hit counter script

مقالات مختارة - انطوان فرح

بُنية الفوائد ترتفع إلى مستويات مُقلقة

الإثنين ١٥ آب ٢٠١٨ - 06:54

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

فرضت أسعار الفوائد نفسها مجددا على مسرح التطورات المالية والاقتصادية المُقلقة التي تستحق المتابعة بدقة، خصوصا ان المستويات التي بلغتها اليوم، تشكّل اعاقة حقيقية امام كل فرص النمو، وباتت تُطرح تساؤلات حول التأثيرات السلبية التي سيتركها هذا الوضع في حال طالت فترة ارتفاع الاسعار.
في تشرين الثاني 2017، وابان أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، اتُخذ قرار برفع اسعار الفوائد، لتشجيع المودعين على التمسّك بالليرة اولا، ومن ثم الابقاء على ودائعهم في المصارف اللبنانية.

وقد تمّ في حينه «رفع معدل الفائدة المرجعية لليرة اللبنانية في سوق بيروت، الى 10.65% بدلاً من 8.65% هذه المعدلات تشكل قاعدة لاحتساب الفوائد المدينة بعد إضافة نوعية مخاطر الائتمان والربحية بالنسبة للتسليفات والقروض بالدولار وبالليرة اللبنانية».

اعتبر هذا التدبير بمثابة اجراء احترازي لا بد منه لمواكبة الأزمة التي ولّدتها استقالة الحريري المفاجئة في ذلك الوقت. وكانت هناك نية لدى المراجع المختصة في أن تُعيد خفض اسعار الفوائد، فور انتهاء تداعيات الأزمة السياسية على الاسواق.

لكن ما جرى منذ ذلك التاريخ حتى اليوم لم يسمح بتنفيذ هذه الرغبة، وبدلا من ذلك، تراكمت الأزمات السياسية، وآخرها أزمة تأليف الحكومة الجديدة، وباتت الضغوطات المالية اكثر تعقيدا.

هذا الواقع فرض اجراءات استثنائية لمواكبة الأزمة. ومن المعروف ان الاجراءات التي يتمّ اتخاذها في الأزمات، لا تشبه كثيرا الاجراءات الاقتصادية المعتمدة في الحقبات العادية.

في الأزمات، تسقط كل القواعد والتطبيقات والنظريات التي يقترحها خبراء الاقتصاد، بما فيها «وصفة» تايلور الشهيرة المتعلقة في أُسس تحديد اسعار الفوائد من قبل المصارف المركزية في العالم «i= r* + pi + 0.5 (pi-pi*) + 0.5 (y-y*)» ولا توجد وصفات جاهزة لفترة الأزمات، بسبب الاختلافات الجذرية في نوعية المشاكل التي تواجه الدول.

في الأزمة اللبنانية القائمة حالياً، يتصرّف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مثل طبيب جراح يجري جراحة في الرأس.

فهو يدرك دقة العملية، وخطورتها وأهميتها في إنقاذ المريض. ويضطر البنك المركزي الى اتخاذ قرارات موجعة، في اطار خيارات محدودة جداً، عليه أن يقرّر في فترة زمنية ضيقة، ماذا يختار منها. ويبدو ان الخيار في الأزمة الحالية، وقع على قرار رفع اسعار الفوائد في الاسواق، وهذا يعني ان أسعار الفائدة المرجعية التي تقررت في تشرين الثاني 2017، لم تعد تجدي لمواجهة تداعيات الأزمة، ومنع الوصول الى الاسوأ.

وقد شهدت اسعار الفوائد ارتفاعا غير رسمي، (ليس محتسباً على قاعدة الفائدة المرجعية المحدّدة بـ10.65%)، وصل الى سقوف جديدة. وبات الحصول على قرض بالليرة، في نوعية محدّدة من القروض، يتطلب دفع فائدة قدرها 20%. هذا الواقع يعني انه من دون قروض مدعومة، أصبحت كل الاعمال مهدّدة وغير قادرة على النمو أو حتى الصمود.

في المقابل، ارتفعت أسعار الفوائد على الايداعات، ووصلت في بعض الحالات الى 15%. ومن خلال المسار الذي تسلكه عمليات تجديد عقود الودائع في المصارف، يبدو ان هذا السعر سوف ينتشر اكثر فأكثر في الايام المقبلة. وهذا الامر طبيعي، لجهة التوازن بين اسعار الفوائد على القروض والودائع، لأنه لا توجد جهة رسمية قادرة على تسديد الفرق، في الاسعار.

رغم قساوة هذا الواقع، الا انه يبقى تحت السيطرة، ما دامت الفترة الزمنية التي يستغرقها الخروج من هذا المأزق قصيرة. واذا قارنا اسعار الفوائد في لبنان بأسعار الفوائد في تركيا اليوم، سيتبيّن انها متقاربة. واذا أجرينا مقارنة بين الاقتصادين اللبناني والتركي، نستطيع ان نستنتج ان ارتفاع اسعار الفوائد عندنا مُبرّر وغير كارثي ما دام مجرد اجراء مؤقت لمواجهة ظرف مستجد، يُفترض ان ينتهي قريبا.

لكن التداعيات الخطيرة لهذا الواقع ستظهر بوضوح أكبر، في حال طالت حقبة الأزمة القائمة اليوم. وستضطر المصارف الى تغييرات جذرية في بنية القروض الممنوحة الى كل القطاعات. وفي هذا الوضع، لا تكمن الأزمة في وقف الاستثمارات الجديدة فحسب، بل في انهيار الاستثمارات القائمة، والتي تعيش على قروض مفتوحة بأسعار فوائد متدنية نسبيا، ولن تكون قادرة على الاستمرار في ظل اسعار فوائد تتجاوز سعر الفائدة المرجعية بـ500 نقطة وأكثر.

في كل الاحوال، هناك من يعتقد ان اسعار الفوائد كما هي اليوم، ليست مرتفعة بل طبيعية وفق القواعد الاقتصادية المعتمدة في العالم. والواقع، ان أسعار الفوائد في لبنان قبل الأزمات المستجدة منذ تشرين الثاني 2017، كانت غير طبيعية، وأدنى بكثير من الواقع الاقتصادي. لكن لبنان الذي يعاني من أزمة دين عام كارثية، يحتاج الى أسعار فوائد استثنائية ومنخفضة، لمنع كتلة الدين (82 مليار دولار) من بلوغ مستويات خطيرة تصل الى حد عدم القدرة على تسديد المستحقات. ومن خلال العقود الطويلة التي يتمّ ابرامها لجذب الودائع، لا يبدو ان اعادة اسعار الفوائد الى مسارها المنخفض السابق، متوقعة في وقت قصير.

  • شارك الخبر