hit counter script

الحدث - دافيد عيسى- سياسي لبناني

جوليا بطرس... ويكفي

الإثنين ١٥ آب ٢٠١٨ - 05:58

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ليس من عادتي التطفّل والتدخّل في ما هو ليس من اختصاصي، كما أنّني أتهيّب الخوض في مجال رحب وعالم قائم في حدّ ذاته له قواعده وأطره الناظمة هو عالم الفن والغناء، ولكن أجد نفسي مندفعاً أنْ أكشف عن مشاعري وأفكاري حيال مهرجان جوليا بطرس الفنّانة الرائعة والسيّدة الراقية.

كيف لا ومهرجان هذه النجمة الكبيرة الذي استضافته صور وظللته قلعة "شقيف أرنون" وصدح فيه صوت جوليا جمالآ وفخرآ وتألقآ وتردّدت أصداؤه في كل أرجاء لبنان ووصلت إلى العالم العربي والخليج وأوروبا، تناولته كل وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة والمكتوبة العالميّة والعربيّة والمحلّية باهتمام وإسهاب وأبرزته على صفحاتها الأولى.
وما دفعني أيضآ إلى التفاعل مع جوليا أمران أساسيّان: الأوّل هو أنّ هذا المهرجان يشكّل طبعآ مع مهرجانات أخرى حصلت في مناطق أخرى مثل "الأرز" و"بيت الدين" و"بعلبك" و"جبيل" وغيرها من المناطق الأخرى التي لا مجال لذكرها واحدة واحدة، خرقاً إيجابياً مدوّياً لحالة التذمّر والنقمة و"النق" والشكوى حتى لا نقول الخيبة والإحباط التي يعيشها اللبنانيّون، هذه الحالة التي غَزَت المناخ اللبناني العام.
وبالتالي جاءت هذه المهرجانات بمثابة ضوء ساطع في صورة قاتمة ولتقدّم الدليل على أنّ لبنان ما زال أفضل من محطيه ولتكشف عن الوجه الآخر الجميل لهذا البلد الذي أساء إليه السياسيّون بأغلبيّتهم ويساهم الفنّانون، لاسيّما الذين ينتمون إلى الفن الأصيل، في تحسين صورته وإظهار النواحي الإيجابيّة والمُشرِقة في الواقع اللبناني.
أما الأمر الثاني فهو متعلّق حصراً بـ"جوليا بطرس" التي تشكّل ظاهرة لا بل حالة فنّية استثنائيّة لا تشبه غيرها ولا أحد يشبهها. جوليا التي صاغت على امتداد سنوات وعقود شخصيّة فنّية خاصة مؤيّدة للقضيّة الفلسطينيّة والعربيّة وغنّت لكل من وَقَفَ في وجه إسرائيل وعدوانها واعتداءاتها على لبنان وعلى العالم العربي، لكنّها في المقابل لم تُدخِل فنّها يومآ في الخلافات الداخليّة اللبنانية – اللبنانية، أو العربية – العربية، ومن يبحث في تاريخها وأرشيفها يعرف ويتأكد من ذلك، وأذكر كما كل اللبنانيّين يوم غنّت في عزّ الصراع والانقسام اللبناني الداخلي منذ سنوات في جونية، "القلب الماروني النابض"، كيف استطاعت أنْ تجمع يومها جنبآ إلى جنب شخصيّات سياسيّة من فريقي "8 و 14 آذار" وعلى رأسها رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون والسيّدة ستريدا سمير جعجع إضافة إلى الكثير من الشخصيّات الأخرى من الفريقين، وقد كان لافتآ ذلك، وقد كَتَبَت يومها الصحف اللبنانيّة أنّ ما فرّقته السياسة جمعته جوليا بطرس في حفلها.
من هنا حظيت هذه السيّدة بالتقدير والاحترام والإعجاب من ملايين الناس في لبنان وفي العالم العربي، وظل محبو جوليا والمعجبون بفنها على وفائهم لها وتعلقهم بها، وظلت هي وفية لهم تحاكي تطلعاتهم العاطفية والإنسانية والوطنية.
لذا لم يكن مستغرباً ولا مستبعداً هذا الحشد الشعبي الكبير الذي ضاقت به الأدراج والأمكنة وجاء يعبّر بعفوية صادقة وعاطفة دافقة عن حبه لجوليا، وفي وقت شكا منظمو مهرجانات كثيرة هذا العام من صعوبة تأمين المشاركة الواسعة بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها لبنان، كان منظمو مهرجان جوليا والقيّمون عليه يتفاجأون ويُصدمون إيجاباً بحجم المشاركة التي فاقت كل التوقّعات وبنفاد البطاقات في الـ24 ساعة الأولى للإعلان عن المهرجان، مع الإشارة هنا إلى أنّ نفاد بطاقات حفلتي جوليا لم يحل دون وقوع خسائر ماليّة كبيرة تُقدّر بمئات آلاف الدولارات بسبب ضخامة الإنتاج الذي لم يشهد لبنان مثله في تاريخه وفي أي من المهرجانات الأخرى، وجرى تغطية خسائر الحفل من المال الخاص لزوجها النائب الياس بو صعب ومن الشركات الراعية للمهرجان.
ضخامة الإنتاج الذي تحدث عنه الإعلام العالمي بإعجاب وإسهاب، والذي أبهر اللبنانيّين، قابلتها ضخامة في المشاعر والانفعالات الشعبيّة، وعند مشارف بحر صور كان بحر من الناس يزيد المشهد رونقاً ومهابة وكان الشباب الثائرون على واقعهم المؤسف، الصامدون في وطنهم رغم كل شيء، يشاركون بكل جوارحهم ويتفاعلون متمايلين منشدين منفعلين حتى الأعماق.
لم يسبق أن شهد أي مهرجان فني هذا الدفق البشري وهذه العلاقة الشعبية العاطفية بين الفنان والجمهور، رئيس مجلس النواب نبيه برّي شارك شخصياً مع أفراد عائلته في هذا المهرجان وتفاعل مع أغاني جوليا، أحد المعلّقين السياسيين البارزين الذي كان يحضر الحفل قال إنّ هذا المهرجان الفني أكبر وأهم وأبلغ أثراً وتأثيراً من أيّ مهرجان سياسي يمكن أنْ يحصل اليوم في لبنان.
جوليا التي يصل صوتها إلى قلوب الناس وعقولهم ويفعل فعله، تُتْقِنُ وعبر أغانيها المميّزة شعراً ولحناً وأداءً فن إيصال الرسائل الوطنيّة والإنسانيّة وتحريك المشاعر والعواطف وكسب القلوب والعقول، وهذا ما بات يعجز عنه السياسيّون، وإنْ فعلوا فإنّهم لا يلقون إصغاءً وتجاوباً لأنّهم فَقَدوا القدرة على الإقناع والتأثير.
مع إطلالة زاهية متألقة، وسط جمهور عاشق لها، خطفت جوليا القامة والقيمة الأضواء والأنفاس وأسرت القلوب ودغدغت المشاعر، جوليا التي وقفت ملكة على مسرح عابق برائحة التاريخ استحقت التصفيق الحار الذي استقبلها وواكبها وكل الإطراء والمديح الذي حصدته، جوليا بطرس هي وجه جميل لا بل رائع في هذا المشهد اللبناني البائس الذي نعيشه اليوم.
في الختام جوليا بطرس كانت من دون شك ومن دون منازع الحدث على المستوى الفنّي في صيف عام 2018...
 

  • شارك الخبر