hit counter script
شريط الأحداث

مجتمع مدني وثقافة

أبرشيّة بيروت المارونيّة صلّت على نيّة فرنسا في عيد انتقال السيدة العذراء

الأربعاء ١٥ آب ٢٠١٨ - 14:00

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

صلّت أبرشيّة بيروت المارونيّة مع راعيها وكهنتها وأبنائها على نيّة فرنسا في عيد العذراء مريم في ذكرى انتقالها إلى السماء بالنفس والجسد، في تقليد يعود إلى حوالي قرن ونصف القرن. وفي المناسبة احتفل رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر يحيط به نائبه العام المونسنيور جوزف مرهج وكاهن الرعيّة الخوري شربل مسعد ولفيف من الكهنة، بالذبيحة الإلهيّة على نيّة فرنسا دولة وشعبًا ، في كنيسة السيدة في الكرسي الأسقفي الصيفي لمطرانيّة بيروت في عين سعادة. وقد شارك في القدّاس إلى القائم بأعمال السفارة الفرنسيّة في لبنان السيد أرنو بيشو و السيدة كريستيان كامرمان وأركان السفارة، وزير الشؤون الإجتماعيّة في حكومة تصريف الأعمال الأستاذ بيار بو عاصي والنواب السادة: ماريو عون وإلياس حنكش وإدي أبي اللمع والوزراء السابقون ،رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق الشيخ وديع الخازن والشيخ ميشال الخوري وسليم الصايغ وروجيه ديب وإبراهيم الضاهر والنائب السابق غسّان مخيبر ورئيس الرابطة المارونيّة النقيب أنطوان قليموس والأمين العام للجنة الحوار المسيحي الإسلامي الأمير حارث شهاب وشخصيات قضائيّة ونقابيّة وثقافيّة.

وبعد الإنجيل المقدّس ألقى المطران مطر عظة تحدّث فيها عن العذراء وفضائلها وعن العلاقة التي تربط الكنيسة المارونيّة وأبرسيّة بيروت بفرنسا، وقال:

يُسعدني، بدايةً، أن أتوجَّه إلى شخصكم الكريم، حضرة القائم بأعمال السفارة في لبنان، لشكركم على حضوركم معنا الآن، تمثِّلون فرنسا في عيد الانتقال هذا، وأنتم على أهبة الاستعداد للمغادرة، بعد سنوات قضيتموها في ربوعنا، وقد شاركتمونا فيها، لمرات، فرح هذا اللقاء السنوي، حيث نحتفل في هذا الكرسيِّ الأسقفيِّ بالقداس التقليديِّ على نيَّة فرنسا.

وإنَّها لمناسبة أضمُّ فيها صوتي إلى أصوات مواطنيَّ لشكركم على خدمات قدَّمتموها لهذا الوطن طوال فترة خدمتكم فيه، متمنِّيًا لكم نجاحًا باهرًا في المهام الجديدة الَّتي ستسندها إليكم حكومة بلادكم العزيزة.

إنَّ أبرشيَّة بيروت الَّتي تأسَّست منذ القرون الأولى للمسيحيَّة تضمُّ العاصمة وجزءًا من الجبل المحيط بها، وتحتضن قبابًا وأجراسًا كثيرة. وإنَّ من بين رعاياها الَّتي تتَّخذ العذراء مريم شفيعة لها، واحدة ناشطة عرفت باسم «سيِّدة العطايا»، وقد أشيدَتْ كنيستها في جوار مسجد، لأنَّ مريم تؤثر السكن إلى جانب كلِّ أولادها، ولأنَّ شعبنا كلَّه يتطلَّع إلى مريم في كلِّ حال وعند كلِّ حاجة.

وبالفعل فإنَّ كلَّنا يقرع أبواب العذراء مريم كلَّما حملتنا إلى ذلك حاجة مادِّيَّة أو معنويَّة أو روحيَّة.

تحفزنا إليها، أيضًا، صلاة يردِّدُها المؤمنون منذ القرن الثَّالث: «في ظلِّ حمايتك نلتجئ يا والدة الله القدِّيسة فلا تغفلي عن احتياجاتنا إليك»، فالعذراء ليست معونتنا فحسب إنَّما هي ذات سخاء فائض، حيث يمكننا الاعتماد على عطاياها اللاَّمتناهية، وهي العطايا الَّتي سنتأمَّل فيها في هذا القدَّاس.

في عيد البشارة – الَّذي أصبح في لبنان عيدًا وطنيًّا للمسيحيِّين كما للمسلمين – قدَّمت مريم أجمل ما يُقدِّمه البشر حيث أتاحت لابن الله أن يتَّخذ من جسدها جسدًا. لقد أصبح الله حقًّا عمانوئيل – إلهنا معنا – وبات واحدًا منَّا. ولنا من القدِّيس برناردوس، في عظة له شهيرة، وصف جميل للحوار الَّذي تمَّ بين مريم والملاك جبرائيل حيث قال: «إنَّ الأرض بكاملها، في أعماقها والسماوات كانت معلَّقة على شفتَيْ مريم تنتظر تلك «النَعم»، لأنَّ موافقتها من خلال عبارتها «لتكن مشيئتك»، كانت ضروريَّة لإتمام المخطَّط الإلهيِّ لخلاصنا».

وفي زيارتها لإليصابات أَعطَت مريم نسيبتها، ومن خلالها مَن في أحشائها، - يوحنَّا السابق – فرحًا حين وضعت ذاتها في خدمتها على مدى ثلاثة أشهر. وهكذا تجعلنا مريم نتحسَّس بحضور الله من خلال يسوع الَّذي تحمله، وقد كانت له كأس القربان الأوَّل. وإنَّ رحلتها بين الناصرة وعين كارم، تشكِّل الطواف الأوَل للقربان المقدَّس في التَّاريخ.

وفي الميلاد قدَّمت لنا مريم الهديَّة الأَروَع الَّتي حقَّقت الحلم البشريَّ الأَبرَز فصار لله وجه، كما البشر، ونحن نرتِّل في تساعيَّة الميلاد المارونيَّة: «لقد رأت أعيننا، ولمست أيدينا، وسمعت آذاننا مَن تختبئ أمامه وجوه الملائكة».

وفي قانا – القرية الَّتي تبعد 15 كلم عن صور، بحسب القدِّيس جيروم – قدَّمَت مريم ما هو أبعد من عطيَّة الخمر الجيدة إلى أهل العرس، فأعطت الرُّسُل إيمانًا جعلهم يكتشفون أنَّ ابنها هو المسيح المنتظَر. وينقل الإنجيل أنَّه، انطلاقًا من هذه الأعجوبة الَّتي حصلت بفضل لباقة مريم، آمن الرُّسُل به، وجعلتنا مريم نُدرك أنَّ يسوع هو المسيح.

وعلى الجلجلة قدَّمَت مريم، وهي على أقدام الصليب، جسد المسيح ودمه لخلاص العالم. وكان البابا القدِّيس يوحنَّا بولس الثَّاني يحلو له الكلام عن مريم «شريكة فداء الجنس البشريِّ». وقد تحقَّقت هناك نبوءة سمعان الشيخ المؤلمة: «إنَّ سيف الحزن يجتاز نفسك»، وقالت بهذا الصدد الطوباويِّ أنَّ ماري ايمارييه «السهم الَّذي اجتاز جنب السيِّد مزَّق أيضًا قلب أمِّه». وقد وهبتنا دموعها للتَّعبير عن فداحة الخطيئة الَّتي سبَّبَت آلام وحيدها وموته على الصليب.

وفي المحفل، يوم العنصرة، كانت مريم، أمُّ الكنيسة تصلِّي في وسط الرُّسُل، وتتلقَّى هبوب الرُّوح وعطاياه. ولنا من القدِّيس الفرنسيِّ الَّذي وصف بالرُّسُول المريميِّ، لويس ماري غرينيون دو مونفور، تعبير جميل عن منافع التَّعبُّد لمريم حيث قال: «عندما يجد الرُّوح القدس مريم في النَّفس، يطير إليها ويلجها بكلِّيَّتها ويتعاطى مع هذه النَّفس بسخاءٍ». وإنَّ كتابات هذا القدِّيس قد طَبَعت بالعمق روحانيَّة البابا القدِّيس يوحنَّا بولس الثَّاني الَّتي استوحى منها شعاره المعروف «كلُّ شيءٍ لكِ».

وها نحن اليوم نتطلَّع بثقة نحو مريم طالبين منها بإلحاح عطيَّةَ السَّلام لكلِّ الشَّرق، وهي المنطقة العزيزة على قلبها، ففلسطين بلادها، ومصر ملجأها مع طفلها يسوع، وأرض الأردن وسوريا تعرفها، كذلك لبنان حيث رافقت ابنها المخلِّص في رسالاته إلى صور وصيدا، وقد أقامَت أيضًا في المنطرة – تنتظر ابنها – بحسب التَّقليد. وإنَّنا لمؤمنون بأنَّ العذراء الَّتي تداوي بأمومتها كلَّ جراحات المخلِّص، وهو مَن يجعلها إلى جانبه في مثل هذا العيد الممجَّد.

وإذا كان لمريم أرض رسالة أخرى، فهي فرنسا وأوروبا. ولَكمْ تدخَّلت في تاريخهما لخلاصهما من الأخطار الداخليَّة والخارجيَّة المحدقة بهما. ففي بونتمان – الَّتي نكرِّمها في لبنان من خلال سيِّدة بشوات، طلبت مريم من الأولاد أن يصلُّوا لإبعاد خطر بروسيا. وفي العام 1947، في جزيرة Ile Bouchard - طلبت مريم من جديد أن «يصلِّي الأولاد من أجل فرنسا الَّتي تعاني خطرًا كبيرًا هذه الآونة». وفي فاتيما في البرتغال طلبت مريم أن يتكرَّس العالم لقلبها الطاهر لينتصر على خطِّ الشيوعيَّة.

هل لنا أن نعدِّد المزارات المريميَّة في أوروبا؟ أكتفي هنا بذكر أبرزها كمزار سيِّدة لورد في فرنسا وسيِّدة ديبيلار في اسبانيا وسيِّدة الورديَّة في بُومبِايِ وسيِّدة لوريت في إيطاليا وسيِّدة سينرتوهويا في بولونيا.

وفي فرنسا أيضًا ومن قلب العاصمة الفرنسيَّة، ظهرت مريم لراهبة شابَّة هي القدِّيسة كاترين لابوريه، «الميداليَّة العجائبيَّة» بسبب العجائب الكثيرة الَّتي منحتها مريم لكلِّ مَن لجأ إليها.

وقد أظهَرَت مريم، إلى ذلك رغبة في نشر فضائلها في العالم كلِّه، فأجابت الشَّابَّة عن سؤالها عند رؤيتها لها: لماذا يخرج من يديها أشعَّة منيرة في بعضها ومعتمة في بعضها الآخر. إنَّها تمنح نعمها لكلِّها، ولكن علينا نحن أن نطلبها، وألاَّ نتردَّد.

هذه الميداليَّة العجائبيَّة الَّتي تمثِّل مريم محاطة باثنتي عشرة نجمة «أوليست هي مَن أَوحَت بالعَلم الأوروبيِّ لمخترعه آرسين هايتز، وقد كان كاثوليكيًّا ملتزمًا؟ أوليس في ذلك، أيضًا إشارة إلى ما وصف به سفر الرؤيا مريم وهي السيِّدة الملتحفة بالشمس وتحت قدميها القمر وعلى رأسها تاج باثنتي عشرة نجمة»؟ أمَّا الأزرق اللاَّزورديُّ الَّذي يلازم الأيقونَة المريميَّة فهو الَّذي طبع صورة مريم لدى المؤمنين من الكاثوليك والأرثوذكس الَّذين يحيطون السيِّدة بتكريمٍ خاصٍّ.

أمَّا الأرزة الَّتي تتصدَّر علمنا اللبنانيَّ، بمهابة ورمزيَّة، فهي أيضًا لقب للعذراء مريم ونحن نذكرها في طلبتنا المريميَّة قائلين: «يا أرزة لبنان تضرَّعي لأجلنا».

إنَّنا، بروحيَّة قداسة البابا فرنسيس، الَّذي يضع كلَّ زياراته الرسوليَّة في حماية مريم، كما يضع باقات الزهور باستمرار أمام أيقونة مَن تحمي شعبه الرُّومانيَّ – ندعوكم، سعادة القائم بالأعمال إلى توحيد نوايانا سائلين مريم، ينبوع النِّعم، أن تمنح فرنسا الَّتي تحبُّ، ولبنان الَّذي يعتبرها سلطانته، نِعَمَ السَّلام والوفاق والانسجام واحترام القِيَمِ واعتقادات الأفراد. آمين.

  • شارك الخبر