hit counter script

باقلامهم - فادي عبود

ثقافة العمل

السبت ١٥ آب ٢٠١٨ - 06:58

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

اود ان أروي على مسامعكم قصة غريبة ، بلد مكسور اقتصاديا ، متعثر انتاجيا، صادراته بتراجع مستمر، ولكنه يملك رخاء اقفال كل مؤسساته الرسمية والخاصة والمصارف والمرفأ حوالي 30 يوما في السنة، و3 ايام متلاحقة.

اعرف انه سيتم اتهامي مباشرة بالتعرض للمناسبات الدينية بالعكس فتمازج الاعياد والديانات في لبنان شيء رائع، ولكن ما لا أفهمه هو لماذا يترافق العيد الرسمي مع التعطيل عن العمل، وهي ظاهرة في لبنان باتت تهدّد الاقتصاد المنتج، وتكرّس عقلية الكسل بدل الإنتاج.

فلدى طرح اقتراح اعتبار عيد البشارة عيداً رسمياً، اقترحت إلغاء فرصة عيدين دينيّين لكلّ من الطائفة المسيحية والإسلامية واعتبار عيد البشارة عيداً موحَّداً وفرصة موحَّدة للطوائف كلِّها، وذلك للتقليل من عدد الفرص الدينية، والتي باتت تعتبر رقماً قياسياً في لبنان لا مثيل له في أيّ بلد في العالم. ولكن لم يقم وزير واحد بالتصويت لهذا الاقتراح، وتمّ إسقاطه.

وحيث إنّ الإنتاجية في لبنان تتراجع يوماً بعد يوم، ونحن بأمسّ الحاجة إلى كلّ يوم عمل لإعادة إنعاش الاقتصاد الوطني الذي يمرّ في أحرج الأوقات، من اللافت للنظر أننا نسير كما في أوروبا بالتوقيت الصيفي والشتوي ويتمّ تقديم وتأخير الساعة بحجة التخفيف من مصروف الكهرباء.

والبعض بربط الموضوع بالإنتاجية، طبعاً لا علاقة للإنتاجية، أقله في لبنان، بهذا الإجراء، وكما ذكرنا فإنّ العُطَل في هذا البلد، خاصة الدينية منها، هي أكثر من أيّ بلد آخر على الكرة الأرضية. وهنا أريد أن أسأل هل التعطيل عن العمل والإنتاج هو احترام أكبر لقيمة العيد أو الذكرى؟ هل إعلان الإضراب أو التعطيل بذكرى انتصار أو انكسار هو التعبير الأفضل؟

فكلّ ّيوم تعطيل يكلّف الإنتاج الوطني عشرات الملايين من الدولارات تكون بمثابة هدية لأعداء هذه الأمة! إذا أراد المراقب الاقتصادي أن يتحرّى عن الالتزام بالإقفال بالاعياد الدينية لوجد أنّ الالتزام يقتصر على القطاع العام حتماً، والمدارس والمصارف، بالطبع لأنّ الفوائد لا تعطل، والصحافة المكتوبة فقط.

فهل يُعقل مثلاً في مجتمع منتج أن يتمّ التوقف عن تخليص البضائع في مرفأ بيروت والمطار استيراداً وتصديراً، وهو من المفروض أن يعمل 365 يوماً 24/24 ساعة، وخاصة أنّ هذا النشاط هو الشريان الأساسي للبلد، وعمله يؤثر تأثيراً كبيراً على كلّ القطاعات الإنتاجية في البلد وكلّ يوم تأخير بتخليص البضائع سيزيد الكلفة على المواطن. فكيف لا يتمّ تأمين دوام حتى في أوقات الفرص الرسمية، فهل يُعقَل مثلاً إقفال المطار بحجة العطلة الرسمية، فتخليص البضائع هنا لا يختلف عن المطار، بل إنّ الحاجة إليه أساسية على مدار السنة وبدون توقف.

فكيف مثلاً يتقاضى عمال الجمارك ساعات إضافية وهم لا يؤمّنون أيّاً منها. فرسوم التخليص «تتزيّن» دائماً بما يُسمّى «مساعي»، وهذه ضرائب على المواطن تذهب إلى الموظفين بمثابة ساعات إضافية وهم لا يعملون!

بالله عليكم، انتبهوا إلى هذه التسمية «مساعي»، فهم يسعون جاهدين لتخليص المعاملات بأسرع وقت ممكن وتفرض لهم رسوم تسمّى «مساعي». كم هي عظيمة ورثة العثماني والفرنسي بعده!

فالدول التي تدرك أهمية الإنتاج تعمل مرافئها من دون توقف، مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية، ومؤخراً ذكرت صحيفة «هآرتس» العبرية أنّ ميناء حيفا شهد مؤخراً حركة دؤوبة للشاحنات التجارية التركية والأردنية، باعتباره بديلاً عن ميناء اللاذقية في سورية، الذي بات لا يعمل بكفاءة كافية نتيجة الحرب في هذا البلد.

وأشارت الصحيفة إلى أنّ «إسرائيل تحوّلت إلى قناة إقليمية مركزية للاستيراد والتصدير، بسبب الحرب الدائرة في سورية، بما في ذلك، تحوّلها إلى نقطة عبور للسلع والبضائع، بين الدول العربية وأوروبا».

وتقول صحيفة «هآرتس» «إنّ عائدات إسرائيل من رسوم استخدام الميناء والوقود ورسوم وزارة المواصلات والتأمين لعبور مثل هذه الشاحنات تتجاوز 55 مليون دولار سنوياً».

أما نحن فنعتبر المرفأ متجراً عادياً نقفله أيام العطل، ويعمل بدوام واحد، وباحتكار قلّ نظيره في العالم، ورسوم المرفأ المسمّاة زوراً رسوماً وهي تُجبى بحسب نوع البضاعة وليس وزنها وحجمها، أيّ هي ضرائب تُفرض على المواطن وتصل إلى حوالي 250 مليون دولار سنوياً ولا تدخل إلى خزينة الدولة.

هذه السياسة تظهر بوضوح أنّ لبنان لن يعود إلى لعب أيّ دور كصلة وصل بين الغرب والشرق، كما علمتنا إياه كتب الجغرافيا، لأننا نرتضي بأسوأ الخدمات المحتكرة في معابر بهذه الأهمية.

نزرع يومياً في أذهان طلابنا وشبابنا وأطفالنا وموظفينا التوق إلى أيام العطل، بدلاً من أن نزرع ثقافة الإنتاج والعمل، وهذه الذهنية لن تنجح في خلق مجتمع منتج متجدّد، ولن تنجح في خلق جيل طامح إلى الخلق والابتكار وبذل العرق في سبيل تحقيق أهداف وإنجازات.

يجب العمل على عدم ربط العيد والمواقف الوطنية بالإقفال والتعطيل، فمجتمعنا لا يتحمّل تضييع المزيد من الفرص في ظلّ منافسة شرسة من دول الجوار على جميع الصعد، وتأمين دوامات في المرفأ والمصارف والإدارات الرسمية التي تتعاطى مع القطاع الخاص.

في اغلب الدول المنتجة يٌمنح الموظف عددا من الفرص يستطيع الاستفادة منها متى يريد ووبحسب قناعاته الدينية او خططه لقطاء العطل وغيرها، وبهذه الطريقة لا يتم اقفال الدوائر الرسمية والمرافق الحيوية والمصارف وشل الحركة الاقتصادية ، فمثلا في الصين يتم اعطاء الموظف 15 يوما ، وفي سنغافورة 18 يوماً، نقترح ان يتم اعتماد نفس الشيء في لبنان عبر اعطاء الموظف فترة بين 20 و25 يوما وذلك حسب سنين الخدمة والعمل ويستفيد بها كما يشاء وفي المناسبات اللدينية التي يريد ومن دون اقفال تام للبلد.

لا نتحمّل أن نخسر بعد اليوم أيّ دقيقة لتحسين الإنتاجية في مجتمعنا، لا نتحمل ان نزرع ثقافة الكسل ،بمجرد النظر الى اقتصادنا المتعثر اليوم يجب ان نتعلم ان العمل هو ثقافة الحياة.

  • شارك الخبر