hit counter script

مجتمع مدني وثقافة

المطران بو جودة: نطلب من الرب أن ينير قلوب المسؤولين كي يعملوا لمصلحة لبنان

الإثنين ١٥ آب ٢٠١٨ - 22:31

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

اقيم قداس احتفالي في كنيسة سيدة البرية الأثرية في بصرما لمناسبة تدشينها وترميمها، بدعوة من رعية مار يوسف ولجنة الوقف والبلدية ورئيس دير سيدة النجاة بصرما التابع للرهبانية اللبنانية المارونية القاضي الروحي الأب الدكتور باخوس طنوس.

ترأس القداس راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جودة عاونه في الخدمة الخوري طوني ابونعمة وخادم الرعية الاب باخوس طنوس، شاركه مدير جامعة الروح القدس الكسليك ورئيس دير ومدرسة شكا المارونية الاب الدكتور شربل شاهين، الاب الدكتور أنطوان الصيفي الأب جريج فرنسيس و رئيس دير مارانطونيوس جديدة زغرتا، ورئيس مدرسة نورث ليبانون كولدج الأب الدكتور الياس حنا وخادم رعية بصرما الأرثوذكسية الخوري رومانوس الخولي الذي قدم خلال القداس ايقونة العذراء مريم إلى رئيس الدير.

حضر القداس رئيس بلدية بصرما ايلي صليبا، منسق اللجنة الاسقفية للحوار المسيحي- الإسلامي في الشمال الزميل جوزاف محفوض،اعضاء المجلس البلدي ولجنة الوقف، رجل الأعمال جان برجيس صليبا،المحامي جان شلهوب ،الدكتور جيلبار الدويهي، المهندس ميشال شلهوب، وخدم القداس جوقة قاديشا بقيادة الأب الدكتور يوسف طنوس عميد كلية العلوم الدينية المشرقية في جامعة الروح القدس الكسليك.

بو جودة
وبعد الإنجيل القى بوجودة عظة قال فيها : "يطيب لي أن أدشن معكم وأكرس هذا المزار التاريخي المبني على إسم السيدة العذراء سيدة البرية، بعد أن قام بترميمه حضرة الأب باخوس طنوس رئيس دير سيدة النجاة في بصرما، والمعروف أن هذا المزار موجود في منطقة يعيش فيها المسيحيون والمسلمون بجو من التوافق والحوار والتعاون نظرا لما يكنه المسلمون للسيدة العذراء.

تتم هذه الذبيحة الإلهية ونحن على مشارف الإحتفال بعيد إنتقال السيدة العذراء مريم بالنفس والجسد إلى السماء".

اضاف:"يعتبر هذا العيد قمة الأعياد المريمية، إن من ناحية إحتفالنا بمناسبات من حياتها على الأرض أو من ناحية تكريمنا لها كأم لإبن الله المتجسد، يسوع المسيح. لأن لهذا العيد، كما لسائر أعيادها، أبعادا بشرية عاطفية وأبعادا لآهوتية روحية.
أن تكريمنا للعذراء وتطويبنا لها لا يقوم فقط على الأمور العاطفية المادية بل يتعداها إلى البعد اللآهوتي. فالمسيح، عندما رفعت إمرأة من الجمع صوتها، وهو يعلم، لتقول له طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين رضعتهما، لم يتوقف عند الأمومة الجسدية لأمه، بل تعداها للتركيز على الأمومة الروحية لكون حياة أمه مريم على الأرض كانت بإستمرار حياة إصغاء لكلام الرب وعمل بمقتضاه.

ولكي نفهم المعنى الحقيقي لهذه الأمومة علينا أن نعود إلى الكتاب المقدس، في عهديه القديم والجديد وبصورة خاصة إلى سفر التكوين في العهد القديم وإلى إنجيل لوقا في العهد الجديد.

في سفر التكوين، عندما يروي لنا الكاتب رواية الخلق، يقول لنا الكاتب أن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله، ونفخ فيه روحه. ذكرا وأنثى خلقهما، إذ أخذ ضلعا من آدم وجعله إمرأة فقال هذا الأخير: هذه هي لحم من لحمي وعظم من عظامي هذه تسمى إمرأة، لأنها من إمرئ أخذت.

لكن آدم وحواء إستسلما لإرادة الشيطان المجرب، المتمثل بالحية، الذي أغراهما بقوله لهما أنهما إذا أكلا من ثمر شجرة معرفة الخير والشر، يصبحان كآلهة ويصبح بإمكانهما الحصول على السعادة بإمكانياتهما الخاصة والإستغناء عن الله. لكنهما بفعلهما هذا حكما على نفسهما بالهلاك، فاكتشفا عريهما ومحدوديتهما، وسمعا الرب يذكرهما أنهما من التراب أخذا وإلى التراب يعودان".

وتابع:"الله الذي هو محبة، وبمحبة خلق الإنسان، لم يرد أن يتركه فريسة بين أيدي الشيطان، بل وعده بمخلص يعيد إليه الحياة، ويكون مولودا من إمرأة إذ قال للحية الشيطان: "أجعل عداوة بينك وبين المرأة، بين نسلك ونسلها، أنت ترصدين عقبها وهو يسحق رأسك".

وفي ملء الزمان، كما يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية، أرسل الله إبنه الوحيد مولودا من إمرأة، إذ أن نسل المرأة سوف يكون يسوع المسيح، المخلص، وهو آدم الثاني، والمرأة سوف تكون مريم العذراء، حواء الثانية. وهكذا كما خلق آدم وحواء بريئين من الخطيئة، أرسل إبنه يسوع الذي لم يكن فيه خطيئة. وخلق مريم بريئة من الخطيئة كي تستطيع، كحواء الأولى، أن تتمتع بالحرية التامة.

وعلى عكس حواء الأولى التي إستعملت هذه الحرية لرفض الله، تستعمل حواء الثانية، مريم هذه الحرية، لتعمل إرادة الرب، وتقول للملاك عندما بشرها بأنها ستكون أما للمخلص: "ها أنذا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك".

هنا نصل إلى الإنجيل بحسب القديس لوقا الذي يروي لنا حادثة البشارة. فنجد أن بين هذا النص، وسفر التكوين، أوجه شبه عديدة. ففي كلا النصين عندنا إمرأة: حواء ومريم. وفي كلاهما مرسل: من الشيطان، في سفر التكوين هو الحية، ومن الله في الإنجيل، هو الملاك جبرائيل وفي كلا النصين حوار بين المرسل والمرأة:

في سفر التكوين يقول الشيطان لآدم وحواء أنهما إذا خالفا إرادة الرب، لن يموتا، بل يصبحان كآلهة ولن يعود لله سلطان عليهما".

وقال بو جودة "في الإنجيل يقول الملاك لمريم عكس ذلك تماما: أن كل شيء مستطاع عند الله وأنها هي ستكون أما للعمانوئيل الذي معناه الله معنا، وهو يسوع المسيح.

وأخيرا في كلا النصين موقف تأخذه المرأة: إستسلام لإرادة الشيطان الذي نتيجته الموت، في سفر التكوين. وعمل بإرادة الرب في الإنجيل، ونتيجته العودة إلى الحياة والفردوس، في الإنجيل.

هذا ما يساعدنا على فهم العقائد المريمية التي تؤمن بها الكنيسة، ويفسر لنا سبب تكريمها للعذراء بهذه الصورة المميزة. فالعذراء هي حواء الثانية التي بواسطتها جاء الخلاص إلى الإنسان. فكلمة حواء تعني أم الحياة، وقد جعلت حواء الأولى من نفسها، بمخالفتها للرب، أما للموت، بينما جعلت مريم من نفسها، بعملها بإرادة الرب، أما لمن هو الحياة، يسوع المسيح.

وهكذا عندما تعلم الكنيسة أن مريم هي بريئة من الخطيئة الأصلية وقد حبل بها بلا دنس، فإنها تعود في تعليمها هذا إلى الكتب المقدسة.

وعندما تعلم أن العذراء إنتقلت بالنفس والجسد إلى السماء، وهو العيد الذي نحتفل به اليوم، فإنها تعلمنا بأن يسوع المسيح، آدم الثاني، الذي إنتصر على الموت بالقيامة، ووطئ الموت بالموت كي يعيد الحياة للذين في القبور، هو الذي يعيد الإنسان إلى الفردوس، بمشاركة أمه مريم العذراء، وكما صعد هو إلى السماء بعد قيامته، هكذا أخذ أمه معه إلى السماء بعد رقادها، عربونا عن إنتقالنا نحن أيضا بعد الموت، وعند القيامة الأخيرة.

عقيدة الحبل بمريم بلا دنس، وعقيدة إنتقالها إلى السماء بالنفس والجسد عقيدتان مرتبطتان ببعضهما. ذلك أن الله الذي خلق مريم بريئة من الخطيئة الأصلية لتتمتع بالحرية التامة، لم يرد أن يرى جسدها فسادا فنقلها إليه بالنفس والجسد. وبامكاننا القول أنه بذلك وكأنه يخلق البشرية من جديد، ويعيد إليها صورته التي فقدتها وشوهتها عندما قررت الإبتعاد عنه ورفضه.

وقد آمنت الكنيسة بهاتين العقيدتين منذ البدء، لكنها لم تحددهما كعقيدتين إيمانيتين إلا عندما بدأ البعض يشككون بهما تحت تأثير تيارات فكرية وفلسفية ملحدة، على أثر ما سمي عصر الأنوار، أي القرن الثامن عشر في أوروبا، فاضطر البابا الطوباوي بيوس التاسع إلى إعلان عقيدة الحبل بمريم بلا دنس في الثامن من كانون الأول سنة 1854، والبابا بيوس الثاني عشر إلى إعلان عقيدة الإنتقال في الخامس عشر من آب سنة 1950.

إن مريم هي مثال وقدوة لنا، أيها الأحباء، فإذا كان الله قد ميزها بهذه الصورة، فإنه من خلالها يميزنا نحن كأبناء لها. وإذا كان قد نقاها من الخطيئة فلأنه يريد أن ينقينا نحن أيضا منها بواسطة الأسرار لنستحق مثلها أن نشاركه مجده الأبدي. لكن ذلك يفرض علينا إتخاذ موقف واع وحر، أي أن نعمل إرادته ونرفض أن نستسلم لإرادة الشيطان المجرب.

وإننا إذا ما قمنا بمراجعة حياة وفحص ضمير، وجدنا أن كل واحد منا إسمه آدم وحواء الأولآن، وبأمكانه أن يكون آدم وحواء الثانيين.

فإننا عند إرتكابنا الخطيئة ومخالفتنا لإرادة الله ووصاياه نتصرف كأبوينا الأولين ونحكم على نفسنا بالهلاك. وعندما نندم ونتوب على فعلتنا فإن الله، على مثال الآب في مثل الإبن الشاطر يفتح لنا قلبه وذراعيه ويستقبلنا من جديد في بيته الأبوي، ويقول: "إبني هذا كان مائتا فعاش وضالا فوجد".

وقد عبر بولس الرسول عن هذين الموقفين في رسالته إلى أهل روما حين قال: "ما أتعسني من إنسان، فالخير الذي أريده لا أعمله، والشر الذي لا أريده إياه أعمل. فمن يخلصني من جسد الموت هذا؟ المجد ليسوع المسيح الذي بواسطته نلت الخلاص.

إننا نعيش هذا التجاذب والصراع في حياتنا اليومية، عندما نتعرض للتجربة ونستسلم لها، مع أننا نقول بأننا نؤمن بما يعلمنا إياه المسيح والكنيسة، نظرا لضعفنا البشري. فلذلك نحن مدعوون بإستمرار إلى أن نكون في حالة إصغاء إلى كلام الرب، والعمل بمقتضاه، على مثال العذراء مريم والقديسين، فلا يكون إيماننا بالله بالكلام واللسان، بل بالعمل والحق، أي بأن نعيش متطلبات إيماننا المسيحي، ونتقيد بتعاليم وإرشادات الكنيسة بصورة فعلية وعملية. فإيماننا المسيحي ليس أفكارا ونظريات فكرية مجردة ولا هو إيديولوجية، بل هو حياة عملية. على مثال المسيح الذي أحبنا ببذل ذاته عنا على الصليب. وهو بذلك يوصينا ويقول لنا: من أراد أن يكون لي تلميذا عليه أن يحمل صليبه ويتبعني، ويضيف أن وصيته لنا هي أن نحب بعضنا بعضا كما هو أحبنا.

فلنجعل من إحتفالنا بهذا العيد مناسبة للاقتداء بالمسيح والعيش حسب وصاياه، والإقتداء بمريم، أي بسماع كلمة الله والعمل بها حتى نستحق الطوبى الحقيقية التي إستحقتها من إبنها، وننتقل معها إلى السماء بعد نهاية حياتنا على هذه الأرض.

إننا نصلي اليوم، أيها الأحباء، ونطلب من الرب أن ينير قلوبنا وقلوب جميع المسؤولين السياسيين في هذه البلاد كي يصغوا إلى كلام الرب ويعملوا ما هو لمصلحة لبنان في هذه الظروف الصعبة والقاسية وفي سبيل مصلحة المسيحيين في هذا الشرق المتعذب، الذين يتعرضون للمضايقات والإضطهادات والتهجير، كي يعود إلينا السلام ونستطيع أن نكون شهودا حقيقيين للايمان بالتعاون مع بعضنا البعض، مسيحيين ومسلمين، فنعود ونجعل من لبنان، كما قال عنه البابا القديس يوحنا بولس الثاني رسالة للشرق والغرب وللعالم أجمع".

وبعدها توجه الجميع إلى دير سيدة النجاة بصرما حيث اقيم ريستال ديني لجوقة قاديشا وعشاء قروي في باحة الدير الخارجية شارك فيه أمين سر تكتل الجمهورية القوية النائب السابق الدكتور فادي كرم إلى جانب المطران بوجودة والرهبان، وتخلل الإحتفال حفلة فنية وتومبولا.

وفي الختام قدمت لجنة الوقف درعا تكريميا خلال الحفل الى رجل الاعمال جان برجيس صليبا على دعمه المادي والوقوف إلى جانب الرعية ، كما قدم درعا آخر إلى الأب الدكتور باخوس طنوس من رئيس البلدية ووقف رعية ماريوسف وأهالي بصرما وامتدت السهرة الفنية حتى الصباح الباكر.

  • شارك الخبر