وهذا الاهتمام الذي يترجم على كل المستويات وفي كل المجالات، تسليحاً وتدريباً وتجهيزاً، لا يعود فقط إلى النجاح الذي أحرزه الجيش في الحرب على الإرهاب وإلى القدرة التي أظهرها في أن يكون شريكاً فعالاً في هذه الحرب الدولية، وإنما يعود أيضاً إلى ما أظهرته المؤسسة العسكرية من أداء داخلي متماسك وفعّال، نظيف وموثوق به، وحيث لا مكان لنزاعات طائفية وتجاذبات سياسية وممارسات ومحسوبيات وهدر وفساد...
وفي وقت كانت الشكوك الدولية تحيط بالطبقة السياسية والمؤسسات التي نخرها الفساد كانت المؤسسة العسكرية تحظى بثقة دولية متعاظمة وتتمتع بمصداقية وشفافية، وهذا ما جعلها موضع دعم ومحط تقدير وإعجاب ورهان في أن تكون الدعامة الأساسية لاستقرار لبنان ووحدته ومستقبله...
وجاءت التطورات والأحداث على امتداد عام مضى لتثبت صوابية النظرة الدولية إلى أهمية دور الجيش والتعويل عليه لضمان الامن والاستقرار في لبنان، فقد كان لمعركة تحرير الجرود تكملة وتتمة في الداخل وكانت عملية تفكيك الخلايا الإرهابية والقضاء عليها بعد ملاحقتها وإلقاء القبض على عناصرها بمثابة امتداد لمعركة تحرير الجرود، مثلما كانت الخطة الأمنية الشاملة التي بوشر بتطبيقها أخيراً في البقاع الشمالي امتداداً أيضاً لمعركة الجرود لأن الحرب على الإرهاب لا تكون نهائية وفعالة إذا لم يكن الداخل نظيفاً وخالياً من كل عوامل التفجير والتهديد للأمن الاجتماعي والاقتصادي، ولأن الإجرام الذي يهدّد المجتمع من الداخل لا يقل خطراً عن الإرهاب الوافد من الخارج...
كلمة حق تقال إنّ الأمن هو ميزة لبنان في هذه الظروف التي تعيشها المنطقة وعنصر القوة فيه، والوضع الأمني فيه جيد مقارنة بما يجري من حوله وفي محيطه وحتى مقارنة بالخروقات الإرهابية الجارية في أنحاء العالم، وإذا كان الوضع السياسي سيئاً مع استمرار العجز والتعثر في تشكيل الحكومة، وإذا كان الوضع الاقتصادي صعباً ودقيقاً وتحوط به الشكوك والشائعات، فإن الوضع الأمني ثابت صامد ومتماسك، وهذا مهم جداً وعامل ثقة واطمئنان رغم كل شيء.
في الختام نقولها وبالفم الملآن قوّة لبنان في أمنه، قوّة لبنان في جيشه، ومؤسّساته وقواه العسكرية والأمنيّة...
 

  • شارك الخبر