hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - علي الحسيني

"التقوى" و"السلام"... "شاهدان" على إجرام النظام

الثلاثاء ١٥ آب ٢٠١٨ - 06:53

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

المستقبل

على بُعد يومين من الذكرى الخامسىة لتفجيرَي مسجدَي "التقوى" و"السلام"، ثمة أوجاع وجراح بدأت تستعيد لحظات الموت والخوف والألم التي عاشتها مدينة طرابلس ظهر يوم الجمعة 23 آب 2013، عندما دوّى أول إنفجار أمام مسجد "التقوى" ليتبعه بعد دقائق معدودة انفجار آخر أمام مسجد "السلام". صورة هزّت ضمائر العالم لحشود من المصلين توافدوا الى بيوت الله المقدسة لتأدية صلاة الظهر، حوّلهم التفجيران إلى جثث متفحمة وأشلاء تناثرت داخل المسجدين وعلى الطرقات، فكانت الحصيلة 50 شهيداً وأكثر من 400 جريح. وكانت زنة كل من العبوتين حوالى 175 كلغ من المواد الشديدة الانفجار.

هي الذكرى الخامسة، والقاتل ما زال فارّاً من وجه عدالة لا ينتظر قوسها سوى الإقتصاص من مُجرمين خططوا وأشرفوا، ونفذوا عمليات إعدام بحق أبرياء ظنّوا أن حرمة بيوت الله، قد تُشكّل رادعاً لعمليات القتل والتفجير التي يوزّعها النظام السوري على لبنان من دون أي تمييز بين منطقة وأخرى، ولم يكن آخرها عملية الكشف عن شبكة (سماحة – مملوك)، التي أدخلت إلى مخطط الخراب الذي تبنته وحملته من الداخل السوري إلى لبنان، مشروعاً يقضي بزرع عمليات القتل بين الطوائف، على أن يكون يوم حصادها، فتنة مذهبية وطائفية، تبدأ بالسياسيين ولا تنتهي برجال الدين. وعلى الرغم من الآلام والجراح التي ما زال يزرعها هذا النظام في نفوس اللبنانيين وحتّى في نفوس شعبه، يظهر العجب في دعوات البعض إلى تطبيع العلاقات معه وإلى التنسيق المباشر بين قاتل لم يوفر سلاحاً إلا واستخدمه ضد أطفال بلاده، وبين الحكومة اللبنانية التي ترفض عودة عقارب الساعة إلى الوراء، وتُصرّ على إنصاف النازحين السوريين وحمايتهم من بطش النظام في بلادهم.

حال الطرابلسيين اليوم كحال جزء كبير من اللبنانيين يحملون سؤالاً واحداً لهؤلاء المطالبين بعلاقات مميزة وإعادة "التطبيع" مع نظام الإجرام السوري: كيف ننسى أشلاء أبنائنا التي تناثرت في 23 آب 2013 على الطرقات والأرصفة وداخل المسجدين، ومن يُعيد لنا أعزاء فقدناهم بفعل إجرام نظام لم يرعى حرمة بيوت الله ولم يرأف بالأطفال والمسنين؟. في طرالبس اليوم الف سؤال وسؤال عن مجرمين ما زالوا خارج القضبان، ويسألون عن ضابطين في مخابرات النظام خطّطا وأشرفا على عملية التفجير، النقيب في فرع فلسطين في المخابرات السورية محمد علي علي والمسؤول في فرع الأمن السياسي في مخابرات النظام ناصر جوبان. وللتذكير فان القضاء اللبناني كان سطّر مذكرات تحر دائم لمعرفة هويات الضباط المسؤولين عن هذين الضابطين المنفذين الذين أعطوا الأوامر والتوجيهات لتنفيذ العملية وملاحقتهم.

واللافت في ما كشفته التحقيقات يومها، أن أوامر تفجير المسجدين، كانت قد صدرت عن منظومة أمنية رفيعة المستوى في مخابرات نظام الأسد، فضلا عن توقيفات سابقة كانت شملت الخلية اللبنانية المنفذة والمؤلفة من 5 اشخاص من جبل محسن وأبرز الموقوفين فيها هو "يوسف دياب" الذي نفذ بيده عن بعد بواسطة جهاز، تفجير مسجد "السلام"، أما باقي افراد الخلية اللبنانية فقد فروا الى سوريا. ورغم كل هذه الجراح ورغم بشاعة الحقد الذي كشف عنه النظام السوري من خلال تفجيره بيوت الله وهي وصمة عار ستظل تلاحقه مدى العمر، يُسجّل للمجتمع الطرابلسي الروح الحضارية وحس المسؤولية اللتان أظهرهما يوم الفاجعة، فهو لم ينجر لا إلى فتنة ولا إلى الطلب بالثأر، بل ترك الأمور كلها رهناً بالدولة اللبنانية وقضائها.

وعلى المسار نفسه، يقول أبو عشير عبوس الذي فقد ابنه وثلاثة من أحفاده وصهره خلال التفجيرين: "فقدت أعزّ الناس في حياتي في جريمة موصوفة يُحرمها الله ويُجرمها القانون. حتى اليوم لم استطع التقبل أنه يُمكن لأشخاص ان يضعوا حداً لحياة الآخرين عن طريق سيارات مفخّخة. نحن لم نسكت عن الظلم بسبب الخوف، بل أن العيش المشترك هو ما يجعلنا نغض الطرف عن بعض الامور"، مضيفاً: "حتى بعد ان عرفنا الجهة المُرتكبة والأشخاص الذين قاموا بعمليتي التفجير، لم نسعَ إلى الإنتقام الشخصي مع العلم أنه جرى تهريبهم إلى الداخل السوري بطريقة يعلمها الجميع".

صحيح أن النظام السوري خرج بجيشه ومخابراته من لبنان في العام 2005 وهو الذي كان دخله في العام 1976 تحت ذريعة حمايته من العدو الاسرائيلي وتثبيت الأمن والاستقرار فيه، إلاّ أن ما شاخ عليه أفراده وأذنابه من وقاحة وتعاط بفوقية وقلّة ادارك معطوفة على "عقدة نقص"، ظل متجذراً فيهم وفي أفعالهم حتّى الأمس ويمتد إلى اليوم. وهذه تهديدات رجل النظام الدائم عضو مجلس الشعب السابق أحمد شلاش بحق اللبنانيين وتحديداً الطرابلسيين ما زالت ماثلة في الأذهان، فصبيّ النظام هذا كان توعد أهالي طرابلس بعد نزع اسم حافظ الأسد عن احد شوارع المدينة بالقول: "من نزع اسم القائد الخالد حافظ الأسد عن مستديرة طرابلس سيلقى رداً قاسياً وقاسياً جداً. سنهدم طرابلس على رؤوس من فيها إن لم يتراجعوا".

كثيراً ما غُرست في الأذهان مفاهيم من قبيل أن الوطن يُسقى بدماء أبنائه صغاراً او كباراً، وغالباً ما قامت التربية على فكرة النضال من أجل الكرامة والحرية ومواجهة الأخطار في سبيل الوصول الى الحق، لكن وعلى الرغم من صوابية المقولتين، تبقى للموت رهبة في النفوس خصوصاً عندما يكون المُستهدفون أبرياء من طينة زوّار دور العبادة لا مُغيث لهم للخروج من وسط النار التي يُشعلها الظالمون حولهم، سوى الصلوات والتضرّع إلى الله، ليرأف بحالهم وحال وطن، يأبى من يدّعون الجيرة "الحسنة" ومعهم أصحاب الدعوات إلى "العلاقات المميزة"، إلا إغراقه وأبناءه بالدماء، مرة بإرسال سيارات مفخّخة، ومرّات باستهداف شخصيات لم ترضَ الاستمرار في العيش، تحت حكم الوصايات وإرهاب الاحتلالات. وعلى بُعد يومين، سوف تُستعاد محطة من ذكريات مؤلمة مع نظام، لم يترك حرمة إلا وانتهكها بما فيها بيوت الله.

  • شارك الخبر