hit counter script

مجتمع مدني وثقافة

المطران بو جوده احتفل بسيامة ابراهيم الخوري في الديمان

السبت ١٥ آب ٢٠١٨ - 11:33

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

احتفلت ابرشية طرابلس المارونية بسيامة الشماس ابراهيم الخوري انطون الخوري، كاهنا على مذبح الرب، بوضع يد راعي الابرشية المطران جورج بو جوده، خلال قداس احتفالي تراسه في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان، بمشاركة الاساقفة جوزاف نفاع، يوسف سويف، وحنا رحمه، وحضور لفيف من الكهنة والرهبان والراهبات، وحشد كبير من الفاعليات، وابناء رعية سيسوق، واهل واقرباء الكاهن الجديد.

عاون المطران بو جوده في القداس، رئيس دير مار انطونيوس البادواني في كرم سده المونسنيور انطوان مخائيل، المونسنيور الياس جرجس، ورئيس لجنة الدعوات في الابرشية الخوري سيمون جبرائيل.

بعد الانجيل المقدس، القى المطران بو جوده عظة قال فيها: "تتوافق سيامتك الكهنوتية مع عيدي قديسين يعتبران مثالا لكل الكهنة هما القديس دومنيك عبد الأحد والقديس جان ماري فياني خوري آرس شفيع جميع الكهنة، وبصورة خاصة كهنة الرعايا. بهذه المناسبة أتأمل معك بحياة هذين القديسين اللذين كانا وما زالا مثالا وقدوة لجميع الكهنة. عاش القديس عبد الأحد في القرن الثاني عشر يوم كانت الكنيسة تتعرض لصعوبات كثيرة تهدد مصيرها بسبب الإنشقاقات والهرطقات العديدة التي كانت تعيشها والتي إستعملت لمعالجتها في غالب الأحيان وسائل القوة والعنف ولم تفلح. وقد أرسل الله إلى الكنيسة آنذاك القديس عبد الأحد الذي تميز بغيرته الرسولية وروحه الطيبة ووضع موضع التنفيذ في عمله الرسولي قول الرب يسوع عندما لم يستطع تلاميذه أن يشفوا أحد المرضى المعرضين لتجربة الروح الشريرة، فقال لهم يسوع: هذا النوع من الشياطين لا يطرد إلا بالصوم والصلاة. وكان هذا هو الأسلوب الذي إستعمله عبد الأحد، إذ إنه، كما يقول التاريخ من أول الذين دعوا إلى صلاة المسبحة الوردية للطلب من العذراء مريم التشفع للكنيسة في تلك الظروف الصعبة، كما أنه فهم أن دور الكاهن هو التعليم الصحيح والصلاة، فأسس جمعية رهبانية تخصصت بالوعظ والتبشير والتعليم فسمي أعضاؤها الإخوة الواعظون الذين تخصصوا بدرس اللآهوت وتعليمه وتدريسه".

اضاف: "أما القديس جان ماري فيانيه، خوري آرس فقد أختلف في أسلوب حياته الروحية والرسولية عن القديس عبد الأحد، فلم يبرع في اللاهوت والفلسفة، بل تعرض للطرد من الإكليريكية لأنه لم يتقن اللغة اللآتينية، لغة تعليم الفلسفة واللآهوت آنذاك، بل تميز بتقواه وحبه للرب وتوطيد العلاقة معه والإختلاء به ساعات طويلة في الكنيسة. وبفضل صلواته وأحاديثه مع الرب يسوع في القربان المقدس أصبح مرجعية للكثيرين من الكهنة والأساقفة والكرادلة الذين كانوا يأتون إليه للإسترشاد، وكان يمضي الساعات الطوال في كرسي الإعتراف فيتوافد إليه الكثيرون لتنقية ضمائرهم والعودة إلى الحياة الصحيحة والمستقيمة. خوري آرس عاش كهنوته بإلتزام حياتي مميز، فكان في الوقت عينه معلما ومدبرا ومقدسا. علم بمثل حياته فإقتدى به الكثيرون من الكهنة وما زالوا حتى اليوم ولذلك جعلت منه الكنيسة في بادئ الأمر شفيعاً لكهنة الرعايا، ثم بعد ذلك شفيعاً لكل الكهنة لأنه بنى حياته الكهنوتية على الصلاة والتأمل ساعات طويلة أمام القربان المقدس مجيباً على الذين يسألونه عن خبرته هذه فيقول: أتحدث إليه وهو يتحدث إلي، كما أنه جعل من رعيته قدوة ومثالاً للرعايا المجاورة ومن بعد ذلك إلى الكثير من الرعايا في فرنسا والعالم. قبل أن يسلمه قيادة القطيع سأل يسوع بطرس ثلاث مرات: أتحبني؟ فأجاب: نعم يا رب، أنت تعرف أني أحبك. وها هو السؤال الذي يطرحه عليك اليوم ليقول لك إرع حملاني، إرع نعاجي إرع خرافي. فالكهنوت، كما يقول القديس جان ماري فيانيه، خوري آرس، هو ثمرة محبة الله، إذ أنه ليس وظيفة كغيره من الوظائف ولا هو مجرد مسؤولية إجتماعية كغيرها من المسؤوليات. إنه إستعداد لحمل الصليب والتخلي عن أمور كثيرة وحتى عن أقرب المقربين وإعطاء الأولوية في الحياة للمسيح الذي يقول: من كان أبوه وأمه وإخوته وأخواته، وزوجته وأولاده أحب إليه مني فلا يستحق أن يكون لي تلميذا".

وقال: "الكهنوت هو محبة المسيح وهو مساهمة معه في عمل الخلاص. والمسيح في ذاته وهو مع كونه في صورة الله، كما يقول بولس في رسالته إلى أهل فيليبي: لم يعد مساواته لله غنيمة، بل تجرد من ذاته متخذا صورة العبد وصار على مثال البشر وظهر في هيئة إنسان فوضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب، ولذلك رفعه الله إلى العلى ووهب له الإسم الذي يفوق جميع الأسماء، كيما تجثو لإسم يسوع كل ركبة في السماوات وفي الأرض وتحت الأرض ويشهد كل لسان أن يسوع هو الرب (فيليبي2/6-11). الكهنوت هو محبة المسيح التي تفوق كل محبة إذ أنها عطاء كلي للذات وتضحية بالذات في سبيل خلاص الإنسان: فهكذا الله أحب العالم حتى أنه جاد بإبنه الوحيد كي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية، وهو لم يرسل إبنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص العالم (يو3/16-17). وقد عبر المسيح بذاته عن ذلك عمليا في حديثه عن الكرمة الحق عندما أعطى تلاميذه وصيته الوحيدة التي تختصر كل الوصايا الأخرى فقال: وصيتي لكم هي: أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم، إذ ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبائه (يو15/13-14). الخدمة الكهنوتية ليست وظيفة نقوم بها، ولو فعلنا ذلك على أكمل وجه، فإنها تبقى دون أية فعالية إن لم تكن مبنية على المحبة. فلا يكفينا أن نصل إلى درجة عليا من الثقافة، مع أهميتها وضرورتها، بل علينا أن نجمع إليها فعل عطاء الذات كليا لخدمة الرب في شخص من توكل إلينا خدمتهم. فالقديس خوري آرس لم يتميز بثقافته العالية ولا بكونه ملفانا في الفلسفة واللآهوت، بل على العكس فإنه قد تعرض للطرد من المدرسة الإكليريكية بسبب قلة إستيعابه لهذه الأمور، لكنه أحب الرب حبا كبيرا وأحب أخاه الإنسان فكرس حياته كلها لخدمته، فصار مرجعا روحيا للكثيرين. حتى لإخوته الكهنة والأساقفة والكرادلة، يلجأون إليه ليسترشدوه. وكان يستلهم هذه المحبة من المسيح الذي ربطته به علاقة محبة وطيدة إذ كان يمضي نهاره أمامه في القربان المقدس ويقول إني أنظر إليه وهو ينظر إلي. وهكذا صار شفيعا لكل الكهنة وقدوة ومثالا لهم".

وتابع بو جوده: "إن للكهنوت صفات ووظائف على الكاهن أن يقوم بها، لكنها لا تكفي إن لم تكن تعبيرا عن المحبة للمسيح وللإنسان. فالكاهن نبي يحمل كلمة الله للآخرين ويبشر بها ويكون شاهدا لها. يضع الله كلامه على لسانه كما قال للنبي إرميا: إني أضع كلامي على لسانك، فمهما آمرك به تفعل وما أقوله لك تقول. فدورنا ورسالتنا الأولى نحن الكهنة هو أن نتشرب كلمة الرب على مثال العذراء مريم التي كانت تسمع هذا الكلام وتعمل في مقتضاه. والكاهن هو قائد ومدبر من واجبه أن يهدم ويبني ويقلع ويغرس، وأن يقتدي بيوحنا المعمدان فيكون صوتا صارخا في برية هذا العالم"، داعيا الناس إلى "إعداد طريق الرب وجعل سبله قويمة. لكن قيادته لا تكون بالتسلط والهيمنة وفرض الذات، بل إقتداء بالمسيح الراعي الصالح الذي يعرف خرافه وخرافه تعرفه، فيقودها إلى المرعى الخصيب. وأنك بروح يوحنا المعمدان إخترت شعارا للكهنوتك مستوحى من كلامه فقلت ينبغي لي أنا أن أصغر وله هو أن يكبر. وعلى الكاهن أن يكون بخاصة، رجل صلاة وعلاقة حميمة بالرب، فيقدس ذاته أولا كي يستطيع أن يقدس الآخرين. فعالم اليوم هو في أمس الحاجة إلى علاقة صحيحة بالرب، بعدما تطور وتقدم جدا في العلم والثقافة والأبحاث والدراسات والإكتشافات والإختراعات، إلى درجة أصبح يعتبر نفسه إلها لنفسه ويضع الله جانبا ولا يتقيد لا بتعاليمه ولا بوصاياه. لقد إستسلم الكثيرون فيه إلى التجارب التي تعرض لها المسيح على يد الشيطان، تجربة المادة وتجربة رفض الله وتجربة السلطة، وكل هذه التجارب لا يشفى منها إلا بالصوم والصلاة".

وختم بو جوده: "هذا الأمر ليس غريبا عليك لأنك سليل عائلة كهنوتية عرف أعضاؤها في كل الأبرشية بتقواهم وروح الصلاة التي عاشوها وخدمتهم لعدد كبير من الرعايا في عكار ومنطقة الزاوية من قضاء زغرتا، وبلدة بشري من قضاء الجبة وذلك من أيام أجدادك إلى أيام المرحوم والدك الخوري أنطون وعمك الخوري يوسف الذي عرفته جيدا وللذين ما زال الجميع يذكرونهما بالخير وقد جعلا من عائلتيهما كنائس بيتية على ما يقول البابا القديس يوحنا بولس الثاني عندما يتكلم عن العائلة المسيحية. إنني سعيد بأن أرقيك اليوم إلى الدرجة الكهنوتية، بعدما باركت زواجك من العزيزة نادين، وقد إنتظرنا هذه الساعة منذ زمن طويل نحن وأشقاؤك وشقيقاتك وجميع ذوي قرباك ورفاقك وزملاؤك في الدراسة والتعليم وقد أصبح عدد منهم كهنة وأساقفة. فقلت يوم زواجك وأكرر القول اليوم، معهم جميعا وأخيرا (Enfin) صار إبرهيم خوري، وأطلب من الرب أن يعاملك كما عامل عمال الساعة الحادية عشرة لتنال الأجر الذي ناله من سبقوك. هذه هي تمنياتي لك اليوم، رافعا الصلوات للرب أن يرافقك في حياتك الكهنوتية وأن يجعل منك كاهنا حسب قلبه تعطي طعام الكلمة للذين ستخدمهم في سلك التعليم والخدمة الرعوية والتدبير، كما أتقدم بأصدق التهاني إلى زوجتك العزيزة نادين (الخورية الجديدة)، إلى أشقائك وشقيقاتك وجميع ذوي قرباك وأبناء بلدتك وكل أصدقائك وزملائك وهم كثر، فإلى سنين عديدة وليكن الله معك على الدوام".

بعد ذلك، تقبل الكاهن الجديد تهاني الاساقفة والكهنة والحضور في الباحة الخارجية للصرح البطريركي في الديمان واقيم كوكتيل في المناسبة.  

  • شارك الخبر